موسم الهجرة إلى البرلمان
هوشنك بروكا
بدايةً لابدّ من التنويه إلى تناص عنوان المقال مع عنوان رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”؛ الرواية الأشهر للأديب السوداني الراحل، الملقب ب”عبقري الرواية العربية”، الطيب صالح(1929
ـ 18 فبراير 2009). نُشرت هذه الرواية لأول مرة في مجلة “حوار”، في سبتمبر 1966، وكانت من أولى الأعمال الروائية الراقية التي تناولت الصدام بين الحضارت: حضارة “الشمال الأنثى” وحضارة “الجنوب الرجل”، واختيرت كواحدة من بين مئة أفضل رواية في القرن الماضي، على مستوى المنتوج الروائي العالمي.
ولكن، يجب القول بأنّ ليس هناك ما يربط هذا المقال ومضمونه براوية الطيب “الطيبة”، سوى التناص معها، على مستوى العنوان فقط(خصوصاً مفردتي “موسم” و”الهجرة”)، ليس إلا.
فلدى تفكيري بكتابة شيء عن “الإنتخابات البرلمانية” المقبلة، في كردستان العراق، والمزمع إجراءها في 19 مايو المقبل(فيما لو لم يحدث طارئ، وما أكثر الطوارئ في العراق وكردستانه، حيث سبق وتم تأجيل الكثير من “الوعود”، من بينها “وعد” حل مشكلة كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، و”وعد” تشكيل حكومة كردية جديدة، حيث كان من المقرر في العام الماضي، أن يتم “ترشيقها”، أي تخفيض عدد وزاراتها إلى النصف، أي حوالي 20 وزارة، ولكن الترشيق المُراد ما حدث للآن)، استهواني عنوان هذه الرواية، لما لهذا العنوان من مغزى كثير ومعبّر، عما يحدث هذه الأيام من “هجرة هائلة”، إلى “موسم” القادم من البرلمان، والقادم من القطاف والتحويش على يديه.
والجدير ذكره، هو أنّ هذه الإنتخابات البرلمانية، هي الثالثة في كردستان، منذ عام 1992 الذي شهد أول انتخابات كردية لبرلمان الإقليم، في تاريخ أكراد العراق.
بعد نشوب حرب الإقتتال الأخوي بين الحزبين سنة 1994، كان البرلمان(كسائر مؤسسات الإقليم الأخرى) قد انشقّ على نفسه، إلى برلمانين ل”دويلتين”(دويلة السليمانية ودويلة هولير)، واحد لحزب الطالباني وآخر لحزب البارزاني.
وعلى خلفية الإتفاق الإستراتيجي الذي أُبرم بين الحزبين في 21.01.06 لتوحيد الإدارتين، تم توحيد البرلمانين، من جديد، في برلمان واحد، ممثل ب 111 عضواً، بينهم 28 إمرأة.
في آخر قانونٍ له بخصوص الإنتخابات(قانون رقم 1 لسنة 1992، المعدّل للمرة الرابعة، بتاريخ 25.03.09)، رفض برلمان كردستان(بناءً على مقترحاتٍ مقدمة من رئاسة الإقليم) بالأغلبية الساحقة، “العمل بنظام القوائم المفتوحة بدلاً من المغلقة”، حيث كان عشرة من البرلمانيين قد قدموا مشروعاً إلى اللجنة القانونية في البرلمان، طالبوا فيه بتغيير النظام الانتخابي من المغلق إلى المفتوح”، ما كان سيسمح بفك “الإرتباط” أو التحالف بين الحزبين الحاكمين، الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.
من الناحية النظرية، وفيما لو تغاضينا الطرف عن ديكتاتورية “القائمة المغلقة”، التي ستمارس في الإنتخابات المقبلة، على أية حال، كما مورست من قبل، فإنّ هناك الكثير من النقاط، التي يمكن أن تدفع بالعملية الديمقراطية في كردستان، إلى الأمام، فيما لو لم يصبح القانون الأخير المقرّ والموافق عليه من قبل البرلمان، مؤخراً، مجرد حبر على ورق، كالكثير من القوانين، التي لا وجود لها، سوى في أدراج المسؤولين وعلى رفوف مؤسسات كردستان، التي تزداد أفقياً على مستوى الكم، دون إنتاج أي “كيف” ممكن، أو “محرز” وجدير بالذكر.
من هذه النقاط الإيجابية، على المستوى النظري، في القانون المشار أعلاه، مثلاً:
تمثيل نسبة النساء، بما لا يقل عن 30%(المادة الرابعة)؛ وتحصيص خمسة مقاعد للكلدان السريان الآشوريين، وخمسة مقاعد للتركمان، ومقعد واحد للأرمن، مع الإشارة إلى ضرورة “انتخاب مرشحي كل مكون من قبل الناخبين من المكونات المذكورة”(المادة السادسة والثلاثين)، كما جاء في القانون.
لا شك، أنه لتمثيل مقبول، لا بل وجيد، مقارنةً مع النسبة السكانية لهذه المكونات الإثنية في كردستان.
ولكننا نعلم من “ديمقراطيات” الشرق “الورقية”، أنّ القانون لا يذهب فيها أبعد من مساحة الورق، أو الحبر المرشوش عليه.
لأن عملية الإختيار والتمثيل، سواء على مستوى النساء أو الأقليات(الكردية أو اللاكردية) في كردستان، لن تخرج، بأي حالٍ من الأحوال، عن حدود الطاعة المطلقة ل”ديكتاتورية” القائمة المغلقة، المتفق على تشكيلتها سلفاً من جهة الحزبين الرئيسيين، القابضين على كل شئون الداخل والخارج إلى ومن الإنتخابات البرلمانية المقبلة.
من هنا، لا يمكن التفكير بأي “زواج ديمقراطي” بين أية قوائم إنتخابية، دون حضور ومباركة مأذون موفَد من شيوخ “القائمة المغلقة”، المتقاسمة مناصفةً بين الحزبين الحاكمَين.
وكذلك الحال بالنسبة للمرشحين “المستقلين”، أو اللامستقلين(كثّر الله من بركة أسمائهم)، الطائرين، هذه الأيام، على صهوات “توصيات مباركة” مختومة بخاتم هذا المسؤول الحزبي الرفيع المستوى أو ذاك، إلى كرنفال “زواج المسيار” مع البرلمان الكردي المنتظر!
ولمَ لا..طالما أن زواجاً سهلاً كهذا(حيث لا يحتاج سوى إلى “بطاقة حسن سلوك” وبعض توصية من فوق الحزبين)، سيغدق على صاحبه “السيّار” بحوالي خمسة آلاف دولار شهرياً، وسيارة “مونيكا لاندكروز” آخر موديل، ودزينة حراس ومرافقين، إلى جانب نثرية محترمة، لمدة أربعة أعوام، فضلاً عن مكافأته ب”قسيمة أرض” محترمة(تقدر قيمتها بعشرات آلاف الدولارات) في حي محترم ك”حي الملايين” في دهوك مثلاً، ومعاش “التقاعد السيّار” مدى العمر.
منذ إعلان البرلمان الكردي عن موعد الإنتخابات البرلمانية المقبلة، قبل أسابيع، بدأنا نسمع بظاهرةٍ جديدةٍ قديمة، أسميها بظاهرة “الهجرة إلى البرلمان”. وهي في حقيقتها ظاهرة مكرورة، متأسسة أصلاً على ظاهرة “الهجرة إلى المعاش”، والتي تعيد نفسها، كردياً، منذ دخول كردستان إلى “تاريخ التحرير” الذي وازاه تاريخٌ آخر، يمكن تسميته ب”تاريخ تقسيم الكعكة الكردية”، بعد انتفاضة ربيع 1991.
وتأسيساً على المنطق النفعي(بقصد الكسب) لهذه “الهجرة”(الهجرة إلى كعكة الوظيفة، والمعاش، والتقاعد)، ارتأيت تسمية فترة ما قبل الإنتخابات البرلمانية، ب”الموسم..موسم الهجرة إلى البرلمان”، وذلك لما لمفردة الموسم من دلالة كبيرة، تحيل القارئ إلى ثيمتين أساسيتين: الإجتماع والكسب.
فالموسم، لغةً، هو المجمع الكثير من الناس. وموسم الشيء يعني وقت ظهوره فيه، أو اجتماع الناس له، كموسم العنب، أو القطن، أو الحج، أو الصيد، أو الإصطياف(المعجم الوسيط، مادة الوسم).
فمن يتتبع أخبار “موسم البرلمان الكردي”، لا سيما تلك “الأخبار المغلقة” المتداولة في الكواليس، وفي “حلقات الرقص” ل”خاطر” لحزب، والتي تتحدث عن الطرق والوسائل والشروط التي، يمكن أن يتقدّم بها “مرشح المستقبل” إلى شرف القبول في “موسم الحج إلى البرلمان”، فسوف يكتشف حينها حجم الكارثة التي حلت ب”أكبر مؤسسة تشريعية”، في كردستان العراق، التي من المفترض، والمفروض بها، أن تكون “القبلة الكردية” الحقيقية، لصناعة ما يمكن صناعته، من وطن، ومواطنة، ومؤسسات مجتمع مدني، وحقوق، وحرية، ومساواة، وديمقراطية.
أخبار “المرشحين” إلى البرلمان القادم، و”المعيّنين” فيه سلفاً، والذين يتقاطرون زرافاتٍ ووحداناً، إلى الأبواب والشبابيك الخلفية للحزبين الحاكمين، بقصد الحصول على “منحة” أو “بطاقة لامانع” حزبية، تمهدهم لدخول حزبيٍّ سهل إلى القادم من البرلمان؛ أخبارهم تقول أنّ حال الإنتخابات القادمة، على مستوى علاقتها بمفهوم “الإنتخاب”، كمفهوم ديمقراطي، يتيح كل “الممثلين الممكنين”، حق المنافسة الحرة، فيما بينهم، هو حال لا يبشر بأي خير، ولن يكون بأحسن من حال سابقاتها من “الإنتخابات” أو سواها من المنافسات، التي لا تزال أسيرةً لسياسة الفيفتي فيفتي، المتبعة بين الحزبين منذ حوالي 18 عاماً من الملك في كردستان.
ما يتردد حالياً من حديث، ونقاشٍ، وأخذٍ وردٍّ(خصوصاً على مستوى الإعلام الرسمي) عن الإنتخابات البرلمانية المقبلة في كردستان، يوحي المراقب، للوهلة الأولى، وكأن كردستان تعيش في “ديمقراطية خمس نجوم”، و”حرية آخر موديل”.
فهذا المحلل السياسي يقارن نموذج أكراده، نسبياً، بالنموذج السويسري، وذاك يقرّبه من النموذج البلجيكي، وثالث يوصفه بالنموذج الأقرب إلى النموذج المبتكر، “الكردي الممتاز”، الذي هو في طريقه إلى “ديمقراطية كردية ممتازة”!!!
ولكن الحقيقة الكردية، في كردستان الحقيقية، تقول العكس تماماً. حيث لاوجود للديمقراطية وأخواتها وعماتها وخالاتها، ولاهم يحزنون، لا على مستوى “حقوق الناخب” ولا على مستوى “حقوق المرشح”، أو الأصح، المعيّن سلفاً، من دائرته الحزبية المتوسطة له لدى الفوق، قبل انتخابه عبر الدائرة الإنتخابية.
فمن السهل جداً الحديث عن مبدأ “الإنتخاب”، كمبدأ أساسي من المبادئ الديمقراطية، وبالتالي البحث النظري عن أصوله ومفاهيمه ونماذجه، أما تطبيق الديمقراطية وممارستها، كشكل من أشكال الحكم، وذلك من خلال إشراك الشعب في حكم نفسه بنفسه ولنفسه، فهو شيء آخر.
فهل يحكم الكرد أنفسهم بأنفسهم ولأنفسهم في كردستان؟
بكل تأكيد، كلا.
الوقائع على الأرض، لا تشير إلى أية عملية ديمقراطية ممكنة في كردستان، ليمارس الكرد فيها حقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم، كما يُدّعى، بقدر ما أنّ هناك حكم الشعب بالحزب، وحكم هذا الأخير بالحيتان السياسية القابضة على كل مفاتيحه.
ف”العملية الديمقراطية” في كردستان، هي مختزلة بكل بساطة في “ديكتاتورية توافقية” متفق عليها بين الحزبين الحاكمين، وهي تسمى تجاوزاً ب”الديمقراطية التوافقية”!
أما بحسب الأدبيات الديمقراطية، في كل أنحاء العالم الديمقراطي الحر، فلا يمكن لأية ديمقراطية حقيقية أن تكون “توافقية”، تماماً مثلما لايمكن لأي “حكم توافقي”، أن يكون حكماً ديمقراطياً. فالديمقراطية والتوافقية، مصطلحان متنافران. هما خطان متوازيان، لن يلتقيا مهما امتدا، إلا بإذن “ملوك الطوائف” و”أمراء الأحزاب”، الذين يريدون ل”لديمقراطيتهم” أن تكون، بجرة قلم، هكذا “توافقية”.
فالديمقراطية التي يتوافق عليها، أطراف توافقية توفيقية، تستحيل بدون أدنى شك، إلى نقيضها، أو إلى ديمقراطية ممسوخة ومشوهة في أحسن الأحوال.
إنطلاقاً من هذه “الديمقراطية التوافقية” المفصّلة كردياً، يمكن فهم فحوى ما يسمى ب”الإتفاق الإستراتيجي” الموقّع بين الحزبين منذ ما ينوف عن ثلاث سنوات ونيف، والذي يقضي بتوزيع كل كردستان بينهما مناصفةً، أي بتقسيم كردستان إلى نصفين: نصف للديمقراطي وآخر للإتحاد الوطني.
ولأن “إستراتيجية” الإتفاق، قائمة أصلاً على “المحاصصة”، ومؤسسة في بنيتها على “توزيع الثروة والملك والمنصب” مناصفةً، بحسب قوة ونفوذ الحزبين، حيث يسيطر كل منهما على “نصف كردستان” الحالية، لهذا يتوقع المراقبون حدوث شرخ كبير في جدار هذا “الإتفاق” و”استراتيجيته”، بعد العواصف الأخيرة التي ضربت الإتحاد الوطني، وإعلان جناح القيادي البارز المنفصل عن الإتحاد، وأحد أبرز مؤسسيه، نوشيروان مصطفى، بالدخول إلى معركة الإنتخابات، ب”قائمة مستقلة”، وهو ما يعني عملياً الدخول في منافسة قوية ضد الإتحاد الوطني، على حصته أو نصفه من كردستان، بالدرجة الأساس.
وقد ناقش قيادة الحزبين هذه القضية فيما بينهم أكثر من مرة، لأجل إعادة النظر في “الإتفاق الإستراتيجي”.
وبحسب مصادر كردية مطّلعة كثيرة، فإنّ “المكتب السياسي للديموقراطي الكردستاني أثار شكوكه، أكثر من مرة، حول امكانية تطبيق الاتفاقية الاستراتيجية مع غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة وضرورة العمل على تعديل الاتفاق اثر رغبة القيادي المستقيل في الاتحاد الوطني الكردستاني نوشيروان مصطفى المشاركة في الانتخابات المقبلة بقائمة مستقلة وتزايد رغبة بعض القياديين الاكراد للمشاركة في قائمة نوشيروان،بما يؤثر على عدد المقاعد التي يمكن ان يحصل عليها الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان الجديد للإقليم الكردي، لذلك طرح الحزب الديموقراطي خيارين امام الاتحاد الوطني الكردستاني، الخيار الأول، مراجعة الاتفاقية الاستراتيجية مرة اخرى واضافة نقطة اليها، في حال حصول نوشيروان مصطفى على مقاعد في البرلمان الجديد، الامر الذي سيقلل من عدد مقاعد الاتحاد الوطني الكردستاني، خاصة وان الاتفاقية تنص على توزيع مقاعد البرلمان بالتساوي بين الحزبين، الامر الذي لن يكون ممكنا بدخول طرف ثالث الى البرلمان.
اما الخيار الثاني فهو ان يقوم الاتحاد الوطني الكردستاني باقناع نوشيروان بعدم خوض الانتخابات بقائمة مستقلة، واقناع مريديه بالتصويت لقائمة الاتحاد الوطني الكردستاني”(الوطن الكويتية، 22.03.09).
في كل الأحوال، وكما هو واضح من “القلق الإستراتيجي” للحزبين من مستقبل اتفاقهما، المهدد بالخروج عن طورها “الإستراتيجي”، فإنّ من الصعب كردياً، هذه المرة، أن “تؤدي كل الطرق إلى روما كردية”، حيث كردستان تعيش الكثير من الإحتقان، وعلى أكثر من مستوى.
فديكتاتورية الحزب، وديكتاتورية المنصب، وديكتاتورية الفساد، وديكتاتورية العشيرة الفاعلة على حساب مؤسسات المجتمع المدني ال”مفعولة بها”، وديكتاتورية نصف كردستان(الرجل) ضد نصفها الآخر، وديكتاتورية الأقوال في غياب الأفعال..كل ذلك يشير إلى أن القادم من كردستان، هو على كف أكثر من عفريت.
فأية ديمقراطية، وأي برلمان يمكن أن نتوقعهما من هكذا كردستان ترزح تحت ملك “ديكتاتور كثير”، من مطبخ الحزب إلى مطبخ البيت، مروراً بمطابخ الحكومة وسائر مؤسسات الدولة والمجتمع الأخرى؟
أي برلمانٍ يمكن أن نتوقعه بأن “يُنتخَب”، وجلّ المعيّنين فيه سلفاً، هم مهاجرون إليه: مهاجرون إلى التوظيف، بدلاً من التمثيل فيه؛ ومهاجرون إلى المعاش والعيش عليه، بدلاً من نقل صورة حياة الناس، وحاجاتهم ومطاليبهم إليه؛ ومهاجرون إلى كسل التقاعد “المضمون” بعد أربعة سنين كسولة، بدلاً من العمل والإشتغال على صناعة الفعل والقرار فيه.
فالغالبية الساحقة من المهاجرين، ههنا، إذ يتخذون من برلمان كردستان، جهةً نفعيةً لهجرتهم، هم “غرباء” على الأكثر، و”عالة” عليه.
ومن تابع بعض جلسات برلمان كردستان على الهواء مباشرةً(على قلتها) سيلحظ مدى “أمية” الغالبية الساحقة من أعضائه، بشئون العمل البرلماني، و”غربتهم” من روح البرلمان، كأهم مؤسسة، من المفترض بها أن تكون الأفعل على الإطلاق. هؤلاء، إذ يجتمعون تحت قبة البرلمان، كغرباء، لا ينتجون القرارات أو المشاريع التي من شأنها تصنع وطناً ينتج، بقدر ما أنّهم يجترونها، وينتظرون لحظة التصويت عليها، ب”نعم” أو “لا”، مرسومة لهم مسبقاً، ولرفع أو وضع أيديهم مع يد رئيس كتلتهم، التي هي تساوي في حقيقتها كل البرلمان.
ففي ظروف كردستان الراهنة، يمكن القول أن برلمانها يمشي على رجل واحدة، وهو رجل السلطة، حيث الحزبان المتحالفان يحتكران كل السلطة وكل الملك، في ظل غياب كامل للمعارضة. فلا وجود للكتل البرلمانية الفعلية، بقدر ما أنّ هناك برلمان هو كتلة واحدة موحدة(متفق عليها من جهة الحزبين الحاكمين)، أو كتلة واحدة هي كل البرلمان.
أما المهاجرون إلى القادم من برلمان كردستان، الذي هو غريب كبير كثير، على غالبيتهم، فهم أصناف:
فمنهم، المهاجر الكفوء(على قلته)، الذي يبحث عن مكان مناسب لكفاءته المناسبة.
ومنهم، المهاجر من سنين كده وشقائه أيام الجبل البيشمركة، لعل وعسى، أن يأكل بعضاً من مائدة ثورته التي كانها دماً ما، في جبلٍ ما، قبل أن تأكله هذه الأخيرة(الثورة)، مثلما أكلت الكثيرين من أبنائها.
ومنهم، المهاجر من خيمة عشيرته، التي وقفت زمان خيمةٍ ما، مع عشيرة الحزب الفلاني أو العلاني، في سنوات ضيقها الماضية، فالجميل بالجميل يُذكر ويُرّد.
ومنهم، المهاجر من فشله الثقافي، أو المهني، أو الأكاديمي، لعل وعسى، أن تنعم عليه السياسة ببركاتها ونعماتها وعطاءاتها.
ومنهم، المهاجر من مهجره الغربي الوثير(الأوروبي أو الأمريكي)، الذي فشل بإمتياز، في الإنتساب إليه، عله يعوض عن “فشله الممتاز” هنا، ب”نجاح ممتاز” هناك، وأن يحوّل من “عقدة نقصه” هنا، إلى “عقدة تفوّق” هناك.
ومنهم، المهاجر من تاريخه الخارج كردي، والخارج وطني، والخارج نضالي، والبعثي بإمتياز، والحاصل سابقاً، على ما كان يسمى ب”نوط الشجاعة” من قائده “المفدى”، تكريماً لإبداعه في فنون الجريمة بحق الشعب، عساه يدخل تاريخ الكرد وكردستانهم، من أوسع أبوابه، وعله يبدّل تاريخه القديم، الأسود، الذي “ياما” قتل به الجبل الكردي، والمزار الكردي، والمقدس الكردي، والبيشمركة الكردي، بتاريخ كردي جديد، أبيض، آخر موديل.
ولا عجب في هذا، فالبعثيون الذين ركبوا تاريخاً كاملاً من القتل والتعذيب والتنكيل بكل خارجٍ عن “وصايا القائد”، هم وفقاً للقانون العراقي مشمولون ب”الإجتثاث”، بينما هم أنفسهم يُشملون في كردستان ب”التكريم”، و”الحفاوة”، و”الوظيفة الرفيعة”، و”رئاسة الدوائر الحساسة”، وسوى ذلك من المكانات المرموقات.
وكما كتب الكاتب الزميل أحمد رجب، في إحدى مقالاته(المنشورة في أوائل مايو 2008)، التي كتب فيها مشاهداته، وما رآه في كردستان، بأم أعينه، يقول ما معناه:
“لا تتعجب حين ترى البعثي السابق، والمخابراتي السابق، والجاش السابق، وإبن الماضي الأسود السابق، والعمالة السابقة، والجاسوسية السابقة، قد أصبح الكردي المدلل اللاحق، الذي يشغل الآن أرفع المناصب الحساسة في قوات الببيشمركة، ومراكز أخرى..لدرجةٍ تجعل البيشمركة السابق يتعجب ويتساءل بمرارة: لماذا حاربت وجبلي النظام الديكتاتوري إذن؟
والسؤال المركزي الذي يبقى، ونحن على أبواب انتخابات القادم من البرلمان، هو:
متى سيهاجر البرلمان في كردستان، من غربته الكائنة في”ديكتاتورية الحزب”، إلى ديمقراطية الشعب؟
هوشنك بروكا
ايلاف