الاعلان خطوة نوعية تتجاوز صيغ العمل السياسية والايديولوجية والتنظيمية للأحزاب
عرض لندوة مع صبحي حديدي حول اعلان دمشق
باريس/ سهير الأتاسي
نظمت “لجنة اعلان دمشق في فرنسا ” في الثالث عشر من الشهر الحالي ندوة مفتوحة حول اعلان دمشق :المستجدات والآفاق.تحدث خلالها الكاتب السوري صبحي حديدي،وحضرها عدد من نشطاء الاعلان واصدقائه من الاشقاء العرب،بالاضافة الى كتاب وصحافيين.
باسم “لجنة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في فرنسا”، افتتح بشير البكر (رئيس الجلسة) الندوة بدعوة الحضور للوقوف دقيقة اعتزاز وتضامن مع كافة المعتقلين السياسيين في سورية، معلناً أن هدف اللقاء يتجاوز بديهية التوقف أمام الحالة المزرية التي تعيشها سورية في ظل الدكتاتورية إلى هدفَين أبعد: الأول هو العمل على استنفار أكبر قدر من التضامن مع الأخوة القابعين في سجون النظام، من معتقلي إعلان دمشق وإعلان دمشق – بيروت وربيع دمشق وكافة معتقلي الرأي، الأمر الذي يتطلّب حث المجتمع الدولي للوقوف مع نضالات السوريين الديمقراطيين من أجل التغيير الديمقراطي السلمي، والهدف الثاني هو إيصال رسالة إلى الأشقاء في إعلان دمشق في الداخل: لستم وحدكم في معركة المصير الديمقراطي لسورية، نحن معاً على درب الآلام للخلاص من الاستبداد. ثم دعا الكاتب السوري صبحي حديدي للقيام بجولة أفق حول آخر التطورات السياسية في سورية منذ انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق في الأول من كانون الأول، وما تلاه من حملة اعتقالات شرسة شنتها السلطة ضد مجموعة من المشاركين في الاجتماع، واستقرت اليوم على الاحتفاظ بالسيدة فداء حوراني رئيسة المجلس الوطني وزملائها الدكتور أحمد طعمة والكاتب أكرم البني والدكتور ياسر العيتي والكاتب والصحفي علي العبد الله والأستاذ جبر الشوفي والدكتور وليد البني، وانضاف إليهم مؤخراً الكاتب والصحفي فايز سارة والناشط محمد حجي درويش. إضافة إلى موجة الاستدعاءات والترهيب الأمني والمنع من السفر حتى لغرض العلاج، مثلما هو الأمر مع رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق الأستاذ رياض سيف. بالتوازي مع ذلك، حملة التشكيك والتخوين التي شنتها السلطة ومن يدور في فلكها، ضد رموز الإعلان، كما يحدث ضد المناضل رياض الترك.
بدأ حديدي حديثه بالتوقف عند الحقيقة المريرة الراهنة قبل الانتقال إلى الحديث عن جانبها المشرق، فاعتبر أن حملة الاعتقالات إضافة إلى حقيقة أن ما لا يقلّ عن عشرين من كوادر الإعلان يعيشون الآن في الحياة السرية، بعيداً عن أسرهم وأعمالهم، تبدو أشد سوءاً من مناخات القمع الأمني أيام حافظ الأسد. وذكّر بأن النذر الأولى لما شهدناه في السنة الأولى من حكم بشار الأسد لم تكن إلا مقدمات لما نشهده اليوم. واعتبر أن التأخر في الحملة التي شنتها السلطة على إعلان دمشق إلى ما بعد انعقاده بعشرة أيام مؤشر على وجود استقطابين في آلة النظام: الاستقطاب الأول كان يراهن على أن حركة الإعلان سوف تنتقل من الالتماعة الأولى الناجحة، إلى الجدل الانشقاقي، إلى الانشقاق ومن ثم التفسخ. الاستقطاب الثاني كان يعتبر أن ما جرى خطوة من الجسارة بمكان يستدعي عدم التسامح على الإطلاق. وهذا هو الجانب المشرق الذي ينبغي أن نبدأ منه إذا أردنا إنصاف تضحيات من في السجون ومن يعيشون حياة سرية. حتى حملة التأثيم المبتذلة التي كلفت بها أجهزة السلطة عدداً من النقابات التي أصدرت بيانات تخوّن رياض الترك إنما هي شكل من أشكال تثمين ما جرى في إعلان دمشق ولكن من وجهة سلبية.. فلولا أن خطوة المجلس كانت على قدر كبير من الأهمية لما تصرفت السلطة بهذه الطريقة.
وأضاف أن الخطوة النوعية لتأسيس إعلان دمشق باعتباره أعرض ائتلاف سياسي معارض تمّ منذ الخمسينيات، اكتسبت قدراً إضافياً من الأهمية بعد انعقاد المجلس الوطني مؤخراً. ائتلاف معارض أشار وبوضوح إلى التغيير الجذري الذي يتجاوز النظام، بمعنى أن هذا النظام لا يمكن أن يتولّى الإصلاح، فكان هذا قطعاً راديكالياً مع تفكير المعارضة في ربيع دمشق وحتى في السنوات الثلاثة الأولى التي أعقبت وراثة بشار الأسد للسلطة. ولهذا فإن أهمية الإعلان تتجاوز صيغ العمل السياسية والأيديولوجية والتنظيمية التي تعارفت عليها الأحزاب.
وشدد حديدي مرة أخرى على أن النظام كان يراهن على تحوّل إعلان دمشق إلى مؤسسة جامدة مشلولة ليكون بذلك مطحنة للكلام السياسي والنظري (كما نشهد الآن في صفوف بعض منتقدي الإعلان)، أو على انقلابه إلى رديف للتجمع الوطني الديمقراطي الذي يظل صيغة معارضة مبكّرة وهامة، ولكنه صار صيغة شبه مشلولة وعاجزة. إلا أن المجلس الوطني المنعقد أسقط هذه الرهانات، وكانت النقلة بهذا المعنى بالنسبة للنظام تستدعي التدخل بالقبضة الفولاذية، وتستدعي تبلور استقطابات حول تقييم الإعلان (ولعل هذا ما سنشهده على نحو أوضح في الأيام القادمة). هل يكتفي النظام بعملية القمع والاعتقالات، وبالتالي وأد التجربة من خلال الإبقاء على قياداتها في السجون؟ أم يذهب خطوة أبعد، وهي خطوة خبيثة (بالرغم من أن الأجهزة السورية ليست دائماً على قدر من الذكاء يكفي لتحقيق مناورات ذكية على هذا الطراز) تقوم على تفجير الإعلان من الداخل عن طريق تطوير كتل من حوله، وتطوير الانشقاق بحيث يصبح الإعلان إعلانات، وبالتالي تصبح فاعليته شكلية ونظرية، إذا لم ينقلب إلى ضده ليصبح عبئاً على حركة المعارضة. وهذا هو الرهان الخبيث عند أجهزة النظام.
وتوقف حديدي عند عدد من الأساطير أو الاستيهامات أو الإيهامات المقصودة التي تبناها البعض، ضمن التعبير عن رأي مخالف وهذا يحترمه المرء، ولكن أيضاً دون إغفال أن بعض الاختلاف الذي يروَّج الآن يقوم بوظيفة تدميرية للإعلان، وهو ليس مجرد ممارسة للاختلاف.
الأسطورة الأولى تقول أن الإعلان هوية أيديولوجية أولاً، بمعنى أن تكون الصبغة العامة للإعلان ليبرالية أو قومية أو إسلامية أو أي تصنيف أيديولوجي، في حين أن هذا نقيض فلسفة التأسيس للإعلان الذي قام على ائتلاف عريض لأيديولوجيات، لا بل على إثنيات، وبالتالي حساسيات عابرة لخطوط الائتلاف المعتادة.
يُراد من هذه الأسطورة جرّ الإعلان إلى أسطورة ثانية تقول إنه محض امتداد للتجمع الوطني الديمقراطي. وهذا هو المقتل الأشدّ أذى للإعلان، لأن التجمع منغلق على ذاته لأسباب تاريخية، وإذا شئنا توسيع إطاره فينبغي أن لا يكون على الإطلاق مهيمناً على الإعلان ولا مكمّلاً له، ولا الإعلان مكمّل له أو مهيمن عليه. ومسألة التنسيق بين التجمع والإعلان لها حلّ طبيعي نتيجة تواجد كافة ألوان التجمع الوطني الديمقراطي المتباينة داخل الإعلان.
والأسطورة الثالثة تريد تغييب قوام الإعلان كمؤسسة، بمعنى أن “يتوافق” التجمع الوطني الديمقراطي على أشخاص الإعلان مع إعطاء حصة للمستقلين وللأخوة الأكراد وللأخوة الآثوريين، وبالتالي يتحوّل الإعلان إلى نافذة مشلولة جديدة من نوافذ بيت التجمع المغلق. وهذا هو المخاض الذي استغرق سنتين، وكان نقاشاً سوريالياً يرفض الانتخابات ويطلب التوافق. كيف يمكن تقديم أمثولة للشعب السوري حول حرص المعارضة على الديمقراطية، وكيف يمكن أن تكون حاملاً لمشروع ديمقراطي حقيقي، ثم تبدأ من نقيضه؟
وقال حديدي أن المرء يأسف لغياب شخصيات تمثّل أحزاباً في الأمانة العامة من أجل ضمان التعدد، ولكن طالما دخلوا الانتخابات وفشلوا في الحصول على أصوات، فهذه ممارسة ديمقراطية في الحدّ الأدنى، وهذا يسري على حسن عبد العظيم كما كان سيسري على رياض الترك أو سواه من القيادات لو فشلوا في الانتخابات.
الأسطورة الرابعة أن هذه الانتخابات أسفرت عن سيطرة الجناح الليبرالي ممثَّلاً بالمستقلين. ولكن إذا تمّت غربلة أسماء قيادة الإعلان أيديولوجياً (وهي ممارسة ليست صحية دائماً، ولكن يمكن القيام بها من قبيل رياضة البرهنة على الأشياء) نجد أن الليبرالية مظلومة أكثر من الجميع! أهل هذه الأسطورة يذهبون حتى المدى الأقصى فيقولون بتغلّب الجناح الليبرالي في إعلان دمشق، ويعتبرونه جناحاً يعلّق الآمال على الخارج ويرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا طراز من حملات التشهير وليس ممارسة الرأي الآخر.
وتطرّق المحاضر إلى الحملة ضدّ رياض الترك تحديداً، فأوضح أنه ليس في موقع الدفاع الترك لسببين جوهريين: أن الترك أقدر في الدفاع عن نفسه، وأجدر، كما أنه ليس في موقع اتهام أساساً. وأشار أنه كان من المطلوب من قائد سياسي ما من قيادات الإعلان، التعليق على تصريح رئيس أكبر قوة كونية في العالم جورج بوش. فهل يمكن القول إن تصريحه الذي يدعو إلى الديمقراطية في سورية رجيم ومرفوض لمجرّد أنّ صاحبه رجيم؟ ورياض الترك، بسبب استعداده الدائم لتولّي مسؤوليته أمام شعبه وأمام حلفائه، قال أنه يرحّب بهذا التصريح من رجل سياسته كذا وكذا وكذا، بمعنى أنها تسير عكس مصالح شعبنا وكانت على الدوام داعمة لأنظمة الاستبداد. ولكن على سبيل المثال الثاني، ماذا لو قال بوش إن الجولان أرض سورية محتلة ويجب أن تنسحب منها إسرائيل، فهل نرفض التصريح ونشتمه بعد أن نشتم صاحبه؟ تلك كلمة حقّ يُراد بها الباطل، أو تصدر عن باطل، ولكنّ الموقف السياسي منها لا يمكن أن يكتفي بالمحاكمة الأخلاقية أو العاطفية. وأكّد حديدي أنه لا أحد يستطيع أن يلقّن رياض الترك، أو حزبه أو الديمقراطيين السوريين كلهم بلا استثناء، دروساً في أمريكا.
واعتبر أن ما يحصل يرتّب على أهل الإعلان وعلينا جميعاً مسؤولية استئناف ما توقف عنده الرفاق والأصدقاء أبناء بلدنا الذين يرزحون الآن في السجون أو يعيشون في الحياة السرية. إذاً ينبغي التبصّر جيداً إلى ما يُحاك للإعلان وإلى ما ينتظره. ينبغي أن لا نغفل عن ضرورة الانفتاح على الشارع السوري والتركيز على روحية البيان الختامي الذي أكّد على جملة ثوابت الإعلان: التغيير الوطني الديمقراطي تغيير سلمي متدرّج، أول ثماره الوحدة الوطنية، التركيز قضايا الناس المعاشية وعلى العديد من المسائل التي تقلق بال الشارع (مثلاً، التفكير الذي يقول: النظام الحالي خير لنا من كوابيس العراق وكوابيس لبنان). هذا واجب أساسي يقع على عاتق الجميع إذا أردنا مواصلة مَهمة في منتهى الحساسية بدأها المجلس. من الضروري مواصلة عرض قضية الإعلان على الشعب السوري والانفتاح على الشارع العربي وعلى الأصدقاء في العالم وعلى أربع رياح الأرض.
كذلك ينبغي أن نكون يقظين تجاه الحملات التي تصدر عن مدّعي الرأي الآخر من تجار حقوق الإنسان وممتهني تسيير مطحنة الأيديولوجيات والكلام المجاني. تلك الحملات لا تمارس الاختلاف فقط بل تمارس وظيفة تخريبية. وبذلك يكون الردّ على تلك الحملات جزءاً من المعركة. وختم بالقول: صحيح أن وسائلنا ما تزال متواضعة، ولكن يمكننا ولا مفر لنا من الارتقاء بها.
وعقّب سليم منعم أنه لولا التجمّع لما وُلد إعلان دمشق. وقال أن التجمع الوطني الديمقراطي ليس مشلولاً الآن وأن القوى التي شكّلته التقت لقاءً فكرياً وسياسياً، وتلتقي على مسألة الاشتراكية، الديمقراطية، الحرية، والحقوق. أما إعلان دمشق فهو تجمع سياسي ذو أهداف سياسية بحتة: إنشاء بديل ديمقراطي. واعتبر أنه من الطبيعي أن يكون التجمع جزءاً من الإعلان مشدداً أن للتجمع الدور الكبير في استمرار المعارضة وفي إنشاء إعلان دمشق. وأضاف أن الضمان الوحيد لفشل المراهنات حول تشكيلات على هامش الإعلان هو التجمع الوطني الديمقراطي. واعترض على من يعتبر أن المعارضة السورية هي معارضة مثقفين وكأن في ذلك محو لدور الأحزاب وتاريخها ونضالاتها وفكرها وأيديولوجيتها. واعتبر أن تجربة التوافق كانت ذات بعد في بداية تأسيس الإعلان ولكن من الطبيعي أن يكون هناك شكل ديمقراطي يكون ضمن فهم ديمقراطي عام.
وتضامن حامد مسعود مع معتقلي إعلان دمشق وإعلان دمشق بيروت ومعتقلي ربيع دمشق ومعتقلي حزب يكيتي في سورية. واعتبر أن الحملة الثانية للاعتقالات ضمن صفوف الإعلان كانت نتيجة عدم قدرة الإعلان على تحريك الشارع تضامناً وفي مواجهة حملة الاعتقالات الأولى، وأن هذا الافتقار للقوى الجماهيرية هو بمثابة نقطة ضعف في الإعلان. كما اعتبر أن بعض الأحزاب الكردية فقط تمتلك القاعدة الشعبية.
ووجد بشير هلال أنه من الواضح أن هناك بعض الغموض الذي يحيط بأدوات المعارضة السورية وبمفاهيمها. واعتبر أن التحالف الذي تحدث عنه سليم منعم بين شعارات: الاشتراكية، الديمقراطية، القومية والحرية، هو عبارة عن تجميع لم يعد عملياً اليوم ولا حتى راهناًً، وهو مليء بالتناقضات الداخلية. كما اعتبر أنه إذا كان التجمع الوطني الديمقراطي قد قام على أساس هذه الثوابت فهو لن يكون بوسعه الاستمرار طويلاً في ذلك. وقال أن الصيغة السابقة المحتارة لإعلان دمشق بين الأحزاب وبين الشخصيات، وغلبة الأحزاب فيه إنما أدّت إلى تجميده بالمعنى السياسي. وأنه اكتشف الآن أن الليبرالية هي إحدى المحرمات الموضوعة على إعلان دمشق بينما كل المجرى الفعلي للتحولات الاقتصادية في سورية هو باتجاه رأسمالي وحشي. واستغرب التناقض بين ما هو مسموح للسلطة وبين المحرمات التي نضعها على أنفسنا. واعتبر أن الأدوات القديمة استُهلكت وصارت متهالكة مما يطرح ضرورة قيام أدوات أخرى، وأن المجلس الوطني لإعلان دمشق قد خطا خطوة باتجاه امتلاك الأداة التي يمكن أن تكون فاعلة.
شدّد أحمد الراغب على ضرورة أن يكون إعلان دمشق عبارة عن وسيلة وإطار لعمل وطني وليس هدفاً بحدّ ذاته تتنافس فيه الأحزاب في سبيل التمثيل ضمن الإعلان. وقال أنه يجب أن يكون تقييم الإعلان من خلال مدى تحقيقه للمطالب الوطنية على المستوى الشعبي. واعتبر أن القراءات التي تجري حالياً للإعلان هي قراءات حزبية وليست قراءات وطنية من المفترض أن الأحزاب كلها متفقة عليها أساساً.
وطرح صخر عشاوي السؤال: لماذا حدث ما حدث بعد انعقاد مؤتمر إعلان دمشق؟ خصوصاً أنه كان هناك صيغة معينة تم التوصل لها باتفاق كامل بين كل الأطراف المشاركة في الإعلان، وتمّ إقرارها. إذاً لا يوجد خلاف ضمن الخط السياسي أو ضمن صيغة العمل أو ضمن الهدف: إنهاء نظام الاستبداد وبناء نظام ديمقراطي. الخلل كان إذاً بنتيجة الانتخابات، وكان عدم القبول بها مؤسفاً. فأتى تجميد عضوية بعض الأحزاب ليخلق شرخاً كبيراً وهاماً في الإعلان، وفتح الباب لأعداء الإعلان لمهاجمته.
وعقّب حديدي بأن ما جرى يعتبره حصيلة صحية: الخلاف، النجاح والفشل في الانتخابات. وأكد على عبارة ثمينة تنصّ عليها اللائحة الداخلية: المجلس سيّد نفسه.. أي أنه السلطة العليا والأعلى في الإعلان. وشدّد على أن الإعلان ليس امتداداً للتجمع الوطني الديمقراطي، راجياً أن لا يكرر تجربة التجمع، مختلفاً بذلك مع سليم منعم الذي اعتبر أنه لولا التجمع لما وُلد إعلان دمشق. واعتبر أنه يميل إلى تفرّغ الأحزاب للعمل الجماهيري والقضايا المطلبية وهموم الناس، وأن يتمتع الإعلان في المقابل بمرونة عالية من حيث رسم السياسات الوطنية الديمقراطية العريضة والارتقاء بالبرامج التحالفية.
ووجد أنه من الطبيعي أن يكون للأحزاب الكردية قاعدة شعبية كردية، لأنها أحزاب كردية ببساطة، ولكنها للأسف لا تمتلك قواعد داخل صفوف السوريين العرب، ولهذا جرى التوافق على وجود مندوبَين للإخوة الأكراد في أمانة إعلان دمشق بدون انتخاب. واعتبر أن فضيلة وجود قواعد شعبية كردية للأحزاب الكردية يجب أن تكون في رصيد الإعلان ليس على أساس كونها كتلة زائدة عنه، بل مكمّلة له.
ثم تحدث رفعت سمّو عن اعتقاده بوجود صراع بين النظام وبين الشعب، واعتبر أن إعلان دمشق يمثّل القوى المتضرّرة من هذا النظام. وتحدث عن الظلم المضاعَف الواقع على الأكراد وعن نضالاتهم في مواجهة هذا الظلم. واعتبر أنهم جزءاً من مكونات الشعب السوري وشدّد على ضرورة التعاون بين كل هذه المكونات من أجل الوصول إلى التغيير الديمقراطي.
أما فايز ملص فتحدّث من موقعه كمنفي يعاني من مشكلة رؤية ويجد أن هذه البلد لم تولد بعد. هذه البلد أنجزت رجلَين وهما الرياضان(رياض الترك ورياض سيف) اللذان استطاعا أن يفعلا ما يمكن أن نسميه المعجزة في هذا البلد المحاصَر. واعتبر أننا لا نعرف الشعب السوري الذي نتحدث عنه، وأننا في مشكلة انفصال حقيقي بين الشعب وبين السلطة. ودعا إلى الدخول في باب العمل الحقيقي الذي يمكن أن يصل إلى الداخل ويدعمه.
و دعت فوزية غزلان إلى عدم الاكتفاء بالحوار فيما بيننا فيما يتعلق بالوطن. وقالت أن الوطن الذي يمرّ في مرحلة مخاض يتطلب كلّ الجهود. وتحدثت عن حملة التخوين لكافة أعضاء إعلان دمشق وليس فقط لرياض الترك، وطلبت ممن يستطيع الكتابة الردّ على هذه الحملة التخوينية، ورفع الصوت في المحافل العربية والدولية. وقالت أنه لا يوجد من خدم أمريكا بقدر ما خدمها النظام السوري الذي يعتبر نفسه السيّد المطلق، وأن البروباغندا التي يمارسها فيما يخص الغرب لم تعد تنطلي على أحد.
وقالت سهير الأتاسي أن بعض النقاشات تدور وكأن المعركة هي بين الأحزاب والمستقلين.. وكأنها تناقش مَن الأقدر على خوض معركة الديمقراطية: المستقلون أم الأحزاب. فتضيع بذلك معركتنا الأساسية في مواجهة نظام مستبد. وسألت المحاضر إذا كان يرى أن التكتلات التي يمكن أن تنشأ حول الإعلان يمكن أن تؤذي الإعلان فعلاً أم أنها يمكن أن تحرّره خصوصاً إذا كانت تكتلات معطِّلة لخط معارض حقيقي يعطي الأولوية لقضية التغيير الديمقراطي ولا يخضع للاستثمار العاطفي حول الخطر الخارجي ومواجهته ولو حتى على حساب قضية الديمقراطية.؟
اعتبر حديدي أن هذه التكتلات، ربما على طريقة المضاد الحيوي، قد تُضعِف في البدء، لكنها تحصّن في الختام، ذلك أن الأمر يتوقف على مدى طغيان الأيديولوجيا على محاولات تكوين وترويج هذه التكتلات أمام الشارع عموماً، وإزاء القواعد الحزبية في كل تنظيم خصوصاً. وأضاف أن إعلان دمشق + اتحاد اشتراكي + حزب العمال هو لا ريب أقوى من إعلان دمشق بدونهم، ولكن إعلان دمشق + اتحاد اشتراكي + حزب العمل + سيطرة الأيديولوجيات والشعارات وإعادة إنتاج التجمع الوطني الديمقراطي داخل الإعلان، لا يعني الكثيرين.
ولم يرَ سمير عيطة في كل ما يحصل من سجالات شيئاً سلبياً، بل وجدها إيجابية، وتحدث عن ضرورة مناقشة هذه الخلافات في أجواء كأجواء ربيع دمشق عندما كانت المنتديات تناقش مثل هذه المواضيع.
اعتبر سليم منعم الذي لم يجمّد عضويته في لجنة الإعلان في فرنسا على الرغم من تجميد حزبه، حزب الاتحاد الاشتراكي عضويته في إعلان دمشق (الأمر الذي لاقى تقديراً كبيراً من الحضور)، أن الأمور مازالت بين شدّ ورخي، داعياً إلى عدم دفع النقاشات إلى حدود تجعل الأمور أشد تعقيداً. وطلب أن ينتج عن كل النقاشات الدائرة ما يمكن أن يكون مفيداً لإعلان دمشق وللاتحاد الاشتراكي في آن واحد.
وأضاف بشير هلال أنه لا يفهم كيف يقول البعض بوجود مشروع أمريكي للسوريين أو للبنانيين. يفهم أن يكون هناك مشروع للبنانيين أو للسوريين قد يتقاطع في بعض النقاط مع مصالح أمريكية أو غير أمريكية. ولكنه لا يفهم أن يُتهم سوريون أو لبنانيون بأن مشروعهم أمريكي أو روسي أو أو..
واقترح بيير عقل أن تكون الحوارات القادمة عن ما بعد انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق وليس عما حدث في المجلس. حيث أن الأهم هو الحديث عن كيفية تطوير إعلان دمشق.
وثمّن رفعت سمّو الموقف النبيل لسليم منعم الذي استمر في عمله الوطني في لجنة الإعلان في فرنسا على الرغم من تجميد حزب الاتحاد الاشتراكي عضويته في الإعلان.
وتحدث بشير البكر معقباً على موضوع المشروع الأمريكي لسورية عن وجود مجموعة مشاريع لسورية. وأورد مثال دخول الأسد الأب في الحرب العراقية الإيرانية وتساءل إذا كانت تلك الحرب مشروعاً سورية وطنياً أو خياراً سورية داخلياً. واعتبر أنه من الطبيعي أن يكون للولايات المتحدة مشروعاً في المنطقة، ومن الطبيعي التقاطع والاختلاف معها في هذا المشروع، ومن الطبيعي إبداء الرأي في هذا المشروع دون خوف.. و أكّد أنه لا يمكن التراجع عن المشروع الديمقراطي الذي طرحه المناضلون السوريون منذ خمسين عاماً وأردناه لبلادنا، لا يمكن التراجع عنه لمجرد أن أمريكا تحدثت عنه.
وأعلن عن وجود فعاليات لاحقة للجنة الإعلان في فرنسا على طريق تعزيز التضامن مع إعلان دمشق، وتوسيع دائرة الضغط على النظام السوري من أجل الإفراج عن جميع الأخوة المعتقلين في الداخل، ومن أجل رفع حالة الطوارىء.
الاربعاء/16/كانون الثاني/2008