ليبرمان يضرب الأطفال
موفق نيربية
حين جاء ابن أفيغدور ليبرمان باكياً إلى أبيه، يشكو إليه ثلاثة أولادٍ ضربوه، خرج غاضباً وفتّش المنطقة حتى وجد أحد ‘المعتدين’؛ وعمره اثنا عشر عاماً؛ فحصره في مكانٍ ضيق، ثم ضربه حتى أدماه. حدث ذلك في عام 1999، ثم اعترف ليبرمان بالأمر أمام المحكمة في صفقة بين محاميه والقاضي، مقابل الحكم عليه بغرامة مالية وحسب.
من باب التطيّر- وربما عدنا إليه بعد نفاذ العقل- أن يكون مولد ليبرمان في الخامس من حزيران/يونبو، قبل هزيمتنا بتسع سنوات، ولا ينفع العقل إذا تناوب العمل مع الحماقة، في جهتنا أو الجهة الإسرائيلية، أو افتقد إلى التواقت بين الجهتين، كما يحصل مراراً، فلا يستفيد بذلك إلاّ المتطرّفون والمغامرون هنا وهناك، مع ملاحظة أن ما يخسره الإسرائيليون أقل بكثير مما نخسره بضياع الوقت.
فلدينا أرض محتلة ولاجئون ونازحون، يفقدون المزيد فالمزيد مع التقادم الحقوقي، هذا الافتقاد إلى التواقت موجود أيضاً غالباً بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية، لكن التنافس بين ضرورة التقدم الجدي في مسألة السلام في الشرق الأوسط وأولوية أمن إسرائيل، لا يأتي لمصلحة الأولى دائماً، منذ تقدّم ترومان للانتخابات الرئاسية، وإعلانه خضوع السياسة الخارجية في أكبر دولة في العالم للضرورات الانتخابية.
يُسمّى هذا الرجل في إسرائيل ‘صانع الملوك’، بعد أن احتلّ حزبه المركز الثالث في الانتخابات الأخيرة، وأصبح ‘بيضة القبّان’ بين الحزبين اللذين حلاّ أولاً في الانتخابات، فاستطاع بذلك أن يتسلّم إدارة السياسة الخارجية، التي لا يرى صعوبةً بين متطلباتها ومواقفه المعلنة الثابتة، وهي جزء رئيس في بناء شعبيته المتعاظمة بانتظام لأربع دوراتٍ برلمانية متتالية.
قال فور تسلّمه مكتبه من تسيبي ليفني، ما مؤدّاه أنه لا يؤمن إلاّ بالتفاوض على مقايضة السلام بالسلام، ورفضه مبدأ الأرض مقابل السلام، وإعادة هضبة الجولان، وما توصّل إليه مؤتمر أنابوليس. وهو يدعم بذلك رأي الذين يحاولون تجاوز المبادرة العربية وسحبها من التداول، ورأيَ مَن يقول إن العنف المطلق طريق وحيد للحل، في الطرفين، كذلك يُضيف سبباً جديداً لنا لاعتبار إسرائيل مصدراً جوهرياً لآلامنا… ولآثامنا أيضاً.
يرى ليبرمان أن العملية السلمية قامت على ثلاثة افتراضات زائفة: أولها أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو السبب الرئيس لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وثانيها أن النزاع يتعلّق بالأرض وليس بالإيديولوجيا، وثالثها أن تأسيس دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في عام 1967 سوف ينهي الصراع.
كما كان عرض خطة في عام 2004 للفصل بين العرب واليهود، أسماها ‘خطة تبادل الأرض بسكانها’، فلا يبقى في إسرائيل إلاّ من يَثبُت ولاؤه لها، وبذلك أجبر شارون نفسه آنذاك على طرده من الحكومة قائلاً إننا ‘نعتبر العرب الإسرائيليين جزءاً من دولة إسرائيل’، ويمكن أن نضيف أيضاً أنه اتُّهم بالانتساب إلى حركة ‘كاخ’ العنصرية المتطرفة في مطلع حياته السياسية.
لن يطرد نتنياهو ليبرمان من حكومته، فهو يعرفه جيداً منذ كان الأخير مديراً لمكتبه كرئيس للوزراء، وكان لايزال في صفوف الليكود، كما أن نتنياهو غير شارون، ولو كره ذلك من يرى منّا أن كلّ الإسرائيليين سواء، بل إن أسوأهم أكثرهم اعتدالاً.
في الفترة ذاتها، كان مؤتمر قمة الدوحة أكثر المؤتمرات إثارةً للكآبة منذ زمنٍ، فهو لم يقدّم شيئاً ذا قيمة يمكن تسجيله للشعوب العربية، ما خلا ما أعطاه لعربيّ واحد هو الرئيس السوداني الذي تلاحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وبغضّ النظر عن براءة البشير من الاتهامات، وعن الاستخدام السياسي للمحكمة، وحتى عن الحرص المُعلن على استقلال السودان ومخاطر تفتيته من قبل الطامعين بثرواته وربما بموقعه الاستراتيجي، فإن دوافع الموقف غالباً غير ذلك عند البعض. ولم يكن الموضوع كافياً لمنع الكآبة.
لكن الأكثر أهميةً هو تأثير انخفاض سقف القمة على الحالة الفلسطينية المشكلة، وانعكاس غياب مصر على مجريات المصالحة الفلسطينية التي تراوح مكانها في القاهرة، وقد أظهر ذلك شيئين اثنين معاً: زيف الاهتمام الرسمي بها وهامشيته، واستحالة الاستغناء عن الدور المصري بحجمه الكبير وارتباطه العضوي الذي لا يستطيع أحد تجاهله. اضطرار ‘حماس’ العملي للتعامل مع مصر ومن بابها؛ رغم خلفيات الاختلاف أو التأثير الإيراني-السوري؛ دليل واضح على ذلك.
فهل تفرح الأطراف الفلسطينية والإقليمية التي تلعب السياسة من خلال مفهوم العرقلة وتحصيل الثمن بمجيء حكومة نتنياهو وليبرمان؟ وبأن الآخرين سوف يغرقون أيضاً في دوامة العجز واستدعاء الحلول الممكنة بخبط الرأس على الجدار الفاصل الأصم؟!
ليبرمان يضرب الأطفال، بعد أن يشلّ نتنياهو حركتهم!
* كاتب سوري