صفحات سورية

إخوان سوريا؛ انتهت المعارضة، بقي الحب من جانب واحد

null
علي الصراف
لا يرسم انسحاب إخوان سوريا من “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة حدا فاصلا لعلاقة الحركة الإسلامية السورية بآخر جبهات المعارضة السياسية للنظام في سوريا، بل انه يدفع هذه الجبهة الى الانهيار أيضا.
فقد كان الأخوان المسلمون في سوريا العصب الرئيسي لكل الجبهات السياسية المعارضة للنظام، ومع انسحابهم من “جبهة الخلاص”، فان دمشق ستبدو الرابح الأكبر، لان معارضتها تحولت أخيرا الى فتات لا صوت ولا قيمة له.
وكان بيان الانسحاب الذي أصدره الإخوان، أعاد التذكير بدورهم في الجبهات السابقة قائلا: أن الجماعة “شاركَتْ في أكثر من تحالف وطنيّ، وعلى مستويات متعدّدة من مشروعات التغيير الوطنيّ المنشود؛ فكما أسّسَتْ في العهود الديمقراطية ‘الجبهةَ الاشتراكيةَ الإسلامية’ و’الجبهةَ الإسلاميةَ التعاونية’ بقيادة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى، فقد شاركَتْ بعدَ ذلك في تأسيس ‘الجبهة الإسلامية’ عام 1980، و’التحالف الوطني لتحرير سورية’ عام 1982، و’الجبهة الوطنية لإنقاذ سورية’ عام 1990، و’التحالف الوطني لإنقاذ سورية’ عام 1995، و’مؤتمر الميثاق الوطني’ عام 2002، و’إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي’ عام 2005، و’جبهة الخلاص الوطني’ عام 2006”.
السؤال الآن لا يتعلق بمصير المعارضة. فهذه لن تعدم السبيل لإصدار بيان أو توقيع مذكرة لتثبت أنها ما تزال موجودة. السؤال الحقيقي يتعلق بمصير الإخوان أنفسهم. فهم قرروا الانتقال الى صف النظام، إنما من دون أن يقدم النظام أي إشارة الى أنه مستعد للقبول بهم، أو بدورهم، أو حتى السماح لهم بممارسة أي نشاط سياسي مؤثر.
هو “حب من جانب واحد” إذن.
فالأخوان قرروا دعم النظام الذي عارضوه لأنهم رأوا أن سوريا، ومعها مشروع المقاومة، تتعرض للتهديد. وكان من الوطنية بالنسبة للإخوان أن يقفوا الى جانب النظام للمساهمة في درء الخطر.
وهذا موقف وطني سليم، أرادوا من خلاله أن يقولوا أنهم ليسوا “احمد جلبي آخر”، وسوريا لا يجب أن تكون عراقا آخر.
بقي أن النظام قد لا يكون في وارد أن يرد على وطنيتهم بوطنية مماثلة.
وهذه ليست آخر المفارقات التي يواجهها الإخوان.
فالحب الذي وقعوا فيه، حتى وإن كان من جانب واحد، قد لا يكون حبا في محله. والخشية هي أن تكون أسبابه نفسها مخادعة وغير مضمونة.
ففي معرض تبرير الجماعة لانسحابها من “جبهة الخلاص”، قال بيانها التوضيحي أن: “العدوان الصهيونيّ على غزّة جاء بكلّ وحشيّته وقسوته، ليضعَ جماهيرَ شعبنا وأمتنا أمامَ مسؤوليةٍ تاريخية، ما كانَ لنا أن نتخلّف عنها، وكانت البوصلة الجماهيرية الإسلامية والعربية والوطنية، تؤشّر باتجاهٍ واحد، انتصاراً لمشروعِ المقاومة، ووفاءً للمقاومين الأبطال، ودعماً لروح الإباء والصمود في هذه الأمة”.
وأضاف البيان أنه “استشعاراً لهذه المسؤولية التاريخية، وقياماً بحقّها، أعلنَتْ جماعتُنا وضْعَ جميعِ إمكاناتها في خدمة مشروعِ المقاومة، وتعليق أنشطتها المعارضة، توفيراً لجهودها للمعركة الأساسية ومواجهة العدوان، وطالبت النظامَ في سورية – انسجاماً مع شعار الممانعة ودعم المقاومة – أن يبادر إلى المصالحة الوطنية مع شعبه، وإلى إزالة كلّ العوائق التي تحولُ دون قيام سوريةَ بدورها المطلوب للدفاعِ عن مكانتها، وتحرير أراضيها، ودعم صمود أشقّائنا الفلسطينيين”.
ولكن النظام – انسجاما مع شعار الممانعة ودعم المقاومة- لم يبادر “الى المصالحة الوطنية مع شعبه”.
والسؤال هو: أي مشروع للمقاومة يريد الأخوان أن يضعوا كل إمكانياتهم في خدمته؟ وأي مشروع للمقاومة يريدون أن يعلقوا أنشتطهم المعارضة من أجله؟
سوريا تنخرط عمليا في مشروع للمفاوضات، لا مشروع للمقاومة.
وحليفتها إيران تنخرط في مشروع لتقاسم الحصص مع الاحتلال الأميركي في العراق، لا مشروع للمقاومة ضده.
والعدوان الإسرائيلي على غزة انتهى، وانتهت معه كل التداعيات الحماسية التي أظهرت أن هناك مشروعا للمقاومة خارج غزة.
ومع تنصل حزب الله من حفنة الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان أثناء العدوان على غزة، فقد بدا أن “غض النظر عن المقاومة” هو أقصى ما تستطيع أن تفعله “المقاومة”.
ويبدو التحالف السوري الإيراني طائفيا أكثر منه إسلاميا. وهذا يعني انه لا مكان لـ”مقاومة سنية” في قاموس هذا التحالف. وهو ما لا يُبقي مكانا للإخوان لا في “مشروع المقاومة” (إن وجد) ولا في سوريا نفسها.
وبمقدار ما يتعلق الأمر بمقاومة الغزاة الأميركيين وحلفائهم الإسرائيليين في المنطقة، فقد أثبتت طهران أنها حليف لواشنطن، بينما تجعجع على حلفائهم الإسرائيليين.
والكل يعرف أن فرق الموت الإيرانية والحرس الثوري الإيراني والمليشيات الطائفية التابعة لها عملت قتلا وتنكيلا بالمقاومة العراقية للاحتلال حتى لم يبق هناك مجال للشك في أن إيران تقف الى جانب الغزاة، لا الى جانب المقاومة. وهي تدعم المشروع الطائفي في المنطقة لأنها المستفيد الرئيسي منه، ولان هذا المشروع قدم لها العراق على طبق من ذهب.
وحسب هذا المشروع فان السنة يكونون مقبولين فقط إذا عملوا لصالح مشروع الاحتلال، مثل تجمعات “الصحوة”، ولكنهم يُذبحون إذا تبنوا أي خيارات للمقاومة.
ويبدو أن إخوان سوريا طيبو القلب جدا. فهم يضحون بالمعارضة من اجل المقاومة. ولكنهم لن يجدوا مقاومة، ولن يُسمح لهم بمقاومة. وإذا فعلوا فان ذبحهم سيصبح حلالا، ليس من جانب الغزاة والإمبرياليين والصهاينة، وإنما من جانب،… إحزر من؟ “جبهة الممانعة المقاومة”.
والحال، فان حرب غزة انتهت الى رماد، ورمادا أصبحت “جبهة الممانعة والمقاومة”.
لا شك أن “جبهة الخلاص الوطني” التي أطلق الإخوان النار على رجلها، لن تشعر بالفرق، فهي كسيحة أصلا. أما “جبهة الممانعة والمقاومة”، فهي مما لن يمكن أن يُطلق عليها النار أبدا.. لأنها غير موجودة أصلا.
التحالف مع معارضة يقودها عبد الحليم خدام قد يكون أمرا مخجلا، أما التخلي عنه للتحالف مع الوهم، فهذا مخيف حقا.
لقد تخلص إخوان سوريا من “جبهة الخلاص”، وحسنا فعلوا. بقي أن يقولوا لنا، عندما يعودون من “جبهة الممانعة والمقاومة”، ماذا رأوا.
ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى