متى وكيف تحل الأزمة اللبنانية؟
سعد محيو
لبنان أشبه هذه الأيام برجل بلا رأس يتخبط داخل غرفة مظلمة، بحثاً عن مخرج ما.
لكن المخرج ليس متوافراً. وحتى لو وجد، لا يمكن لرجل بلا رأس (رئيس الجمهورية) ولا عقل (مجلس النواب) ولا أطراف (الحكومة) أن يتلمس طريقه إلى النجاه.
الأزمة عميقة، وستزداد عمقاً على الأرجح بعد ان ارتطمت كل الجهود بحائط مسدود: من القمة العربية إلى مبادرة الجامعة العربية، ومن الحوار الداخلي اللبناني إلى الجهود الفرنسية التي لا تكل ولا تمل.
الكل في لبنان وخارجه يجمع الآن على أن الحل لن يكون ممكناً في أي وقت قريب، ليس على الأقل قبل أن يحمل بوش عصاه الغليظة على كاهله ويرحل عن البيت الأبيض، أو حتى ليس قبل نشوب حرب أخرى تعيد رسم موازين القوى من جديد.
لكن، حتى لو رحل بوش وحل مكانه أوباما، وحتى لو نشبت حرب محدودة، فهذا لن يقدم حلاً جذرياً للمعضلة اللبنانية.
لماذا؟
لسبب يتعلق بجوهر النظام (أو حتى الكيان) اللبناني في الصميم. فهذا البلد، بتركيبته الطوائفية المتعددة، هو مرآة أكثر منه أصلاً. نتيجة أكثر منه سبباً. مرآة لمن؟ للنظام الإقليمي العام في الشرق الأوسط. نتيجة لم؟ لموازين القوى الإقليمية الدولية في هذا النظام.
أعطني نظاماً إقليمياً مستقراً، أعطك نظاماً لبنانباً مستقراً ومزدهراً أيضا. انسف هذا النظام تنسف لبنان برمته.
أزمة لبنان الحالية نابعة من هذه الحقيقة بالذات، فالنظام الإقليمي العربي، الذي استمر من 1943 مع تأسيس جامعة الدول العربية وحتى حرب الكويت العام ،1991 انهار. وبديله لما يولد بعد. ما هو موجود حالياً مشروعان لنظامين إقليميين متصارعين: الشرق أوسطية الأمريكية “الإسرائيلية” ومعها الاتحادية المتوسطية الساركوزية، والشرق الإسلامي العربي الإيراني السوري.
المجابهة بين هذين المشروعين عنيفة وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة: من الحروب، كما جرى ويجري في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، إلى سباقات التسلح التقليدية وغير التقليدية، مروراً بأدوات الفتك الاقتصادي، والحصار الدبلوماسي، وألعاب التخويف والترهيب السايكولوجية، والصدامات الثقافية الأيديولوجية.
من له اليد العليا في هذا الصراع؟
ليس واضحاً بعد. لكن المشروع الغربي “الإسرائيلي” يبدو أكثر بريقاً ولمعاناً، ليس فقط لأنه يستند إلى إمكانات اقتصادية تكنولوجية عاتية، بل أيضاً لأنه متبلور في صيغ تنفيذية محددة في شتى مجالات الأمن والاقتصاد والعلاقة بمنظومة العولمة. هذا في حين أن المشروع الآخر، وبرغم هجوميته، يقف في مواقف الدفاع (المقاومة، الممناعة، الصمود)، وهو لا يزال يفتقر إلى رؤية إقليمية شاملة تحدد ليس ما لا يريده فحسب بل أيضاً ما يريد.
لبنان، بوصفه مرآة ومحصلة، يجد نفسه الآن في عين إعصار هذه المجابهة بين المشروعين، ويعكس طبيعتها بأجلى صورها. فهو هانوي وهونج كونج في آن. أمريكي وإيراني سوري في وقت واحد. متعولم و”متشرد” (rogue). مقاوم ومستسلم.. الخ.
ولأن موازين القوى لما تحسم بعد في لعبة الشطرنج شرق الأوسطية الكبرى هذه، سيبقى لبنان معلقاً في منزلة بين المنزلتين، إلى أن تبين ملامح النظام الإقليمي الجديد.
أخبار سيئة للبنان واللبنانيين؟
أكيد. لكنها يمكن أن تكون أسوأ بكثير. فعلى الأقل، الرجل اللبناني مقطوع الرأس يتخبط (حتى الآن على الأقل) في الغرفة المظلمة بنفسه ولنفسه، هذا في حين أنه كان في 1975 1989 يدفع عن المنطقة كلها الأثمان الباهظة للمراحل الانتقالية في الأنظمة الإقليمية.
الخيار هنا بين السيئ والأسوأ. هذا صحيح. لكنه، من أسف، الخيار الوحيد