المعارضة السورية وضرورة بناء مؤسساتها الإعلامية
فريد حداد
يوصف الإعلام بشكل عام , والصحافة منه بشكل خاص , في الدول الديمقراطية بالسلطة الرابعة . بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية , لِما له من تأثير كبير على عقول الناس , وعلى توجيه الرأي العام , ودور فاعل في مراقبة السلطات الثلاث السابقة عليه , وأولها السلطة التنفيذية , لِما لها من قابلية شديدة للفساد وامكانية أكبر للإفساد .
لذلك فان الإعلام, هو الساحة العمومية التي يتم في رحابها التعبير عن الأفكار والآراء , كما نشرها , وتبادلها , وتلاقحها . كما هو الساحة التي يتم عبرها نقل الخبر والمعلومة والدعاية التجارية والأعمال الفنية , وكل ما يشكل موضوع اهتمام من قِبل جموع الناس . فكثرة الموضوعات المطروحة في الساحة الإعلامية , من حيث تعدد أنواعها ومن حيث تعدد ألوان الموضوع الواحد , تعكس مدى تطور الشعب ومدى الحرية التي يعيش فيها . ولذلك فان شعباً لايمتلك إعلاماً حراً هو شعب ليس حر . فحقه في التفكير والتعبير والنقل , مُصادر لصالح القوة التي تحتل تلك الساحة العمومية .
وحرية الإعلام لاتعني بالطبع الفوضى والشتائم , كما لاتعني كشف أسرار الدولة والتخاطب مع العدو أو الترويج له كما يدعي محتلوا الإعلام السوري حالياً ,( الذين صادروا صفة الوطنية لأنفسهم كما صادروا أجهزة الإعلام , وأصبح الشعب مشكوكاً في وطنيته , وعليه ان يجهد نفسه في إثباتها بأسلوب هم من يحدده ). بل تعني وجود قانون, ينظم , ويضمن , حق كل فرد , أو جماعة , في التعبير عن أفكارها , وآرائها , ونشرها في كل الأتجاهات , الداخلية , والخارجية , مستعملة في ذلك كل أو بعض وسائل الإعلام المقروءة , أو المسموعة , أو المرئية . المتاحة أو التي سيتيحها التطور العلمي والتكنولوجي . مع عدم التعرض لكرامات الآخرين وعقائدهم الدينية , أوالدنيوية . والمعّرفة أيضا وبدقة من قِبل القانون نفسه .
وعندما نتحدث عن حق التعبير والنشر , فهذا لايعني ان على كل وسيلة إعلام موجودة أن تكون مؤهلة لنشر كل من يريد ما يريد . فالمنطق يقول , أن لاأحد مسئول عن نشر أفكار الغير وأرائهم , الا اذا كانت أداته , أداةً تجارية وتلك مسألة أخرى , ولكن الحق في التعبير والنشر يعني, أن تكون السبل القانونية متاحة , لكل من يريد أن يخاطب العموم , أن يفعل . وتبقى مسألة الإمكانية المادية مسألة خاصة بالطرف المعني .
لقد كان إحتلال الساحة الإعلامية في سورية , من أولى المهام التي نفذها إنقلابيو 8 آذار 1963 , وما زال هذا الإحتلال جاثماً حتى يومنا هذا على كاهل الإعلام والإعلاميين , وبأبشع الصور . وبدلاً من أن تشكل الساحة الإعلامية المجال الرحب لكل مكونات المجتمع السياسية والمدنية للتعبير عن الأفكار والسياسات والآراء, شكلت أداةً للنظام لحقن أفكاره الملوثة في عقول الناس . وبدلاً من تبادل الآراء عبره , تحول الى أداة للتعميم ونشر الأوامر . وبدلاً من أن يكون سلطة رابعة لمراقبة وفضح الفاسدين , أصبح أداة من أدوات الفساد لتلميع صورته وتحويل صورة اللصوص , نهابّي ثروة الوطن , الى صورة وطنيين متفانين في خدمةالأمة , وليحول المجرمون القتلة الذين يوقعون بالسر على تفاهمات مع الدول العدوة ويتنازلوا عن أراضي الوطن المحتلة , في سبيل كسب دعم تلك الدول للحفاظ على النظام , الى قادة أفذاذ يستحقون ان تفديهم الجماهير بارواحها ودمائها . وبدلاً من نقل الخبر الصحيح والمعلومة المفيدة , أصبح أداة لنشر الأكاذيب والتضليل , وتشويه الذوق العام , وادعاء الأنتصارات الوهمية .
لقد غدا الإعلام السوري بواقعه الراهن , جزء لايتجزأ من منظومة النظام الإستبدادي الفاسد والمفسد , كما غدا استحالة إصلاحه , جزء من استحالة إصلاح النظام نفسه , وبالتالي فإن بناء مؤسسة إعلامية ديمقراطية , يتواجد فيها الجميع , بمن فيهم ممثلي السلطة الحاكمة , أصبح مهمة ملحة يقع على المعارضة الديمقراطية مسئولية القيام بها , وهذا مايعطي لمشروع بناء قناة الكرامة الفضائية المؤيدة لمبادئ إعلان دمشق أهمية أستثنائية , كمشروع يطمح القائمون عليه في ان يكون ساحة تعبير لجميع السوريين . فهل ستنجح تلك الفضائية في كسر جدار العزل الذي يسّور فيه النظام رجالاته , وتجبرهم على الجلوس مع الآخر ومحاورته على الهواء مباشرة ؟؟؟ أم أنها على الأقل ستظهرهم بانهم ابناء سلطة لاتجيد الا القمع والقتل والإرهاب , وأخشى ما يخشوه هو الحوار ؟؟ .
النداء