العالم العربي ومشكلة الأقليات
فخري صالح
يحلو للبعض أن يشيحوا بأبصارهم عن الحقائق التي تحيط بهم وعن المشكلات الفعلية التي تواجه أوطانهم وتهددها بالخطر. وهم من أجل تقديم وصف لما يجري يلجؤون إلى تصورات نظرية وتحليلات لا تصمد أمام المحاكمة الواقعية للأحداث. إنهم يقيمون في عوالم نظرية ويتغطون بالأحلام إن لم يكن بالأوهام، وذلك هروبا من الواقع الذي يحتاج أشكالا من النظر مختلفة عما ساد خلال السنوات الماضية، ومواجهة مع النفس قبل المواجهة مع الآخرين.
نحن في العالم العربي عشنا خلال نصف القرن الأخير في دوامة من الأحداث التي قلصت كثيرا من الأوهام التي حكمت طريقة نظرنا إلى التحالفات والاستراتيجيات التي سادت خلال تلك الفترة، ما غطى على العديد من المشكلات الداخلية التي أجل بحثها، عن حسن نية أحيانا وعن سوء نية في الغالب، لحين حل المشكلة الرئيسية الممثلة في محاربة الاستعمار والصهيونية وكأن تلك المشكلات، وعلى رأسها حقوق الناس المدنية وحقهم في الديمقراطية وتساوي الفرص والتعبير عن آرائهم بحرية، أشياء يمكن تأجيلها إلى حين انتصارنا على الاستعمار والصهيونية! وهو الأمر الذي لم يتحقق، ومن الصعب أن يتحقق في ظل الافتئات على حقوق الإنسان وكم فمه، ومنعه من المشاركة في القرارات المصيرية التي تتخذ باسمه من قبل فئة محدودة من الأفراد، وفي أغلب الاحيان من قبل شخص واحد وصل إلى السلطة على ظهر دبابة، وخيل إليه أن وصوله بتلك الطريقة يخوله حقا شرعيا في ان يقرر عن الملايين ويوجههم الوجهة التي يريد.
الآن وبعد أن تبين للناس أن المشكلات المصيرية الكبرى لم تحل، وأنها غير مرشحة للحل إلى إشعار آخر، تبدو المشكلات المؤجلة مهيأة للظهور واحتلال الموقع الأول من اهتمامات الناس، وهي مشكلات تتطلب حلولا، وهي أسئلة تبحث عن أجوبة في زمن لم يعد فيه التأجيل حلا مرضيا بل وسيلة لمفاقمة المشكلات وتعريض السلام الاجتماعي للخطر.
من المشكلات العالقة في مجتمعاتنا العربية، على سبيل المثال، مشكلة الأقليات وحقوقها وموقعها في التشكيلة الاجتماعية ومشاركتها السياسية في المجتمعات التي تحكمها أغلبية دينية أو سياسية. ورغم أن مشكلة الأقليات مرشحة على الدوام للبروز مهما كان شكل الحكم وطبيعة التشكيلة الاجتماعية في أية دولة من الدول، إلا أن غياب المجتمع المدني الذي يساوي بين الناس في الحقوق والواجبات يرشح مشاكل الأقليات للتفاقم وتفجير السلام الاجتماعي. والمأساة أن صانعي القرار في العديد من الدول العربية يرفضون التعاطي مع هذه المشكلة، قائلين ان لا أقليات في الوطن العربي، وأن الحديث عن الأقليات هو محاولة استعمارية لتمزيق العالم العربي وتفتيته. لكن الحقيقة أن حقوق الأقليات في عالمنا العربي مهدرة بسبب هيمنة الأغلبية العرقية أو الدينية أو السياسية. وإشاحة البصر عن هذه الحقيقة لا تلغي وجودها ولا تخلصنا من واجب تقديم الأجوبة على سؤال الأقليات المطروح على دول العالم جميعا ومن ضمنها دول العالم العربي. إن من المهزلة أن يقال ألا وجود للأقليات في العالم العربي وإن وجدت هذه الأقليات فإنها تتمتع بحقوقها كاملة دون انتقاص!
لقد أجل البحث في العديد من القضايا الأساسية خلال الفترة الماضية لأن خديعة ما قد انطلت على الشعوب والتيارات السياسية، وقد آن لهذه المشكلات أن تبحث. ولو أننا أولينا قضايا المجتمع المدني اهتماما اكبر في أدبياتنا السياسية، وفي نقاشنا العام، لما وصلت مشكلات هذا المجتمع إلى الطريق المسدود ولما أصبح الحديث عن الديمقراطية وتطبيقها بصورة صحيحة من الأمور المنكرة في العديد من الدول العربية.
بناء المجتمع المدني يتطلب اجوبة على الأسئلة الملحة حتى ولو كانت هذه الأسئلة موضوعة على قائمة المحرمات فيما مضى، ولن تنفعنا إدارة الظهر لمثل هذه الأسئلة الملحة فالعالم يتغير وعلينا أن نتغير معه حتى لا يدوسنا الزمان بأقدامه الكبيرة.
كاتب من الأردن