الناطق باسم الاخوان المسلمين في سورية: ندعو المعارضة لصياغة استراتيجية وطنية جديدة تسقط المراهنة الخارجية عليها
لندن ـ خدمة قدس برس
كشف قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في سورية النقاب عن أسرار الخلاف الذي دب في جبهة الخلاص الوطني وكان من نتائجه أن أعلن الإخوان المسلمون انسحابهم رسميا من جبهة الخلاص التي أسسوها بالتحالف مع النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام عام 2006، وأكد أن موقف الانسحاب كان استجابة لأمر واقع، خلفيته الموقف من القضية الفلسطينية.
ونفى الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية زهير سالم في حوار شامل خص به “قدس برس” في لندن أن يكون مد الإخوان ليدهم إلى السلطة مقرونا بالتوجه الأمريكي والأوروبي للحوار مع سورية، وأشار إلى أن تعليق الإخوان لأنشطتهم المعارضة يأتي لدعم الموقف الممانع لسورية على الأرض، وقال بأن جماعة الإخوان لم تقبل ولن تقبل بالاستقواء بأي جهة دولية ضد وطنها سورية. وأعرب سالم عن أسفه لأن الرئيس بشار الأسد لم ينصب خيمة وطنية لكل الطيف الوطني السوري بعد تسلمه السلطة، على الرغم من أن جميع القوى والشخصيات الوطنية التي قال بأنها رفضت وما تزال ترفض الاستقواء على الوطن أو الانخراط في المشروعات الخارجية، أبدت رغبة في فتح صفحة وطنية جديدة.
وأشار سالم إلى أن جماعة الإخوان التي لا تزال عمليا في المحنة قد أقدمت على مراجعات فكرية وسياسية شملت أدق المواقف والسياسات.
وفي ما يلي النص الكامل للحوار، الذي أجراه الزميل عادل الحامدي:
س ـ لنبدأ من الموقف الأخير المتمثل في إعلان انسحاب الإخوان المسلمين من جبهة الخلاص الوطني: هل لك أن تشرح حيثيات هذا القرار؟
ـ لم يكن الانسحاب من جبهة الخلاص وارداً لدى قيادة الجماعة.. مع أننا كنا نجري تقويماً دورياً لتحالفاتنا في جبهة الخلاص وغيرها.
خلفية القرار فرضه الطرف الآخر، الذي لم يتفهم موقفنا من القضية الفلسطينية، ومن التزامنا دعم للمقاومة، ولم يستوعب العلاقة الوثيقة بين تعليق أنشطتنا المعارضة ومطالبتنا بالمصالحة الوطنية والانتصار لأهلنا في غزة.. ووجد في هذا الموقف خرقاً لميثاق الجبهة.
ولقد حاولنا توضيح موقفنا من خلال مذكرة خاصة تقدمنا بها للأمانة العامة للجبهة. أوضحنا فيها للزملاء حقيقة الموقف. وأنه لا يتعارض مع التزامنا الجبهوي. لكن يبدو أن موقفاً مسبقاً كان قد اتخذ بشأننا، نتيجة ما قيل إنها ضغوط أو ربما إغراءات يتعرض لها السيد خدام ليفك تحالفه عن الإخوان. وأمام هذه الحالة لم يكن أمامنا إلا أن نعلن إنسحابنا من جبهة الخلاص.
س ـ تحدثت بعض الجهات ومنها ما قاله نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام عن أن قرار الانسحاب جاء بناء على حوار بينكم وبين النظام في سورية، ما مدى صحة هذه الأنباء، وهل يوجد حوار بينكم وبين النظام في أي دولة عربية هذه الأيام؟
ـ الكلام الذي تحدث عنه السيد عبد الحليم خدام على قناة الـ(بي بي سي)، مع الأسف، لا أصل له. ومع أننا، نؤكد دائماً أننا في الإطار الوطني مع كل حوار إيجابي وبناء وذي مصداقية لتخفيف المعاناة عن شعبنا، والتقدم على طريق البناء الوطني، نؤكد اليوم أنه لا يوجد حالياً أي حوار بيننا وبين النظام.
س ـ بمناسبة الحديث عن الحوار، تحدثت بعض الأوساط عن وساطات مختلفة قام بها اتحاد العلماء المسلمين وإخوان الأردن وشخصيات سياسية عربية وأخيرا قيل أن الأتراك قادوا مبادرة، هل لك أن تشرح حيثيات هذه المبادرات وأسباب عدم نجاحها في إنهاء الخلاف بينكم وبين النظام؟
ـ الحديث عن الوساطات قديم جداً.. بالفعل تدخلت في الماضي جهات عربية وإسلامية، رسمية وشعبية كثيرة لتحل المشكلة العالقة في سورية منذ سنين طويلة دون جدوى. ولعل آخرها محاولات الزملاء في المؤتمر القومي الإسلامي يوم عقدوا مؤتمرهم في دمشق.
أما في الوقت الراهن، فليست هناك أي وساطات وقد أصدرنا أكثر من بيان وتصريح حول حقيقة الموقف أما لماذا لم تنجح هذه الوساطات فربما يكون الطرف الآخر أولى بالجواب.
س ـ الرئيس بشار الأسد أعلن برنامجا سياسيا طموحا عند توليه الرئاسة، وتقول مصادر سياسية وإعلامية إنه يقود تحولا حقيقيا داخل سورية، ما الذي حال دون تواصلكم المباشر معه؟
ـ من الأولى أن يطرح هذا السؤال على الرئيس بشار نفسه. وهذا السؤال لا يتعلق بنا فقط. ربما يكون من حقكم أن تسألوا لماذا لم ينصب الرئيس بشار الأسد خيمة وطنية لكل الطيف الوطني السوري بعد تسلمه السلطة، علماً أن جميع القوى والشخصيات الوطنية أبدت رغبة في فتح صفحة وطنية جديدة. ومع العلم أن المعارضة السورية بسوادها العام وفصائلها الشريفة رفضت وماتزال ترفض الاستقواء على الوطن أو الانخراط في المشروعات الخارجية بل هي أبلغ من الآخرين في إعلان استعدادها للتصدي للمشروعات الخارجية.
س ـ هل تعتقدون في جماعة الإخوان أن قرار رفض الحوار معكم يعكس موقف إجماعيا؟
ـ معلوم أن مسؤولية القرار في بلدنا مناطة برئيس الجمهورية. لا يمكن لنا أن نخمن عملياً من هي الجهة المستفيدة من رفض الحوار الوطني. كان يُشار إلى ما يسمى بالحرس القديم. ربما يكون قد تم الآن التخفف من تأثيرات الحرس القديم.
س ـ عبد الحليم خدام تحدث عن أن الإخوان أصبحوا عبئا على الجبهة، وبعض الأصوات في سورية رفضت الحوار مع الإخوان وكلاهما تحدث عن ضرورة إشراك التيار الإسلامي من غير الإخوان، هل تعتقد بأن ذلك ربما يحل أزمة الخلاف بين الإسلام السياسي والنظام في سورية؟
ـ علاقتنا بالجبهة أصبحت من الماضي. نتذكر في هذا المقام قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) نتمنى أن تكون جبهة الخلاص قد أصبحت فعلاً أكثر قدرة على الأداء على طريق البناء الوطني كما أفاد السيد خدام على قناة البي بي سي. ونتمنى لجميع الأطراف التي تشعر بالحرج من العلاقة مع الإخوان، التوفيق في خدمة المشروع الوطني بعيدا عنا.
التيار الإسلامي العريض في سورية هو قاعدتنا البشرية. والإخوان المسلمون عندما علقوا معارضتهم أو عندما أعلنوا انسحابهم من الجبهة نتيجة المواقف الأخيرة إنما كانوا يستجيبون لهذا التيار داخل سورية وخارجها. سيكون من الصعب الفصل بين الإخوان المسلمين وهذا التيار. مصطلح (الإسلام السياسي) غير مستساغ لدينا لا شرعياً ولا موضوعياً. هناك إسلام واحد جاء به محمد بن عبد الله، ونزل به القرآن الكريم، وتعبّر عنه الحركات والقوى والشخصيات الإسلامية المعتدلة في كل مكان.
س ـ تعليق الإخوان لنشاطهم المعارض للنظام ثم الانسحاب من جبهة الخلاص، هل هي خطوات في سياق مراجعة المواقف السياسية للجماعة، أم رسائل سياسية تنتظرون ردا رسميا عليها؟
ـ تعليق الأنشطة المعارضة جاء دعماً لصمود وجهاد إخواننا في غزة. وانسحابنا من جبهة الخلاص جاء رداً على موقف الأمانة العامة للجبهة التي رأت في هذا الموقف خروجاً على ميثاق الجبهة.
من الطبيعي أن يكون لأي قرار سياسي سياقاته المتشابكة وانعكاساته المتعددة الأبعاد والمحاور، ولكن دائماً يقوّم الموقف من باعثه الأساسي. اتخذنا قرارنا الأول وأعلنا استعدادنا لتحمل تبعاته ورأينا فيه موقفاً عملياً لإثبات مصداقيتنا في الانحياز إلى مشروع الأمة، نرفض بل ونستنكر أن يكون الحديث عن الممانعة شعاراتياً فقط. معركة الأمة طويلة وبعيدة المدى وهي تحتاج إلى رص الصف، وحشد الطاقات، وسد الخلل، وتجاوز العنعنات البينية. وإذا كانت موازين القوى الدولية قد أخرجت الجيوش النظامية من المعركة، فإن معركة الثبات ومعركة النصر ستقودها القوى الشعبية كما أثبتت التجارب في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين هذه هي رسالة موقفنا وقرارنا.
س ـ بعض المراقبين يصفون مواقف الإخوان من النظام في سورية تعكس تذبذبا في المواقف، وأن مواقفهم الأخيرة تأتي متناغمة مع الانفتاح الأمريكي والأوروبي على النظام، هل أنتم جزء من الانفتاح الغربي على النظام في سورية، وهل تشعرون في الأمانة العامة للإخوان بأنكم استعجلتم الأمر حين علقتم معارضتكم للنظام؟
ـ مواقفنا في جوهرها ثابتة. ونحن أصحاب حق وطني. ولدينا ملفات كثيرة راعفة، ملفات حقوقية تتعلق بألوف المفقودين والمعتقلين والمشردين. إن حمل أمانة هذه الملفات يلقي علينا عبئاً إنسانياً وعبئاً وطنياً في الوقت نفسه.
ربما لا يدرك المراقبون أن انفتاح الغرب على النظام السوري في مرحلة أوباما يترافق مع انفتاح على (المعارضة السورية) التي يُراد لها أن تلعب دور مخلب في تطويع النظام. القلائل من المعارضين والمراقبين يتنبهون لهذا الدور. ومن هنا ندعو المعارضة السورية إلى إدراك أفضل للواقع بمعطياته الدولية والإقليمية..وندعو إلى صياغة استراتيجية جديدة تمضي بالمشروع الوطني إلى غايته وتسقط المراهنة الخارجية على المعارضة كأداة تمزيق أو تفتيت. مشروعنا الوطني مستقل بمنطلقاته وأهدافه ولن نكون أبداً أداة ضغط على وطننا.
أمر مهم آخر هو أن ما يريده الغرب من النظام في سورية، يختلف جذرياً عما يريده الشرفاء من أبنائها، المعارضة الوطنية الشريفة تريد مشروعاً وطنياً لبناء سورية وطناً قوياً ممانعاً تقوم فيه دولة الحق والعدل وسيادة القانون والسواء الوطني.. والآخرون يريدونها دولة مستضعفة تابعة تساعد على تحقيق المشروع الصهيوني الامبريالي في المنطقة.. وتساعد أيضا على قطع الطريق على مشروعات المقاومة في كل مكان.
س ـ عمليا أنتم ممنوعون من العمل القانوني داخل سورية، وأعلنتم عن طيب خاطر وقف نشاطكم المعارض، فماذا تفعلون الآن؟
ـ نحن /كتنظيم/ ممنوعون من الوجود القانوني في سورية، ولكن وجودنا ممتد في الداخل والخارج، وقادرون دائماً- بإذن الله- على الحركة الإيجابية البناءة. نعدّ لكل مرحلة من برامج العمل ما يناسبها ونمتلك من الطاقات ما يسمح لنا أن نتقدم إلى الأمام إن شاء الله.
س ــ ما هو موقعكم داخل تجمع إعلان دمشق؟
ـ جماعة الإخوان المسلمين عضو مؤسس في إعلان دمشق. العمل في الإعلان محكوم بالمعادلة الأمنية في الداخل. أكثر قيادات الإعلان دخلت السجن. نشعر أن من واجبنا أن نقدم للإعلان كل ما نستطيع من دعم وتأييد باعتباره الوحدة الوطنية الأبرز للعمل في الداخل. وندعو العالم أجمع إلى المطالبة بالإفراج عن السيدة فداء الحوراني ورياض سيف وعلي العبد الله وياسرالعيتي وأحمد طعمة الخضر وأكرم البني وجبر الشوفي ووليد البني ومحمد حاجي درويش ومروان العش وفايز سارة وطلال أبودان ومن قبل السيد ميشيل كيلو وحبيب صالح وآخرين كثيرين وبقية المعتقلين السياسيين
س ـ بعض المراقبين ومنهم القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر عصام العريان تحدث عن أن المطلوب من الإخوان إجراء مراجعة شاملة، ليس فقط في المواقف السياسية، وإنما في ملفات الماضي، وتحديدا خلاف الثمانينات مع النظام في سورية، هل أنتم مستعدون لهذه المراجعة؟
ـ بالنسبة لما تحدث عنه الأخ عصام العريان نميز بين نوعين من المراجعات. المراجعات النظرية، والمراجعات العملية. لقد قمنا بمراجعة تامة لكافة سياساتنا ومواقفنا منذ الثمانينات، وتبنينا ـ عملياً ـ نهجاً سياسياً جديداً. أعلنا ميثاق الشرف الوطني، ومشروعنا السياسي، اللذين شكلا مراجعة إيجابية لمرحلة الثمانينات. نحن مازلنا في محنة. وما ينتظره البعض على الصعيد النظري نظن أنه لا يخدم مشروعنا ولا قضيتنا ببعديها الوطني والدعوي.
إن التأمل في سياسات الجماعة ومواقفها وأدبياتها يؤكد أن عملية المراجعة قد شملت أدق المواقف والسياسات.
س ـ في الشأن الإخواني أيضا، أعلن كرشد الإخوان الشيخ محمد مهدي عاكف أنه يعتزم التنحي عن موقعه في كانون ثاني (يناير) المقبل، وزعمت بعض المصادر عن أن مراقب الإخوان السوريين المحامي علي صدر الدين البيانوني من بين المرشحين للتنافس على خلافته، ما صحة هذه الأنباء؟
ـ ندعو الله أن يعزم للجماعة أمر رشد، وأن ييسرها لليسرى. ونحن واثقون أن الإخوة المعنيين بالاختيار سيختارون الأخ الأقدر على قيادة الركب. أما ما قيل عن ترشيحات أولية فنظن أن الخبر لا مصداقية له. ونحن في سورية غير معنيين بالحديث عن موضوع الاختيار المقبل.