صفحات ثقافية

الروائي النيجيري وول سوينكا: هل أنت فاتح القتامة ام أنك داكن جداً؟

null
تقديم وترجمة فوزي محيدلي
وول سوينكا ضيف الشرف في مهرجان الامارات للشعر والحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 1986. ولد في 13 تموز من عام 1934 في غرب نيجيريا. بعد دراسة جامعية في بلاده دخل جامعة ليدز البريطانية حيث نال لاحقاً شهادة الدكتوراه. خلال السنوات الست التي أمضاها في انكلترا مال اهتمامه الى الفن المسرحي. عام 1960 عاد الى نيجيريا لدراسة الدراما الافريقية واسس الفرقة المسرحية “اقنعة 1960” كما كانت له شراكة مسرحية خاصة به “مسرح الصلاة” التي انتج عبرها مسرحياته وشارك ايضاً كممثل. عمل بشكل متقطع كاستاذ زائر في جامعات كامبريدج، شيفليد ويال.
خلال الحرب الأهلية في نيجيريا طالب سوينكا في مقالة له بوقف اطلاق النار فأوقف عام 1967 واتهم بالتواطؤ مع متمردي بيافرا واودع السجن كسجين سياسي لاثنين وعشرين شهراً كتب خلالها الكثير من اشعاره. له اكثر من عشرين عملاً في كتابة المسرحية والرواية والشعر فضلاً عن السيرة الذاتية. يكتب سوينكا باللغة الانكليزية وتتميز لغته الأدبية بمدى رؤية واسع وغنى الكلمات.
اكثر ما تأثر سوينكا ككاتب مسرحي بالايرلندي ج.م. سينج لكنه يرتبط الى ذلك في مسرحه بالمسرح الشعبي الافريقي بما ينطوي عليه من رقص، وموسيقى وحركة تنستد كتابته الى ميثولوجيا قبيلته يوروب التي ينتمي اليها.
جاء في خطاب لجنة نوبل عن سوينكا كاول كاتب افريقي ينال جائزة نوبل للآداب في عام 1986: “هو قادر بمنظور ثقافي واسع ونغمات شعرية جميلة على تشكيل دراما الوجود”. يرى سوينكا انه يجب على الكاتب عدم الهروب من المستقبل من خلال تمجيد الماضي حري به ان يسجل الخبرات والعادات وان “يسجل صوت الرؤية ايضاَ”.
لا شك ان سمعة سوينكا ككاتب مسرحي تلقي ظلالها القوية بل سحبها ايضاَ على انجازه الشعري وفي الأدب الافريقي الحديث، يعيش الشعر في ظل الفن السردي. يتركز نقد شعر سوينكا على مواضيعه الخاصة بكل من الشخصية الفردية والموت وعلى تخيلاته والجدال بخصوص الاصالة والغموض وصعوبة النص لديه.
قصائد سوينكا التي تعكس صلة وثيقة بمسرحيات نشرت في الدواوين التالية: “ايدانر وقصائد اخرى”، “قصائد في السجن”، “مكوك داخل السرداب”، “ارض مانديلا واشعار أخرى”، الى قصيدته الطويلة “اوغان ابيبمان” ومجموعة “سمرقند واسواق اخرى”.
كتبت المجموعة “مكوك داخل السرداب” اثناء وجود سوينكا في السجن وهي تعاين العقل الموضوع تحت السجن الانفرادي. وتلاحق “اديدانر” مجموعة سوينكا الاولى عملية اسطورة الخلق لأوغان إله الحديد لدى قبيلة يوروبا. يقدم ديوان “ارض مانديلا” مجموعة من القصائد ذات الحاح شديد لافح. وقد كتب بن أوكري في “الغارديان” ان قصائد “ارض مانديلا” تعلق الواحدة على الأخرى، معمقة استجابتنا او ردة فعلنا تجاه طبيعة تقديم القربان السياسي. القصائد الأخرى ليست بنفس المقدار من الالحاح الا انها ليست اقل اطلاقاً للشرر.. ارض مانديلا سلسلة مترابطة من الحلقات النفيسة كلمات لعصر جديد”.
ديوان “سمرقند واسواق اخرى” استقى عنوانه من احدى القصائد فيما تأخذ نفس تلك القصيدة “سمرقند..” كمفتاح لها أغنية “قبيلة يوروبا” العالم ساحة سوق” وهذه المجموعة التي تنحو بدورها الى السخرية والغنائية والتي اتت بعد عشر سنوات من ديوانه الأخير، تغطي تجربة الشاعر في العيش بعيداً عن نيجيريا كما الرحلات التي قام بها عقب نيله جائزة نوبل. هنا يقع القارئ على خواطر بخصوص موت سياسيين، ديكتاتوريين، والاصدقاء المنشقين. يواجه سوينكا في بعض قصائد المجموعة الحقائق السياسية لا سيما الاصولية الدينية، التعصب الاعمى وتسمع التعبير الحر عن الرأي. الى ذلك هناك قصائد اخرى مثل “اشعار ضائعة” و”رؤية معالجة من قبل الطبيب” و”اشجار زائرة” تشي ببحث خاص داخل الذات.
وبمناسبة صدور المجموعة، كتبت النيويورك تايمز عن سوينكا “انه واحد من اكثر الكتاب القاً وحياة في يومنا هذا”. وكذلك كتب ريتشارد هولمز في “التايمز” تتسارع صوره باتجاه بعضها كالأصباغ البراقة… شعوره بالفرح والحرية لا يمكن كبحه”.
[ من قصيدة” سمرقند وأسواق اخرى”
السوق ملاذ للروح التائهة
او حتى لتلك التي تجتر افكارها. كل كشك
مزار ومعبد، كهف سحري لأشياء الذكرى
ممرات السوق كهوف تعمل على نقلنا،
تساوم كل الصيادين، من قطب الى نقيضه،
لاغية الزمان، مستحضرة الأمكنة والتواريخ المفقودة.
[المدني والجندي
طلع ظهوري الشبحي من سقوط الرصاص،
اعلنتُ، “انا مدني” لم يؤد ذلك سوى
لتعميق خوفك، كيف يمكن ان اكون
قد نهضت، مخلوقاً من هذا العالم، في تلك الساعة
من الموت النزيه! وفكرت ايضاً: ولا حتى
خصامك ينتمي لهذا العالم.
[وقفت بلا حراك
تجاه الأبديتين، وأواه سمعت أنا
درس حصص تدريبك المنبهة ـ إسمع
بلهبك الارض التي خلفك، لا تترك
حياداً مريباً في الخلف. هذا تكرار
اورطتي المدينة، وبحفرك جحراً
في الارض بعيداً عن المهرجان الكبير لاصدقائك الاكثر استياقاً
انما جلبت الاسوأ لتشوشك، وحين
أحضرت السلاح مندفعاً صوبي، وحدق
الموت برفق في عيني، توضحت
لي ورطتك وكل شخصك.
[ آمل يوماً ما
وفيما انا منكب على ما يأود عيشي، ان يطل
علي شبحك السائر بخطى واسعة من الخندق
مشيراً، انا جندي. لن اتردد عندها
بل سأطلق النار عليك مباشرة
حاملاً اللحم والخبز قرعة نبيذ
مجموعة تهدد تتدلى من كل ذراع فضلاًعن
ذاك السؤال الوحيد ـ هل يا صديقي! تعلم حتى، اتعلم
عما يدور كل هذا!
[ مكالمة هاتفية
السعر بدا معقولاً، الموقع
لا يهم. صاحبة المنزل حلفت انها
تسكن خارج المبنى لم يبق شيء
سوى الاعتراف “ايتها السيدة”
حذرتها ، اكره اللف والدوران ـ اني ـ افريقي”.
صمت. شاذ صامت.
لتهذيب مضغوط الصوت حين اتى
بدا مضمخاً بأحمر الشفاه ومبسم سيكارة طويل مذهب
في الفم. كانت سوطقتي شنيعة.
“ما مقدار دكانة بشرتك؟ لا اقول انني سمعت خطأ
ما تقوله.. هل انت فاتح القتامة
أم داكن جداً؟ الزر “أ” الزر “ب” رائحة
انفاس نتنة تنبعث من لعبة تكلم وانت مختبئ
كشك أحمر.. تلفون عمومي عمودي.. باص
يرمي القطران . ذاك امر حقيقي، حل
الصمت بفعل سوء التصرف ، وكان لا بد
للانشداه ان يفرض تبسيط السؤال. الآن
مراعية للمشاعر كانت السيدة، فغيرت التشديد في
صوغ مفرداتها.
“هل انت داكن؟ او فاتح جداً؟ حل الالهام عليّ!
“تقصدين ـ مثل الحليب الصرف ام الحليب بالشوكولا؟”
ردة فعلها كانت اكلينيكية فسحقت جرعة التجرد لدي
مسرعاً عدلت موجتي، قلت: غرب افريقي بني داكن كحبر السبيدج ـ
وبعد اطراقه “كما هو مسجل في جواز سفري” صمت جعلني اشرد بأفكاري
حتى حولت الواقعية لكنها قاسية
من فمها “ما هذا الذي تقصده؟ متنازلاً قلت
“الا تدرين ما هذا؟” “اشبه بالسمراء”.
“هي داكنة اليس كذلك؟” “ليس بالكامل”
“لجهة وجهي، انا اسمر، لكن يا سيدتي، يحب
ان ترى بقية جسدي. راحتي يداي واخمص قدماي جميعها
شقراء بلون البروكسيد. الاحتكاك، تسبب وبغباوة
يا سيدتي من خلال الجلوس بتحويل
مؤخرتي سوداء كالغراب ـ لحظة واحدة يا سيدتي” مستشعراً
صوتاً يهدر من سماعتها “يا سيدتي” ناشدتها
“الن تتأكدي من ذلك بنفسك؟”
[ في الساعات الضئيلة
بشفافية زرقاء، دخان تبغ
ملتف بغشاوة رطبة واخرى شبه زجاجية
يخمد بريق معدن الكروم يجعد ستائر المخمل
يعتم كهف المرايا الاصابع الشبحية
بتسرح شعر عشب البحر، ثم تمسد
اوردة البحارة المتروكين على جزيرة مهجورة
اسرى الانغام المالحة للساحرة سازي النادل
يوزع الجرعات النارية؟
وكالسائر خلال النوم، تعزف الفرقة

خلاط الكوكتيل، السمكة الفضية
ترقص لزبائن البطلينوس
اما الاطراء فمنقوع داخل التعب،
متشابك داخل شبكات همسات العشاق
والاهداب اللعوبة لاصحاب هورمون الاندروجين
الانغام المهومة ربتت على كتف اللون الازرق
المعتق لليل؟ ولم يزالوا يعزفون.

حالات المغادرة تتمهل في دعساتها الغيابات
لا تفرغ الحانة. انها تتعلق فوق الضباب الرقيق
وكأنها زفرات من شواطئ مرتدة سرعان
ما يعاود الليل امتلاك الصمت، لكن حتى الفجر
تبقى الانغام تتمايل، عيد الغطاس
والدخان، ممتلكاً الساعات.

تفحّ هذه الموسيقى يصفح، يخلص
العالم من صممه. يعود الليل باتجاه الديار، مكسواً بنغمات العزاء، ليطوي
الصمت المكسور للفؤاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى