صفحات العالم

أوباما: “مصالحة” العالم الإسلامي

عبد الوهاب بدرخان
لم يشأ أوباما مخاطبة المسلمين من أنقرة فحسب، وإنما شاء خصوصاً تجديد اختيار تركيا حليفاً لأميركا، وفي ذهنه طبعاً استحقاقان صعبان وجوهريان: الانسحاب من العراق، والانفتاح المبرمج على إيران. كما أنه لم ينس الدور التركي الذي تتمناه واشنطن بين العرب وإسرائيل، إذ لا يبدو أن أي دولة أخرى في المنطقة مؤهلة لمنافسة تركيا أو حتى لمشاركتها. ولعل أفضل ما في تركيا الراهنة، أقله بالنسبة إلى أميركا، أنها ليست عبئاً، ولا هي مشكلة أو جزء من مشكلة، بل يمكنها أن تكون قاطرة للحلول التي تبحث عنها إدارة أوباما.
ورغم الإشكال بين إسرائيل وأردوغان، فإن الرجل استطاع إثبات براغماتيته، فما تتطلبه المصلحة التركية لا يمس، أما أن يكون لأنقرة موقف وكلمة، فهذا نهج جديد على إسرائيل أن تعتاد عليه، وليست إسرائيل وحدها، لأن أردوغان لم يتردد في التلويح بـ”فيتو” ضد تعيين “رامسوسن” أميناً عاماً للحلف الأطلسي، وذلك بسبب موقفه كرئيس لوزراء الدانمارك في أزمة الرسوم الكاريوكاتورية المسيئة للإسلام. والأرجح أن أردوغان كان يعرف أن رفضه لنظيره الدانمركي لن يعيق رغبة باقي دول “الناتو” في اختياره، إلا أنه لم يفوّت فرصة تسجيل الموقف.
لا شك أن خطباً عدة من أوباما لن تكفي لـ”مصالحة” العالم الإسلامي، ولا شك أيضاً أن كل مهارة أردوغان وكل لباقة عبدالله جول لن تكفيا للقيام بالدور المطلوب، إذا لم يكن هناك تغيير ملموس في التوجهات الأميركية العامة حيال العالم الإسلامي، وهذه التوجهات، إذا كانت متوفرة الآن في النيات، فستتطلب وقتاً غير قصير قبل أن تظهر في السياسات. لذلك، لم يكن كلام أوباما مجدداً عن حل الدولتين في فلسطين، وعن إحياء عملية السلام، مجرد ثرثرة تسعى إلى إسماع العرب والمسلمين ما يودون سماعه، فهو أخذ علماً بما يعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نتانياهو، وبما يضمره أيضاً، لكنه لم يرد أبداً قبول أو رفض أفكار زعيم “الليكود” بل أراد إبلاغه بما تفكر فيه واشنطن.
إسرائيل نتانياهو لا تبدو في هذه اللحظة حليفاً مساعداً لأميركا أوباما، وإنما هي مشكلة وعبء أكثر مما يمكن أن تكون جزءاً من الحلول المطلوبة، وفي مثل هذه الحالات تنكفئ الولايات المتحدة طالما أن حليفها الإسرائيلي مأزوم وليس لديه أدنى استعداد لأي دور إيجابي، حتى لو كان انخراطاً في مفاوضات شكلية على غرار ما فعل أولمرت بعد مؤتمر “أنابوليس”. من هنا الحاجة إلى الاستعانة بصديق، تحديداً بالصديق التركي، هذا لن يعجب الإسرائيليين الذين تعودوا على أن تكون شؤونهم حكراً على الإطار الإسرائيلي-الأميركي الذي يصولون فيه ويجولون كما يشاؤون، من دون أي تدخل. لذلك سيعتبر نتانياهو أن لديه مهمة ذات أولوية هدفها تطويع القناة التركية وإلا فتعطيلها ثم إقفالها، ولن يكون الأمر سهلا، لكنه لن يكون مستحيلا، فمن جهة يتقن الأتراك السرية والكتمان، ومن جهة أخرى لن يقبلوا أن يكونوا مطية لخديعة إسرائيلية.
وعلى أي حال، لا يتوقع أي إنقلاب من جانب أوباما على الدعم الأميركي التقليدي لإسرائيل، لكنه، إلى جانب مواصلة الدعم، سيعمل لبلورة أفكار أو خطة أو مبادرة لتحريك الوضع، وذلك بهدف إثبات أن لإدارته سياسة متمايزة تحاول تحقيق مصالح الفلسطينيين والإسرائيليين. إلا أن المشكلة تكمن في سلبية الوضع الفلسطيني غير القادر على ما يبدو على تجاوز الانقسام أو على إعادة صياغته في حكم موحد، وهذا ما سيستند إليه نتانياهو للمحاججة بأن لا شريك حالياً لصنع السلام مع الفلسطينيين.
يدرك أوباما أن ملف “المصالحة مع العالم الإسلامي” شائك ومعقد، كما يدرك فداحة النقص الناجم عن عدم وجود طرف عربي مؤهل للدور الذي يرشح تركيا له، لكن المهم أنه يعي جيداً أهمية القضية الفلسطينية كمحك لتلك “المصالحة”، إذ أن الحل العادل والشامل لها يمكن أن يعيد للسياسة الأميركية شيئاً من الإنصاف الذي افتقدته منذ زمن.
جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى