لماذا فشلت التنمية العربية؟
د. رشيد الحاج صالح
المتأمل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة في العالم العربي سرعان ما يلحظ الفشل الذريع الذي منيت به مشاريع التنمية العربية، وخطط التحديث والتطوير الاجتماعي والاقتصادي. في مرحلة مابعد الاستقلال،
اذ تشير النتائج والأرقام إلى نتائج مأساوية ودليل واضح على فشل السياسات التنموية العربية.
لكن لماذا فشلت مشاريع التنمية في غالبية البلدان العربية؟ هذه المشاريع التي بقيت لعقود عديدة تُقَدم على أنها عنوان لمرحلة ما بعد الاستقلال وركن أساسي من أركان بناء القدرات الذاتية بغية مواجهة التحديات الخارجية المتعاظمة؟ في هذا السياق يمكن أن نناقش عددا من العيوب التي تعاني منها برامج التنمية في العالم العربي.
أولاً – التنمية الشاملة بدل التنمية المادية:
فقد ركزت البلدان العربية على التنمية الاقتصادية والمادية (تنمية الزراعة والصناعة والصحة والتعليم..الخ) اعتقاداً منها أن تنمية هذه الجوانب المادية سيؤدي إلى تحسين «نوعية الحياة» وتحقيق الرخاء والعدالة والتقدم. غير أن الأمر لم يكن على هذا النحو، فقد تبين من خلال تجارب التنمية في مناطق مختلفة من العالم أن التنمية يجب أن تكون شاملة لكل الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأن أي مشاريع تنموية لا تأخذ هذا الشمول بعين الاعتبار، لن تحقق أهدافها المرجوة.
فالتنمية يجب أن تتوجه إلى الإنسان أولاً، لأن الإنسان هو غايتها الأخيرة. ولذلك فإن استصلاح الأراضي وإدخال الآلات إلى المصانع وإشادة المشافي والمدارس.. إالخ، أعمال لن تؤدي إلى تحسن حياة الإنسان والارتقاء بمجتمعه، إلا إذا اقترنت بمنح هذا الإنسان حقوقه العامة واحترام ذاته الثقافية ودوره الاجتماعي.
وباختصار فإن التنمية هي مسألة إنسانية في الدرجة الأولى، أي يجب أن تهتم ببناء الإنسان وليس ببناء المصانع.
وبالتالي فإن المشكلة الأساسية لمشاريع التنمية العربية أنها حاولت تطوير الإنسان العربي ليكون أداة في زيادة الإنتاج، في حين أن التنمية الحقيقية يجب أن تنظر إلى الإنسان على أنه غاية وليس وسيلة، بحيث تصبح حياة الإنسان وحريته ورفاهه وحقوقه ورفع مستوى وعيه السياسي والديني، هي الأهداف النهائية للتنمية.
ثانياً – غياب الشروط السياسية للتنمية:
إن الهدف الأساس من مشاريع وبرامج التنمية هو تحقيق«العدل الاجتماعي»، وطالما أن مشاريع التنمية العربية قامت في ظل أنظمة غير عادلة وغير شرعية، وتقدم مصالحها الخاصة على مصالح شعوبها، فمن الطبيعي ألا تحقق تلك المشاريع الأهداف المرجوة منها، حيث غرقت التنمية العربية في بحور الفساد والترهل، ناهيك عن غياب الإرادة الحقيقية وعدم الجديّة من قبل تلك الأنظمة. فما أهمية ارتفاع مستوى التعليم في مجتمع يعاني الحرمان من حرية التعبير عن الرأي، وما أهمية محو الأمية في ظل نظام يفرض الأمّية السياسية على أبنائه، وما أهمية بناء المصانع في ظل نظام يوجه كل خيرات الشعب لخدمة مصالحه وترفيه قياداته وكوادره.
ثالثاً – التنمية مرتبطة بالحريّة:
يؤكد عالم الاقتصاد الهندي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد «أمارتيا صن» أن التنمية لا تتحقق أبداً في «مناخ استبدادي» أو بناءً على «قرار سلطوي»، وعلى ذلك فإن الحرية السياسية تعد الشرط الأساسي والضروري لأي عملية تنمية حقيقية، لأن الحرية هي الطريق الحقيقي لتحرير الإنسان من التخلف والجهل، وبدونها تبقى كل المشاريع التنموية مجرد شعارات وشكلا من أشكال المزاودة السياسية.
رابعاً – غياب التنمية يؤدي إلى التواكل:
إن ارتفاع معدلات البطالة وضيق الحالة الاقتصادية للناس، وعدم معرفتهم للأسباب الحقيقية لهذه الحالة دفعتهم للتفكير بطريقة تواكلية. فالناس في مثل هذه الأحوال تبدأ بتكوين مفهوم تواكلي «للرزق»، بحيث تنتشر عبارات: «الله هو الرزّاق»، «كل ولد يولد ويولد رزقه معه».. هكذا تُخرج الثقافة الشعبية عملية فشل التنمية وهدر القدرات الاقتصادية وكأنها مسألة قدريّة ليس للإنسان أي دخل فيها. وبذلك نكون وجهاً لوجه أمام الأسباب الحقيقية لفشل مشاريع التنمية العربية، فعملية غياب أو فشل التنمية العربية هي -للأسف الشديد- عملية مقصودة من قبل الأنظمة السياسية، المستفيد الأكبر من ذلك الفشل. فغياب التنمية الحقيقية أضعف العرب وهمشهم وأغرقهم في هموم المعيشة اليومية، الأمر الذي أعطى الأنظمة السياسية قوة وقدرة أكبر على إحكام سيطرتها على تلك الشعوب. هل آن الأوان لكي نعرف لماذا فشلت التنمية العربية؟.. ومن المستفيد؟!
كاتب من سورية