تحالف الأديان وتحالف الطوائف
سليمان تقي الدين
شارك الرئيس الأميركي باراك أوباما في المؤتمر الثاني لحوار «الأديان والحضارات». أطلق الرئيس الأميركي رسائل متعددة الاتجاهات لتركيا وإيران والعرب والمسلمين عموماً معترفاً أن العالم تصوغه كل هذه الشعوب والثقافات، وأن المسلمين هم شركاء حتى في تطور الغرب نفسه وأميركا، حيث هم يندمجون في هذه الدول. يتراجع الخطاب الأميركي عن الشطح الإيديولوجي الذي وضع في عهد المحافظين الجدد «الإسلام» في خانة «الإرهاب» و«الفاشية».
إذا كان علينا أن نفسّر هذا التراجع فذلك لأن البُعد الإيديولوجي هو التمهيد والتغطية للاندفاعة العسكرية السابقة التي كانت تحتاج إلى مثل هذا التبرير. يحاول الرئيس الأميركي تضييق جبهة المواجهة ويحصرها في ملاحقة «الإرهاب»، وعينه بصورة أساسية على محور أفغانستان ـ باكستان، حيث العمليات العسكرية مستمرة والخطة الأميركية هي ذاتها أي استخدام العنف الأكثر تطوراً والتكنولوجيا الأكثر قوة وتقدماً بوجه عنف القوى السياسية الشعبية الأصولية أو «المتطرفة». يريد الرئيس الأميركي تحييد المناخ العام الإسلامي المعادي لسياسات الولايات المتحدة الجائرة. يستعيد أوباما الوعود و«الإغراءات» نفسها عن مؤتمر «أنابوليس» وحلّ الدولتين بالنسبة لقضية الشعب الفلسطيني. طبعاً القيادة الإسرائيلية سارعت إلى القول إن قرارها ملكها، وليس ملك الرئيس الأميركي.
لكن «الدلع الإسرائيلي» مصدره الإدراك أن أميركا والغرب ما زالا بحاجة إلى هذا الكيان ووظيفته ودوره لحجز أي تطور استقلالي حقيقي في المنطقة. إن التدخل العسكري الأميركي المباشر لم يحجب هذه الوظيفة الإسرائيلية، لأنه فشل في أكثر من موقع. غير أن أهم ما قاله الرئيس أوباما هو البحث عن المصالح المشتركة مع القوى الإقليمية.
لغة المصالح لا علاقة لها بحوار الأديان وتحالف الحضارات. حوار الثقافات والأديان عمره مئات، بل آلاف السنوات، وهو لن يحسم شيئاً طالما أنه يوظف في خدمة المصالح.
لم تنشأ الصهيونية (الأصولية اليهودية) عن أزمة علاقة مع العرب والمسلمين. ولم ينشأ التطرف الإسلامي (السلفية والأصولية التكفيرية والقتالية) عن أزمة العلاقة مع جذور الثقافة المسيحية الغربية، بل عن الاختلال الكبير في العلاقة بين السيطرة الاستعمارية ومطامح العرب والمسلمين في الاستقلال والتقدم.
لكن «تحالف الأديان» ليس إلا الوجه الآخر من كذبة «تحالف الطوائف» في لبنان والمواجهة الانتخابية التي يكمل فيها فريق الفريق الآخر. هذه الجدلية السياسية، التي يشكل فيها النقيض الطائفي مكملاً للطرف الآخر من التناقض، هي التي تؤدي إلى
المأزق اللبناني المتمثل في عدم القدرة على تجاوز الانقسام الوطني. هناك دائماً تحالف موضوعي بين المتناقضين طائفياً من أجل اقتسام السلطة.
ما حصل من «توافق» على اعتماد قانون 1960 الانتخابي له دلالة واحدة: ليتصرّف كل فريق طائفي بطائفته. لقد احترم الجميع هذه القاعدة ولم يسع أي فريق إلى ممارسة أي اختراق للجغرافيا الطائفية إلا بحدود المطالبة «بتحرير» أقليته الطائفية داخل الدوائر المختلطة من هيمنة زعيم الأكثرية الطائفية. لا نحتاج هنا إلى تعداد المشكلات وتسميتها على هذا الصعيد. فلا معارك انتخابية إلا حيث هناك أقليات تشعر بالتهميش.
إلا أن الحال واحدة في ما نحن عليه من سياسات في الداخل وعلى المستوى الإقليمي والدولي، والمشابهة كبيرة بين تحالف الأديان المحكي عنه عالمياً وتحالف الطوائف عندنا.
السفير