الشعر ليس حلاً
إحساين بنزبير
حاول أن يمشي كما الآخرون يمشون. لكنه سقط. وحين حاول مرة أخرى أن يمشي، لكن كما هو، مشى. ولو بتعثر. مشى كطائر صغير. أي كرضيع. ثم سعى نحو التعلم. يتعلم وهو يمشي. لكن، أين يؤدي به هذا التعلم؟ نحو الحمى. نحو الآلة المكسورة التي هي تراث. وهل التراث علم حتى يتعلم منه؟ فكّر طويلا. ثم استمر في المشي كمعتوه المدينة. كالخطر الذي لا يريد أن يتوقف. لن يتوقف، ولو مات. ولو مات، لا شيء يحدث. الأموات سراج الأحياء. الأموات يمشون في اتجاه أشياء أخرى غير التي تزعجنا.
كان عذباً في مشيه. يشبه المساكين، حيث لا داخلية له ولا خارجية له. كان يمشي فقط. لأن المشي سرور، تعب، إعادة نظر، وجهة رأي تشكّ وتقلق. هكذا قرر أن يكون شعره مشيا ماراتونيا وسرنمة. مشي نحو لون رمادي فريد. مادة للبحث عن موقع شفيف بين ثنايا الجدار الذي هو متن يعاصر ويكاتف. حيث حاول مرة أخرى أن يكتب عن الجدار. لكن سدى. حيث حاول مرة أخرى أن… لأنه يمشي، ولأنه يمشي في صمت نادر.
مرة اقترحت عليه أن يكون مشيه نداً لمشيي. وافق. ومشينا معا. كأننا بائعو نخالة يتيمة. وأثناء هذا التسكع، لحظاتنا تموت وتنمو. تبدأ. تكرر البداية نحو هذا الجدار الأبيض أو قربه. وعلى الأرصفة فتيات، سيدات على الخصوص. واجهات. دخان. غاز العيون. ملصقات الإشهار… كل شيء كان استهلاكا. لم يكن مشينا شهادة. شهادة على أي… شيء؟ هو لا يشهد على أي شيء. وأنا أيضا. شهادتنا الوحيدة هي المشي كما نحن. هي الكتابة. هي السير ضد.
قد يكتب غداً… قد يكتب غداً شيئا ما. حيث تصير اللغة الأب أو الأم عيادة لتصفيف التخيّل والتهريج. وعندما أخذ الفرشاة كآلة ليغطسها في لون رمادي زيتي، أصابته الرعشة. لأنه كان مصابا بالزكام. ثم حاول أن يكتب عبر هذا الزكام، لعله يُمِرّ إحساسا مزكوما. لكن، من طبيعة الحال، كان الزكام أقوى من اللغة ومن هذا الشيء الذي نسمّيه الشعر: الشعلة القراطية التي ليست حلاً.
حديثاً، وقبل أن يسود الليل الأرض، قبّل حبيبته بلطف نادر. أتدري؟ في تلك اللحظة التي قبّلها، راودته فكرة الموت. أي موت؟ أهو موت رمزي أم فعلي أم لغوي؟ في الواقع، كانت الدمعة برفقة جاكوتيه موتاً. كان النثر موتاً أيضا. كانت أيامه موتاً. كانت إنسانيته موتاً في عالم لم يكف من موته. كانت الموت عيادة للسان.
خذ يده. ضعها بين كتفيك. قل له: “مرحى بك في حقل الزيتون قبالة ثلج سكن جبل المشهد والزاد”. قل له هذا كلّه ليسوس غبار الرقابة عنه. رقابة اليومي وسخام كأنه مخرج الشعر نحو النثر… أجل إنه ينثر ولا يشعر. بيولوجيا، إنه رماد أو وحل نخرته النتوءات بمرض الكلام. لكن يقيناً غدا سيكتب. غداً سيحاول النثر المجهول فيه. والمجهول ليس مربعا للتحنان أو للهجرة التي من معاول ونتف. غدا، قد يجيء نحو مغيبه أنيقا كحزمة رشوة.
عبرنا البولفار وزقاق الحي كما الناس.
مشينا مطليين برائحة الحيز والإسمنت.
عندما المدينة صارت شبكة صيد أو صالة عرض دائم.
المزابل وأشياء أخرى هنا تصاحبنا
ونحن نضحك ونموت في الآن نفسه.
اللغة تنثر جنونها علينا. ونحن نمشي ضدها
والجدار الأبيض لم نره بعد.
هيا، قليلا من الصمت،
هناك حيث الأفق ليس عمودنا، بل خلاص نثري. لأن الشعر ليس حلاًّ.