الانفتاح الأميركي على سورية ينعش الأحلام بـ التحرر السياسي
جوشوا لانديس
سوريا: رابطة الاقتصاد والدبلوماسية والإصلاح
أعادت رياح التغيير التي هبت من واشنطن إحياء الحديث عن التحرير الليبرالي والإصلاح في دمشق، فقد شجع تخلي إدارة الرئيس باراك أوباما عن مقاربة تغيير النظام في سوريا المسؤولين في دمشق على التحدث جهارا عن نقاط الضعف الاقتصادية وتأثير العقوبات الأميركية بصراحة تبعث على التفاؤل. هكذا بوشر بالعمل على تطبيق إصلاحات اقتصادية مؤجلة منذ وقت طويل، لا سيما إطلاق بورصة دمشق. كما وعد الرئيس السوري بشار الأسد بإدراج «التحرير السياسي» مجددا على جدول أعماله، لأنه لم يعد يعتقد ان القوى الغربية تسعى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد.
عبر نائب رئيس الوزراء عبد الله الدردري الذي يتولى تنسيق التخطيط الاقتصادي في سوريا في مقابلة مع وكالة رويترز أخيرا عن رأي مغاير لرأي حكومة دمشق، فبدلا من تكرار الكلام الممل نفسه عن ان الاقتصاد السوري لن يتأثر بالانكماش الاقتصادي العالمي، حذر الدردري السوريين من انهم قد يواجهون أوقاتا عصيبة، وقال: «يشكل التبادل التجاري الخارجي 70% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يعني ان ارتباط الدولة بالعوامل الخارجية كبير جدا»، ودفع وزير المال السوري محمد الحسين تحذيرات الدردري خطوة أخرى إلى الأمام حين قال ان «عام 2009 سوف يكون عاما صعبا»، مضيفا انه في حين ان مصارف البلاد في مأمن من الأزمة فإن التداعيات قد تطال قطاعات الصناعة والنقل والسياحة.
اللعب في الوقت الضائع
والواقع ان توقعات الانكماش الاقتصادي تعج بالكثير من المعاني السياسية المهمة في سوريا، ففي عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش شكل المسؤولون السوريون جبهة شجاعة في وجه التفكير الذي كان سائدا في واشنطن، والذي اعتبر ان من شأن الضغوط الاقتصادية أن تسمح لإسرائيل والولايات المتحدة بتحقيق صفقة أفضل في مسألة الجولان.
وكان المسؤولون السوريون يهزؤون من العقوبات الأميركية قائلين انها غير مهمة وغير فاعلة، كما وعد الدردري في عام 2005 بأن يلامس النمو الاقتصادي عتبة الـ 7% بحلول عام 2010، وهو الرقم السحري الذي يعتبر معظم الاقتصاديين انه سيسمح لسوريا بالبدء بخفض الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل في صفوف العمال والشباب.
إضافة إلى ذلك، راهنت دمشق على انه في وسعها ان تنتظر تغييرا في موقف واشنطن من دون التخلي عن أرصدتها أو «أوراقها» الإقليمية القيمة التي تؤمن انها في حال لعبتها بحكمة، ستمكنها من استعادة الجولان والسماح لها بممارسة تأثيرها على المسرح الشرق أوسطي الأوسع.
أحلام بانتعاش اقتصادي
لذلك، حين اعترف الدردري بأن النمو في سوريا سيعجز إلى حد كبير عن بلوغ نسبة 7%، توقف المحللون الأجانب مليا أمام هذا التصريح. والأهم ان هذا الكلام كان بمنزلة اعتراف بأن العقوبات الأميركية تترك بصماتها على سوريا. ففي تحذير أطلقه من خلال وزارة الخارجية السورية، قال الدردري انه «ينبغي على واشنطن ان ترفع عقوباتها الاقتصادية عن سوريا قبل ان يكون بالإمكان تحسين العلاقات بين الجانبين»، وأضاف شارحا انه «سيكون لرفع العقوبات على الأرجح تأثير إيجابي على الاستثمارات الخارجية المتزايدة»، وانه «سيزيل حاجزا نفسيا» من أمام الشركات التي تتردد الآن في توظيف أموالها في سوريا.
يذكر هنا ان الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سوريا بلغت العام الفائت 700 مليون دولار فقط، ومن المرجح ان يشهد هذا الرقم مزيدا من الانخفاض خلال العام الجاري.
ووفقا للدردري، يجب ان تخضع البنى التحتية السورية لتحسينات كبيرة تصل قيمتها إلى 50 بليون دولار في السنوات العشر المقبلة، من أجل تزييت عجلة التجارة والحيلولة دون قضاء الواردات الرخيصة على الصناعات الأساسية في سوريا (النسيج، غزل القطن، البلاستيك، الإسمنت والتعليب)، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية كان قطاع التصنيع في سوريا يكافح على جبهات عدة، وذلك قبل وقت طويل من اندلاع الأزمة العالمية الراهنة، إذ تمكن طوال عقود من تجنب منافسة الواردات بفضل برنامج «الحماية الوطنية»، وقد منحت التعرفات الجمركية المرتفعة على الواردات المنتجين المحليين شعورا خاطئا بالأمان، بحيث راحوا يبيعون منتجات أقل جودة بأسعار مرتفعة، بيد ان الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة شرعت أبواب سوريا أمام مروحة واسعة من الواردات الجديدة، كما أُلغيت كل التعرفات الجمركية بين الدول العربية، الأمر الذي أرغم المصنعين السوريين للمرة الأولى على الدخول إلى حلبة المنافسة مع واردات رخيصة.
.. والتحرر السياسي
وشكل تدشين بورصة سوريا التي افتتحت في 10 مارس الماضي بعد سنوات من التأجيل، احد التطورات الجديدة اللافتة، لكن، في حين أدرجت فيها ست شركات، لكن واحدة فقط تداولت بما مجموعه 15سهما في اليوم الأول، كما كان حجم التداولات مخيبا للآمال في الأسابيع الأولى، إذ جرى تسجيل أقل من مائة حساب لدى الوسطاء الماليين الخمسة المصرح لهم، أما الأهم من ذلك، فتمثل في فرض قيود ثقيلة الوطأة على التداول لمنع «المضاربة» وترويج «الاستثمار»، إضافة إلى عدم السماح ببيع السندات المالية في يوم الشراء، فرضت حدود على الحركة اليومية لأسعار الأسهم بحيث لا يزيد هبوطها أو ارتفاعها عن 2%، وذلك في محاولة مفرطة الحماسة لحماية المستثمرين. ولا شك في ان كل ذلك يعتبر من مكامن الخلل التي يجب معالجتها، غير ان السوريين أبدوا حماسة لوجود بورصة تعمل بعد خمسين عاما من الاشتراكية.
بدوره، أكد الرئيس الأسد لمواطنيه ان وتيرة الإصلاح سوف تزداد الآن بعدما أصبحت سوريا «أقل تأثرا بالظروف الدولية الصعبة»، كما ألمح إلى ان الإصلاحات لن تكون اقتصادية فحسب بل سياسية أيضا. وعندما سئل عما يقصده بذلك أجاب: «مثلا، عبر توسيع المشاركة السياسية وإنشاء غرفة أخرى إلى جانب مجلس النواب على غرار مجلس شيوخ ينتخب أعضاؤه بحرية ويضطلع بدور تشريعي من أجل إعطاء مساحة أكبر للمعارضة، وعبر مزيد من تحرير الإعلام السياسي والإنترنت لترويج الحوار، وأخيرا عبر إقرار قانون ينظم الأحزاب السياسية. لكن كل ذلك سيتحقق تدريجيا وبحسب وتيرتنا الخاصة».
على الرغم من ان معظم السوريين قد لا يحبسون أنفاسهم بانتظار التغيير السياسي، لكنهم مسرورون بمناخ التعاطي الجديد مع الولايات المتحدة، آملين ان تكون له تداعيات اقتصادية مهمة، وان يساهم ربما في ترطيب الأجواء السياسية بعض الشيء.
مدير في مركز دراسات الشرق الأوسط – كارنيغي
القبس