القنبلة والشظايا
جورج علم
هناك من يحاول الإمساك ببعض الضوابط لتحصين الساحة وتحييدها، والعمل على إفشال المخططات الرامية الى تحويلها خط تماس او جبهة مؤاتية للنزال المصري ـ الإيراني، واستطرادا السنيّ ـ الشيعي على عتبة الانتخابات النيابيّة.
ولا يريد لبنان الرسمي التدخل في شؤون القضاء المصري، ولا النيل من هيبته ومكانته، ولا حتى التشكيك بصدقية الاتهامات التي وجهتها السلطات المصرية رسمياً الى «حزب الله»، وتحديداً أمينه العام السيّد حسن نصر الله، بالتحضير للقيام «بعمليات عدائية داخل الاراضي المصرية، وتهريب السلاح، ونشر الفكر الشيعي في البلاد…»، فالحجة القانونية لا تدحضها إلاّ أخرى مماثلة، وبالتالي لا بدّ من الانتباه والاهتمام جيدا الى حجة المتهّم ـ المستهدف سواء أكان «حزب الله»، او إيران، او مناخ المصالحات العربيّة حيث كانت مصر غائبة عن بعض وقائعه في قمة الدوحة؟. إلاّ ان ما يشغل المسؤولين سؤال مشروع: لماذا في هذا التوقيت؟، ولماذا تريد مصر الضامنة للاستقرار في لبنان تأليب الرياح المعاكسة للهدوء النسبي الذي تنعم به ساحته؟.
كانت المعلومات الرسميّة المتوافرة حتى بعيد ظهر أمس مقننة، وشاء البعض ان يقول بأن شيئا وُضِعَ على نار المعالجة التي تتسم بسريّة مطبقة، لأن المسألة ليست مستجدة، والملف مفتوح ما بين القاهرة و«الحزب» منذ حرب تموز عام 2006، عندما بادرت السلطات الرسميّة المصريّة الى اتهام «الحزب» وتحميله مسؤوليّة افتعال الحرب مع إسرائيل. وبعدما حطّت الحرب أوزارها، وهدأت النفوس، جرت محاولات جديّة مرّة عبر القنوات الدبلوماسيّة، ومرّات أخرى عن طريق مسؤولين وفعاليات قاموا بوساطات وصفت في حينه بأنها «ترقيعيّة» لا أكثر، إذ سرعان ما باءت جميعها بالفشل بعدما تبين أن وراء ما يجري يتجاوز لبنان الى إيران، وأن «الحزب» في بعض المفاصل والمحطات هو مجرّد واجهة فقط او البديل عن الأصيل.
وخرجت الأمور عن مسار التهدئة مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، وتجدد «الحرب الإعلاميّة» ما بين الأمين العام السيّد نصر الله، والسلطات المصريّة، وبنبرة عالية اللهجة والمضمون، وقد طالت شظاياها إيران ودورها الداعم لـ«حماس»، وانتقل التوتر يومها الى قمة الدوحة التشاوريّة، والتي شارك فيها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وغابت عنها مصر، وكادت أن تفسد أجواء القمة الاقتصادية في الكويت لو لم يسارع الملك عبد الله بن عبد العزيز الى إطلاق مسار المصالحات على عتبتها.
وحاولت كلّ من سوريا وقطر «ترقيع الأمور» يومها تمهيداً لرأب الصدع قبيل انعقاد القمة العربية الدورية في الدوحة وخلالها، إلاّ ان رياح التطورات قد جرت عكس ما تشتهي الرغبات، واشترط الرئيس المصري حسني مبارك بداية عدم دعوة الرئيس الإيراني الى القمة وعدم حضوره جلسة افتتاحها، ثم جاء غيابه عنها ليسهم في هدر فرصة كانت مؤاتية جدّا لتوضيح بعض الالتباسات، ومعالجة بعض الإشكالات، ووضع الأمور في نصابها.
ويقول بعض الدبلوماسيين إن ما حققته القمة بغياب الرئيس مبارك قد أحرج مصر، وما الاتهامات الجديدة التي صدرت عنها، سوى «دفعة أولى» من ردّة الفعل التي ربما استتبعت بردّات فعل أخرى. فيما يقول البعض الآخر إن مصر ترفض «العزلة» وهي ترى ان الحوار الأميركي ـ الإيراني قد انطلق، والحوار البريطاني مع «حزب الله» قد سجّل حلقة أولى ناجحة في مجلس العموم، وإن المصالحات العربيّة قد اختارت طرابلس الغرب لاستضافة القمة الدورية العام المقبل بمباركة سعوديّة. وإن ما تهدف اليه الجهود المكثّفة التي انطلقت بقوة خلال الساعات الماضيّة هو الحد من التداعيات، والإحاطة بهذه «العبوة» قبل ان تنفجر، لأن شظاياها لن تقتصر على الساحة اللبنانيّة الحبلى بالحساسيات الطائفية والمذهبية، بل ستطال المصالحات العربيّة، وتؤدي الى تأجيج سياسة المحاور من جديد.