أوباما المثالي، نتنياهو البراغماتي
رنده حيدر
ترتبط حظوظ نجاح محاولات الرئيس الأميركي باراك أوباما في تغيير الصورة السلبية عن الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي الى حد كبير بقدرته على التوصل الى تسوية دائمة للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي يقبلها الطرفان وبكيفية معالجته الملف الإيراني. فكل الكلام التصالحي للرئيس أوباما عن الإسلام واشارته الى خطط أميركية لتفعيل العلاقة مع العالم الإسلامي لا يمكن أن يفعل فعله اذا لم ينجح في حمل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو على القبول بحل الدولتين لشعبين الذي شدد أوباما على أنه الأساس للعملية السلمية في الشرق الأوسط. أما كلامه على التحاور مع ايران وتشجيعه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التخلي عن مشروعها النووي مقابل العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة والعالم فقد ينقلب عليه في حال رفضت ايران التخلي عن مشروعها النووي، وواصلت تعزيز نفوذها في المنطقة.
عاجلاً أم آجلاً ستصطدم السياسة الخارجية الجديدة لإدارة أوباما القائمة على مبادئ أساسية مثل الايمان بأن الحركة الديبلوماسية المنفتحة على كل الأطراف والمتعددة الاتجاه ومحاورة الخصوم بالاضافة الى توطيد التعاون مع الحلفاء والمنظمات الدولية بالواقع القاسي. والاختبار الحقيقي لسياسته القائمة على المبادئ المثالية والنيات الطيبة سيكون في كيفية حمل دولة اسرائيل الحليفة التاريخية للولايات المتحدة على تبني مشروع الحل الذي يطرحه في ظل كل التسريبات الإسرائيلية الرسمية عن رفض الحكومة لهذا الحل.
من المعروف تاريخياً أن الادارات الأميركية الديموقراطية أقدر على التعاون مع الحكومات الاسرائيلية ذات التوجهات اليسارية، وأن الإدارة الجمهورية تتعاون بصورة أفضل مع حكومات اليمين الإسرائيلي، من هنا يتوقع الكثير من المعلقين الإسرائيليين في حال استمر رفض الحكومة الإسرائيلية حل الدولتين حدوث مواجهة بين ادارة أوباما وأهم حليف استراتيجي لها في المنطقة. تماماً مثلما يتوقع العديد من المراقبين العرب في حال قامت الولايات المتحدة بالتقرب من ايران وبدأت معها حواراً استراتيجياً من دون أن تنجح في ثنيها عن مشروعها النووي حدوث مواجهة بين ادارة أوباما وعدد من الدول العربية المعتبرة حليفة للولايات المتحدة في المنطقة والتي تعتبر نفسها مهددة من جانب ايران في حال استطاعت انتاج السلاح النووي وأصبحت قوة إقليمية عظمى على حساب الدول العربية.
تقوم الفرضية الأساسية لتوجهات الادارة الأميركية في المنطقة على أن حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي وتفعيل مسار التفاوض بين اسرائيل وسوريا سيساهمان في بناء موقف عربي موحد قادر على جبه صعود النفوذ الإيراني وسيخفف من موجة العداء لأميركا في العالم العربي.
لكن المنطق الذي يسود في هذه الأيام الأوساط الحاكمة في اسرائيل يختلف تماماً عن النظرة البراغماتية للرئيس أوباما. فالتيار السائد اليوم يعتبر ان أي انسحاب من جانب اسرائيل هو دليل ضعف ستستغله “حماس” من أجل تعزيز نفوذها وسيسرّع في سعي ايران الى تحويل الدولة الفلسطينية العتيدة الى ما هو عليه الوضع اليوم في قطاع غزة تحت سيطرة “حماس”. كما انه ثمة اقتناع اسرائيلي بأن الحوار بين الولايات المتحدة وايران محكوم بالفشل، وأن ايران ستستغله من أجل كسب الوقت كي تنجز مشروعها النووي في الوقت الذي ستجد اسرائيل نفسها مقيدة وممنوع عليها من جانب الولايات المتحدة القيام بأي عمل عسكري ضد ايران لوقف مشروعها النووي بالقوة.
رغم ذلك هناك في اسرائيل من يعتقد بأن ثمة وجها براغماتياً في نتنياهو لا بد أن يساعد على ردم الثغرة في المواقف بين الادارة الأميركية وحكومة اليمين. وهم يذكّرون بأن نتنياهو وافق خلال توليه رئاسة الحكومة في الأعوام 1996 – 1999 على نقل الخليل الى السيطرة الفلسطينية ووقع على مذكرة “واي ريفر” وأجرى محادثات سرية مع سوريا. وينصحون حكومة اسرائيل في المرحلة الحالية بالاصغاء للمواقف الأميركية وتجنب الدخول في مواجهة معها، ففي اعتقادهم أن تعقيد الوضع وديمومته كفيلان بإحباط الخطط المثالية الأميركية في خلق علاقة مختلفة ايجابية بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط تقوم على ايجاد الحل السلمي للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.
النهار