هل يكترث الشارع السوري بالمفاوضات مع إسرائيل؟
زين الشامي
في كل مرة تكشف فيها وسائل الإعلام الخارجية عن وجود مفاوضات سورية إسرائيلية، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة، كان يلاحظ على الشارع السوري عدم اكتراثه بما يجري وما يسمع. وللحقيقة، فإن عدم الاكثراث هذا لافت للنظر، اذ كيف يمكن لشعب ألا يهتم كثيراً بمفاوضات تجري بين حكومة بلده وبين إسرائيل، وهي الدولة التي تحتل هضبة الجولان وتشغل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي منذ الإعلان عن تأسيسها منذ أكثر من ستين عاماً!
إن المتتبع لهذا الشارع ومشاغله واهتماماته اليوم سيكتشف أن ثمة أسباباً عدة يمكن من خلالها تفسير حالة عدم الاكتراث واللامبالاة عند السوريين عموماً إزاء الأخبار والتحليلات عما جرى في الآونة الأخيرة من مفاوضات سورية – إسرائيلية برعاية تركية، أو لناحية احتمال عودة المفاوضات من جديد مع إسرائيل مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما.
السبب الأول لهذا العزوف الشعبي يقف خلفه إحساس عام بأن الطرفين، الحكومة السورية والحكومة الإسرائيلية كذلك، غير جادين بتحقيق السلام، وأن ما يجري ليس أكثر من جس نبض، أو مجرد محاولة لتمرير الوقت، وهذا يعكس بدوره ضعفاً في الاستعداد على الضفتين السورية والإسرائيلية لتوفير العوامل المساعدة لتحقيق السلام، أو بشكل أدق، لتقديم التنازلات المطلوبة من كلا الجانبين لإنجاز خيار السلام. ويسجل هنا أن الشارع السوري، الذي نتكلم عنه، معروف أنه متابع سياسي من طراز رفيع ويستطيع قراءة ما بين السطور، كما يُقال، لذلك، كان يدرك، تماماً، أن تلك الجولة الأخيرة من المفاوضات لم تكن جدية بما يكفي. أما المرة الوحيدة التي عبر عن اكثراثه واهتمامه بعملية السلام، فتعود إلى منتصف التسعينيات، وقد لاحظ السوريون يومها كيف أن الإعلام الرسمي قد تغيّر وبدأ باستخدام مصطلحات السلام، لا بل إن المؤسسات الرسمية عرفت كيف تخترع مهرجاناً فنياً أطلقت عليه اسم «مهرجان المحبة والسلام»، وهو المهرجان الفني السنوي الذي يُقام كل عام في مدينة اللاذقية على الساحل السوري. لكن مع الفشل المتكرر في العودة إلى المفاوضات وحصول اختراقات جدية أصيب الشارع السوري بنوع من الخيبة من المماطلة الإسرائيلية، وأدرك بعد سلسلة من التطورات العسكرية والأمنية الإقليمية أن عودة حكومته إلى طاولة المفاوضات بغرض إرجاع الجولان، ليس مجرد نزهة.
أيضاً، يعرف الشارع السوري أن الأمر لدى حكومته يبدو كأنه مجرد «لعبة» للالتفاف على الضغوط التي تتعرض إليها وبذل الجهود كلها التي يمكن بذلها لفك العزلة وتحسين البيئة الإقليمية، بما في ذلك استخدام ورقة الانفتاح السلمي على إسرائيل وإظهار الاستعداد لتسوية الصراع مع عدوها التاريخي، في محاولة للإفادة من المعطيات الجديدة التي خلّفها إخفاق الحكومة الإسرائيلية في حربها الأخيرة على لبنان، وحتى استثمار ورقة تحالفها مع السلطة الإيرانية ومغازلة تنامي الرغبة الإسرائيلية في رد هذا الخطر وردعه.
السبب أو العامل الثاني، الذي يدلل على عدم اكثراث المواطن السوري بالمفاوضات، يتعلق بحدوث تغيّر في سلم الأوليات لديه بسبب الضغوطات اليومية الاقتصادية المتزايدة والمرارة التي يذوقها بحثاً عن لقمة العيش. إن ذلك كله يأتي على حساب القضايا العامة والهموم السياسية الوطنية. وعموماً لا يخفى على أحد من المراقبين الآثار المترتبة عن ازدياد حدة الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها الناس في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وتفاقم ظواهر البطالة والفساد، وما يعنيه ذلك من حضور قوي ومؤثر للمطالب والهموم المعيشية. السبب الثالث هو الاحتكار التاريخي للسلطات الحاكمة على مدار عقود خمسة في تثبيت وصايتها على المسألة الوطنية واحتكار حق التعاطي بها، وغالباً إقصاء كل من حاول أو عبّر عن اهتمام بالمسألة الوطنية أو بقضية الجولان وتحريره، أو حتى التعبير عن موقف متمايز ومختلف في القضايا الإقليمية والدولية والموقف من الآخر، سواء أكان الموقف من دولة عربية أو غربية، فما بالنا إذا تعلق الأمر بإسرائيل والسلام معها؟
ونتيجة لهذا الاحتكار، استطاعت السلطات أن توجد إحساساً ورأياً عاماً لدى السوريين بأن لا دور لهم ولا مشاركة في القرار الوطني، وأنهم مرغمون على الاعتراف بأن ثمة مرجعية واحدة تقرر مصير البلاد هي القيادة السياسية العليا و«حزب البعث» والحكومة، وما عليهم إلا القبول والتسليم بما تراه صالحاً لها وللوطن. وبسبب هذا الاحتكار أيضاً، على عكس الرأي العام الإسرائيلي، فقد بات المواطن السوري يضمر في سره موقفاً مؤيداً للسلام ولتسوية الصراع مع إسرائيل، ليس حباً بالسلام بقدر ما هو الشعور بالعجز وقلة الحيلة إزاء القضية الوطنية. وما يعزز الرغبة السورية السلبية على مستوى شعبي بالسلام، استمرار عمل السلطات بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية بحجة احتلال الجولان والحرب مع إسرائيل.
وبسبب تحمل المواطن السوري لأعباء اقتصادية كبيرة منذ أكثر من عقود ستة بحجة الحرب مع إسرائيل فإن المواطن السوري قد دفع به دفعاً للتفكير بالخلاص من هذه الحالة التي تكلفه رغيف خبزه وأمنه ومستقبله. وعليه، قد يصح القول إن المواطن السوري لا يكترث كثيراً بأخبار المفاوضات، مثلما يصح القول إنه مهتم على المدى البعيد بالخلاص من هذا الملف بسبب ما خلفته قضية الجولان على حياته، أو بشكل أدق، بسبب اللعب بهذه القضية من قبل السلطات واتخاذها ذريعة لتمرير سياسات أمنية واقتصادية كريهة.
الراي الكويتية