نوال السعداوي في حديث خاص لـ ‘القدس العربي’: التشهير بي وصل حد الزعم بأنني كنت عضوة
هيام حسان
تقترب نوال السعداوي من سن الثمانين، ورغم أن هذه السنوات كانت حافلة بالكثير من الانشطة والاسهامات في مجالات عدة الا أنها ما تزال تعرف أكثر ما تعرف بكونها داعية حقوق مرأة، قالت قولتها في أمر النساء وخاضت المعارك الضارية باسمهن وتعرضت للاعتقال وجرى استدراجها لساحات العدالة مرات عدة بدعوى للتفريق تارة ولتجريدها من جنسيتها المصرية تارة ثانية، وأخيراً وجهت اليها ولابنتها تهم ازدراء الأديان، كما وضع اسمها على قائمة الموت الخاصة بالاصوليين.
في ختام كل تلك المحطات القاسية ما تزال نوال السعداوي على آرائها وأبرزها أن الحجاب عادة جاهلية دخيلة على الاسلام وليس من صلبه، للمرأة حق في منح جنسيتها لأبنائها الذكور وختان الاناث كما ختان الذكور تقليد خاطىء وخطير اجتماعياً ونفسياً وصحياً. نالها ما نالها في سبيل الجهر بآرائها تلك ولكننا شهدنا بأم أعيننا كيف تأثر المجتمع المصري في السنوات الاخيرة بهذه الآراء و كيف أخذ يتبنى آراءها فصدرت القوانين لمنح جنسية المصرية المتزوجة من أجنبي لأبنائها، أما ختان الاناث فتحول الى جريمة بحكم القانون في حين أن ختان الذكور في طريقه الى التجريم أيضاً كما أعربت هي عن ذلك الاعتقاد في ندوة في لندن الاسبوع الماضي.
في غمرة جدولها المزدحم بالأعمال خلال مدة وجودها القصيرة في لندن، كان لنا معها هذا الحوار العاجل:
لاحظنا أن الحضور كان يبدي اهتماما وتقديرا عاليين خلال ندوة الامس التي قدمت فيها لكتبك وفكرك، هل تعتقدين أنك تحوزين على القدر ذاته من التقدير لدى الجمهور العربي أيضا؟
الجمهور العربي يكن لي تقديرا أكبر، هناك فكرة خاطئة تروجها الحكومات العربية عامة والمصرية خاصة من أنني أكتب للغرب وأن الغرب يحبني، وهذا غير صحيح أنا كتبي موجودة في كل بلد عربي وكل بيت، ولي شعبية كبيرة أشعر بها عندما أقوم بزيارة هذه البلدان، لمست ذلك جلياً مؤخراً في سورية عندما زرتها للمشاركة في مؤتمر أدبي حيث تلقاني الناس في الشوارع بكل ترحاب وحرارة وكذلك الحال في مصر. ولكني في الوقت نفسه ذات شعبية في الدول الاوروربية والامريكية وغيرها من الاماكن، ففي زيارة قمت بها الى اندونيسيا فوجئت بالناس يعرفونني ويرحبون بي أيما ترحيب…. أنا مكروهة من الحكومات وليس الشعوب. وفقط الحكومات التي تقوم بمصادرة كتبي والترويج لاشاعات مغرضة عني كي تنال من محبة الناس واحترامها لي…. لقد علمت من ممثلة دار نشر (زد) التي تتولى نشر كتبي بالانكليزية أن الدار اضطرت الى التخلي عن عرض كتبي بالانكليزية تحت ضغط الرقيب المصري خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب للعام الجاري … انهم يخافون حتى من كتبي المنشورة بالانكليزية وليس العربية فقط!
من أغرب ما أشيع مؤخراً عن نوال السعداوي ما تناقلته بعض المواقع اقتباساً من كتاب ‘وعرفت الاخوان’ لصاحبه الدكتور محمود جامع، الذي زعم في كتابه أن نوال السعداوي كانت عضوة في جماعة الاخوان المسلمين خلال فترة دراستها الجامعية، وأنها ارتدت الحجاب الشرعي وشاركت في خدمة أهداف الجماعة من خلال انخراطها في نشاطات الجناح النسوي للجماعة، ما مدى صحة هذه الاقتباسات؟
هذا محض افتراء وكذب …اشاعات يروجها ‘الاخوان المسلمون’ كجزء من الحملة التي يشنونها ضدي … هذا الرجل ‘اخواني’ وكان صديقاً لانور السادات وها هو يلعب اللعبة مع التيار الرجعي .. أنا لا أهتم بهكذا شائعات… والحقيقة ان ‘الاخوان المسلمين’ في مصر كانوا يتلقون تمويلاً في بداية العشرينات من الاستعمار البريطاني والملك المصري ثم الحكومات المصرية المتعاقبة أما الآن فيمولهم الاستعمار الامريكي.
البعض يعتقد أن نوال السعداوي سكتت عن الكلام الجديد وأنها أفرغت كل ما في جعبتها من فكر منذ سنوات؟
الاشاعات أنواع …هذه اشاعات، من يقولون هذا لم يقرأوا كتبي الاخيرة التي صودرت وذلك الكتاب الذي قام مدبولي ناشري المصري بحرقه ‘الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة'(2006).
ما تزال أحوال النساء في العالم العربي بعيدة عن العدالة والمساواة، كيف تقيمين العمل النسوي في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل شيوع العمل النسوي الاهلي المرتبط بالأجندات التي تطرحها الامم المتحدة؟
الجمعيات والمؤسسات النسوية حالياً تقدر بالآلاف، انها تخدم المرأة ولكن بشكل محدود على كل حال وأغلبهم لا يقدمون فكرا جديدا في خصوص تحرير المرأة لأن القائمين عليها يخافون من اضطهاد الحكومات أو يتعاونون مع التيارات الدينية والبعض حتى يؤيد الاستعمار الامريكي ويعمل لصالحه. كي لا نظلم أحداً يتوجب علينا تقييم كل جمعية على حدة. الامر أيضاً يعتمد على المنهج الذي يستخدمونه في الدفاع عن حقوق المرأة وما اذا كانوا يربطون ذلك بالحقوق السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية. هناك مثلاً جمعيات متخصصة في الدفاع عن النساء ضد ما يسمى جرائم الشرف أو القهر الجنسي أو ختان الاناث ولكن عمل هذه الجمعيات لا يكون ذي معنى اذا لم يتم ربط هذه القضايا بأبعادها الاقتصادية والسياسية وغيرها من القضايا، وكأن الجنس منفصل عن الحياة والمجتمع. أنا أعطي محاضرات حالياً عنوانها ‘ختان الانثى وسياسات جورج بوش في مصر’، فالعلاقة بين ظاهرة ختان الاناث متصلة بالسياسة الدولية لأمريكا التي تسهم في صعود التيارات الاصولية الدينية التي بدورها تشجع استمرار التقاليد البالية مثل الختان أو الحجاب. ختان الاناث زاد في مصر مؤخراً الى أن أصبح يشكل 97′ ،أما الحجاب فانتشاره يصل الى 85’ أما حجاب العقل فهو أخطر واوسع انتشاراً ….الحركات الاصولية على اختلاف الوانها الدينية هي توائم للاستعمار والرأسمالية. وأنا لا اجد فارقا بين بوش وأسامة بن لادن كلاهما وجهان لعملة واحدة بل توأمان…. هذه الحركات الدينية الاصولية تدعم الرأسمالية والاستعمار الامريكيين.
البعض يعتقد أن الكثيرين ربما يكفون عن استخدام مصطلحات من قبيل الاستعمار الامريكي مع وصول أوباما الى كرسي الرئاسة ؟
أنا أعيش في الولايات المتحدة الامريكية منذ ثلاث سنوات وأدرس في احدى جامعاتها، لقد تابعت حملة أوباما الانتخابية وقرأت جميع كتبه واستمعت الى كل خطبه ، وأقول فيه انه انسان ذكي ومتحدث لبق ولكنه سياسي من الدرجة الاولى وهو ما يعني أنه يجيد اللعب السياسية، ويدافع عن مصالح بلاده ويدعم اسرائيل وقد أعلن ان مصالح أمريكا هي مصالح اسرائيل ولذا فهو مستعد للحرب من أجل الدفاع عنها.
نعم لقد أعطى أوباما النساء الامريكيات حق الاجر المتساوي ولكن هذا يأتي كتحصيل حاصل بعد قرنين من النضال الذي خاضته النساء الامريكيات. ..هو بالتأكيد أفضل من سابقه جورج بوش وكذلك مواقف حزبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… ولكن فردا واحدا لا يمكن أن يغير العالم …العالم يغير الفرد وليس العكس.
واذن ما هو السبيل الى التغيير برأيك..دعينا نقصر الحديث على المرأة وتحريرها..
لن يحررنا الا أنفسنا …، ولن يتأتى ذلك الا باستيفاء شرطين: رفع الحجاب عن العقل، فعلينا أن نتحدث في شؤوننا بكل وضوح وأن نكشف بهتان الرأسمالية والتابوهات الكثيرة التي تحوطنا. والشرط الثاني أن نكون منظمين وأن نشكل قوة سياسية لمحاربة الظلم…الشعوب لا تملك القوة العسكرية ولذا عليها بالقوة السياسية على أن لا تكون مأجورة للحكومات.
في مصر حيث دفعت ثمن معارضتك مرات عدة تارة من خلال زجك بالسجن ومرات أخر من خلال دعاوى قضائية ضدك، هناك نمو متزايد في تيارات المعارضة … هل أنت متفائلة بذلك؟
المعارضة تأتي على نوعين في بلادنا العربية، فهناك المعارضة الشرعية أو الحكومية أي التي تتبناها الحكومة لتضلل العالم وتشيع أن هناك حالة من الديمقراطية ولكن الحقيقة أن ليس هناك شيء من الديمقراطية، ولقد تناولت ذلك في كتابي (سقوط الامام)، وهناك المعارضة الحقيقية وهذه للاسف اما أن تكون في السجون أو طريدة أو منفية أو ضحية للشائعات … تزايد المعارضة في مصر ظاهرة ايجابية ولكن عساها أن تكون حقيقية وأن تبذل جهودا أكبر لفرض نفسها.
لقد كانت الرحلة بالنسبة اليك طويلة وشاقة ..وسبق أن تم ترشيحك لجائزة نوبل للآداب تقديراً لحسن بلائك في هذه الرحلة …ولكن سبق لك أن قلت أن جائزة نوبل سياسية أكثر منها فكرية ، ما قولك فيما لو تم منحك الجائزة ذات يوم، هل ستقبلين بها مثلاَ؟
جائزة نوبل سياسية لأن من يمنحها أصحاب نفوذ ومال ولو منحت الجائزة لي فسوف أفكر وأقرر في أمرها حسب الظروف السائدة وقتها(!!) .. ولكني واثقة أنهم لن يعطوني اياها، أنا مرفوضة حتى من بعض الجامعات الامريكية والاوروربية التي ترغب في كتم صوتي في وجه قوى الاستعمار والرأسمالية الغربية.
لقد تراجع استخدام كلمة ‘النسوية’ Feminism في الآونة الاخيرة لصالح كلمة ‘الجندر’ Genderولكن اللغط الذي يحوط بهذه الكلمة في عالمنا العربي كبير سيما وأن بدء تداولها ترافق مع مقررات مؤتمر بكين ….أي الكلمتين تنصحين بالاستخدام على ضوء هذه الحقيقة؟
كله يتوقف على مضمون الكلمة. ‘النسوية’ تستشعرها كل طفلة تعيش تجربة التمييز ضدها بسبب جنسها الانثوي وهي تعني التحرر من الظلم والسعي لنيل الحرية والعدالة. أرى أن ‘الجندر’ كلمة أكاديمية بعض الشيء أما ‘النسوية’ فهي كلمة أكثر شعبوية وتبقى العبرة بالمضمون وليس بالمصطلحات، والحال في ذلك هو حال مصطلحات أخرى يجري استخدامها على نطاق واسع رغم أن أسباب اختلاقها لم تعد موجودة مثل ‘منطقة الشرق الأوسط’ أو ‘العالم الثالث’ انها لغة استعمارية فات أوانها ولكننا ما نزال نستخدمها دون تفكير أو تمحيص.
تبدين متعبة من تلك الرحلة الشاقة … هل هناك ما أنت نادمة عليه فيها؟…
أنا لا أعرف الندم …الندم ضعف …أكثر شيء يضعف الانسان هو الندم وفقدان الامل …أنا لا أندم ولا أفقد الامل .. الثقة بالنفس مهمة …الثقة بأنك تسيرين في الطريق الصحيح ، أنا أتعلم من أخطائي وأطور نفسي وأشعر أنني قد مضيت في الطريق الصحيح. ولو عادت الايام للوراء سأمشي الطريق ذاته ولكني ربما كنت سأعيد كتابة كتبي بطريقة أفضل، ذلك أنني أحب أن أتعلم من أخطائي.
تقومين بتدريس مساق أكاديمي بعنوان ‘الابداع والتمرد’ كيف ترين مستقبل الابداع في عالمنا العربي خاصةً وأن التمرد لم يبلغ مبلغاً تغييرياً بعد؟…
الابداع يتدهور ليس لأن العقل العربي ناقص ولكن بسبب غياب الحرية الفكرية … الابداع لا يمكن أن يتأتى مع القيود المفروضة على العقل والروح …العقل يحتاج أن يحلق في آفاق الابداع وينتقد كل شيء بما في ذلك الدين والسياسة دونما تقديس أو مقدسات، ودون ذلك لن يكون هناك ابداع، وسوف تسود الاكاذيب في كل مجالات الحياة، ان الاكاذيب تملأ كل وجوه الحياة وهي موجودة حتى في العلوم، لقد ظل العلم لسنوات طويلة يؤيد الاعتقاد الشعبي بأن ختان الاناث فيه فائدة، ولقد درسنا ذلك في كليات الطب الى أن أقر حديثاً أن ذلك غير صحيح. ولكن ذلك استغرق وقتاً طويلاً منهم نحو خمسين سنة لأن الاطباء في بلادننا يقرأون كتب الدين وليس كتب الطب…انها الردة الى الدين التي يغرق فيها العالم كله في السنوات الاخيرة …كيف لا وصحيفة ‘نيويورك تايمز’ تستكتب رجال دين وأتلانتا يصلي فيها طلاب الجامعات في الكنائس كي يستجدوا الله أن يسقط المطر وينهي موسم الجفاف.. هذه ردة تجتاح العالم كله ولا تقتصر على الدين الاسلامي بل كل الاديان.
ماذا تكتبين حالياً؟
سوف أعكف خلال شهور أيار وحزيران وتموز على كتابة ما تبقى من كتاب قادم لي بعنوان ‘حياتي وراء المحيط’ أتناول فيه تجاربي الحياتية خلال فترة اقامتي منذ العام 1993 في الولايات المتحدة وعملي في الحقل الاكاديمي فيها وفي دول أوروبية أخرى، وسوف أذهب من أجل اتمام ذلك الى قرية منعزلة بعيداً عن صخب الحياة في ولاية اتلانتا حيث أقيم حالياً.
القدس العربي