اسرائيل

مَنْ يضحك على مَنْ؟

سعد محيو
ثمة نكتة شهيرة أوردها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في كتابه “أسرى ألتونا”، عن مواطن فرنسي ساذج قرر الانتقام من زوجته الخائنة فعمد إلى الانتحار. وبذا، دمّر نفسه وأطلق يد زوجته.
هذه أيضاً قد يكون الآن حالنا نحن العرب مع “إسرائيل”: التهديد بسحب مبادرة السلام العربية، كما “هددت” القمة العربية مؤخراً، أو حل السلطة الفلسطينية، كما هدد قبل يومين أحد كبار المسؤولين فيها، إذا لم تتوقف “إسرائيل” عن خيانة مشروع السلام.
بيد أن هذه التهديدات ب”الانتحار” لم، ولن، تحرّك رمشاً واحداً في عين الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة. فهذه أصلاً، كما أكد وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان، لاتؤمن سوى بأمر واحد: الاستعداد للحرب والعمل دوماً أن تكون قوياً.
وهذا الموقف لا يتعلق بالسلام مع الفلسطينيين والتسوية مع العروبيين وحسب، بل يسحب نفسه في الدرجة الأولى كذلك على إيران.
فرئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو خاض المعركة الانتخابية الأخيرة وهو يعلن، ويكرر الإعلان، بصوت مزمجر: “إذا ما انتُخبت، فأعد بأن إيران لن تحصل على أسلحة نووية، وهذا يعني أن نقوم بكل ما هو ضروري لتنفيذ هذا الوعد”. وفي خطب أخرى، كان نتنياهو يشدّد على أن البرنامج النووي الإيراني “يشكّل تهديداً وجودياً ل”إسرائيل””.
الحرب، إذاً، على الجبهات الفلسطينية والعربية الأخرى وعلى إيران، هي جزء لايتجزأ من أجندة الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة. لكن ثمة فارقاً رئيسياً هنا: في حين أن المحللين الاستراتيجيين الغربيين و”الإسرائيليين” لايتوقفون كثيراً أمام أية أكلاف “إسرائيلية” في حرب جديدة مع العرب، إلا أنهم يضربون أخماساً بأسداس في ما يتعلق بالحرب على إيران. وهذا لسبب مقنع: الإيرانيون يستعدون للحرب مع “إسرائيل” وكأنها ستقع غداً، فيعدون لتفجير حرب إقليمية واسعة النطاق ضد “إسرائيل” إذا ما حاولت هذه الاخيرة تفجير مفاعلاتهم النووية، فيما العرب وضعوا كل بيضهم في سلة السلام فباتوا هدفاً سهلاً لقباطنة الحرب “الإسرائيليين”.
هذا لايعني أن الدولة العبرية قد لا تشن هجوماً مفاجئاً على إيران، خاصة إذا ما وصلت المفاوضات الإيرانية- الأمريكية حول الملف النووي الإيراني إلى طريق مسدود. فالخطط العسكرية جاهزة، وسلاح الجو “الإسرائيلي” أنهى تدريباته التي تحاكي الهجوم على إيران فوق البحر المتوسط وفي اليونان والسودان، وهو ينتظر القرار السياسي في تل أبيب.
بيد أن ذلك سيكون له ثمن، وثمن فادح أيضاً. “إسرائيل” تعرف ذلك، ولذا تحاول جر أمريكا إلى أي حرب مع إيران لخفض الأكلاف. هذا إضافة إلى أن نصف القيادة العسكرية “الإسرائيلية” يتهيّب من أي حرب مع إيران ويحذّر من مخاطر على وجود الدولة العبرية نفسه في حال تعثّرت أو فشلت.
بيد أن الصورة ليست كذلك مع العرب. فهؤلاء يعتبرون في تل أبيب الآن مجرد بطة عرجاء لايحتاج قتلها إلى أي جهد استثنائي، فكيف إذا ماكانت هذه البطة تهدد هي نفسها بقتل نفسها.
قصة المنتحر الفرنسي مثيرة للضحك بالفعل، غير أن سؤالاً يُطل برأسه حين تتم مقارنة هذا الفرنسي بالعرب: مَنْ يضحك، وعلى مَنْ يضحك؟
بالطبع، الضاحكون هم “الإسرائيليون”، ونحن المضحوك عليهم.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى