ما الفرق بين وثيقة أنابوليس وخريطة الطريق؟
ماجد عزام
أشعل وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان الأضواء الحمراء في عواصم إقليمية ودولية عديدة بمجرد حديثه في يومه الأول في منصبه الجديد عن رفضه للقاء أنابوليس وما تمخض عنه والتزامه ـ الديموقراطي ـ بخطة خريطة الطريق، كقرار صادر عن الحكومة الإسرائيلية رغم تصويته شخصياً ضد القرار عندما كان عضواً في حكومة أرييل شارون في العام 2003.
لماذا ميز ليبرمان بين أنابوليس وخريطة الطريق، وما هي الأهداف التي يحاول تحقيقها، وما مغزى قبوله بخريطة الطريق كما وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية؟
يعتقد ليبرمان واليمين الإسرائيلي عموماً أن رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت خضع لضغوط إدارة جــورج بوش الســابقة عندما وافق في لقاء أنابوليس على التفاوض حول قضايا الوضع النهـائي القدس والحدود واللاجئين مع تجاهل ترتيب وتتابع ـ وليس توازي ـ بنود خريطة الطـريق التي تتضمن مدخلا أمنيا ثم ما يشبه المرحلــة الوسيطة بسيطة ودولة فلسطينية بحــدود مؤقتة كــخيار نظري فقط قبل الخوض في المرحلة الثالثة والأخيرة حول الملفــات الصــعبة والوضع النهائي للدولة الفلسطينية، وذلك بعد قيام السلطة بإصلاحات سياسية وأمنية وتنظيمية تثبت جدارتها كشــريك قادر على إدارة الدولــة الموعــودة بما لا يؤثر سلبا على أمن اسرائيل ومصالحها. الليكود واليمين الاسرائيلي عامة يعتقد أن خريــطة الطــريق هي أحد أهم إنجازات اريـيل شــارون وتراثه لا فك الارتباط، لكونـها فرضــت المنــظور الأمني أي تفكيك البنى التحتية للمقاومة وإنهاء عملياتها وبناء الأجهزة الأمــنية ومؤسسات الحكم الرشيد كمدخل لأي حوار أو تفاوض سياسي، وبالتالي فإن هذا المطـلب شبه المستحيل يضمن عدم الخــوض في أي مفاوضات سياسية جــوهرية وذات مـعنى، دوف فايغلاس مستشار رئيــس الوزراء السابق شارون الذي أسهم شخصياً في إخــراج الخريطة الى حيز الوجود يقول إن مغزاها الحقيقي يفيد بأن الفلسـطينيين يجب أن يتحولوا إلى فنلنديين اذا ما أرادوا نيل دولتهم الموعودة، أما المعلق الشــهير ناحوم برنياع فيصف خريطة الطريق بأنها صيغت بأياد ليكودية، رغم ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية عندما وافقت عليها، فعلت ذلك بتحفظ وبعد إضافة أربعة عشر تعديلا، بعدما كانت مئة، رفضت بموجبها أي تبــادلية في التنــفيذ بمعنى ضرورة تطبيق الفلسـطينيين لما هو مطلوب منهم قبل أن تفي إسرائـيل بالاستحقاقات المطلوبة، منها الى ذلك احتوت التعديلات شروطا اخرى أهمها التمسك بما توصف بثوابت الإجماع الصهيوني رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ورفض الانسحاب إلى حدود 1967 عبر الإقرار بالواقع السكاني والديموغرافي الحالي في الضفة الغربية، والتمسك بالقــدس عاصمة أبدية موحـدة للدولة العبرية.
المعطيات السابقة تفسر إصرار ليبرمان وآخرين على قبول خريطة الطريق كما أقرتها الحكومة، مع التوكيد على ترتيبها الزمني تمهيدياً لإطالة المفاوضات إلى مدى زمني غير محدد، خاصة مع اعتبار إزالة سلطة حماس ووقف المقــاومة في غزة أحد بنود خـريطة الطريق التي يجب الإيفاء بها من قبل الفلسطينيين.
عبر زعيم حزب اسرائيل بيتنا عن موقف اليمين الحقيقي دون أي تجميل أو تزييف، ما يؤكد ذلك تصريحات الوزير جلعاد اردان المؤيدة، إضافة الى صمت نتنياهو المدوي والمعبر، غير أن القصف الكلامي لليبرمان قد يستخدم في سياق المساومة والابتزاز مع إدارة باراك أوباما والمجتمع الدولي، كأن يوافق نتنياهو مثلا على وثيقة أنابوليس، لكن مع إعادة الاعتبار للشرط الذي أصر عليه ايهود أولمرت وتسيبي ليفني ايضا بربط تنفيذ أي اتفاق قد يتم التوصل اليه بتطبيق خريطة الطريق بحذافيرها، كما أن نتنياهو قد لا يرفض إلى الأبد فكرة دولة فلسطينية ولكنه سيحاول فرض مفهومه لهذه الدولة، حكم ذاتي موسع يتولى عبره الفلسطينيون إدارة شوؤنهم بأنفسهم، ولكن دون تهديد أو التأثير سلباً على أمن إسرائيل، ويمكن تسمية هذا الحكم الذاتي بدولة أو حتى امبراطورية حسب تعبيره الساخر عام 1998 ما دام يأتي في السياق أو التصور الاسرائيلي للتخفف والتحلل من العبء الفلسطيني.
لم يعد أفيغدور ليبرمان هامشيا في العقل السياسي الاسرائيلي، انه يعبر في الحقيقة عن متن أو التيار الرئيس فيه، هذا العقل الذي لا يعتبر الملف الفلسطيني أولوية، حيث إن الخطر الوجودي الأهم هــو إيران وملفها النووي، لا بد من تأهيل الفلسطــينيين وتربيــتهم حتى يثبتوا أنهم جديرون بالتفاوض مـع إسرائيل على القضايا النهائية، وحتى بعد ذلك فإن الحل هو نفسه الذي طرحه مناحيم بيغن في كامب ديفيد الأولى، حكم ذاتي موسع للسكان لا على الارض، ويمكن تحديثه فقط عـبر إطلاق اسم دولة على هذا الحل، للأسف كما دائما لا بد من التطرق إلى الانقسام الفلسطيني الغبي وغير المبرر والذي يسهل إنفاذ وإنجاح الخطط والمشاريع الإسرائيلية الصغير منها والكبير رغم أن إسرائيل ليست في أحسن أحوالها ليس أدل على ذلك من كون أفيغدور ليبرمان وزير خارجيتها.
([) مدير مركز شرق المتوسط للإعلام