الأخبار الجيدة فقط
محمد كريشان
‘الأخبار الجيدة فقط من فضلك’..هكذا اختارت منظمة هيومن رايتس ووتش عنوان تقريرها الصادر قبل يومين بخصوص قانون تنظيم الإعلام الجديد المزمع إصداره في دولة الإمارات العربية المتحدة، معتبرة أنه يقيد بشكل غير قانوني من حرية التعبير ويؤثر سلبا في قدرة الإعلام على تغطية الموضوعات الحساسة. والقانون المنتظر صدوره قريباً يشمل أيضاً أحكاماً من شأنها، كما تقول المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، أن تمنح الحكومة السيطرة الكاملة على من يُسمح له بالعمل صحافياً، والمؤسسات الإعلامية المسموح لها بالعمل في البلاد.
وإذا كان هذا القانون الجديد الذي أقره المجلس الوطني الاتحادي، السلطة التشريعية الإماراتية، في 20 كانون الثاني /يناير 2009، ما زال ينتظر توقيع الرئيس شيخ خليفة بن زايد آل نهيان ليصبح نافذا، فإن دولا عربية عديدة تمتلك قوانين صحافة أكثر سوءا بكثير من هذا المشروع الإماراتي، الذي لا يتضمن على الأقل عقوبات بسجن الصحافيين، ولا بد لهذه المنظمة الدولية من أن تلتفت إليها أيضا وتسعى أكثر للتعريف بسلبياتها العديدة. وإذا كان أكثر من 100 أكاديمي وصحافي ومحام وناشط حقوقي إماراتي قاموا بدعوة الرئيس إلى إعادة النظر في هذا القانون، وهوما دعت إليه كذلك هيومن رايتس ووتش، فإن الكثير من دولنا العربية لم تعد لدى نخبها حتى هذه الإمكانية للجوء إلى رأس هرم الدولة لإنصاف حرية الصحافة من المتربصين بها، وهم كثر، وقد يكون هوشخصيا من أبرزهم فيما يظل أخطرهم على الإطلاق تحالف الاستبداد والفساد. ويبقى أخطر ما يتضمنه مشروع القانون الإماراتي قدرته على تركيع المؤسسات الصحافية عبر سلاح المال الرهيب فبعض الغرامات فاحشة وستقود حتما ضحاياها إلى الإفلاس لا سيما إذا تكررت، فمن ‘يتعرض’ للمسؤولين الحكوميين أوللأسرة الحاكمة قد تواجهه غرامات تبلغ 5 ملايين درهم (1350000 دولار) ومن يتبين أنها ‘تضلل’ الرأي العام أو’تضر’ باقتصاد البلاد، تواجه غرامات قد تبلغ خمسمائة ألف درهم (135000 دولار). أكثر من ذلك، المشروع يطالب المؤسسات الإعلامية بإيداع مبلغ تأمين غير محدد يتم اقتطاع الغرامات منه. وقد جرب من قبل سلاح الغرامات الخطير هذا في بلد مثل المغرب وأدى إلى اختفاء تجارب صحافية جريئة وناجحة، بل وهروب أصحابها إلى الخارج خوف الاعتقال بعد اتضاح العجز عن الدفع.
كل الخوف الآن أن يدشن المشروع الإماراتي، في حال إقراره، عهدا جديدا من التعامل الصارم من المؤسسة الرسمية العربية مع الأقلام الصحافية الشجاعة فعوض الزج بهذه الأخيرة في السجون، مع كل ما يحمله ذلك من ضجة إعلامية دولية وتنديد من منظمات حرية الصحافة في العالم، سيكون من الأفضل والأنجع اللجوء إلى سلاح المال فهو أقوى وأكثر فتكا. هنا لن يبقي على الساحة إلا أقوى الأقوياء ماليا وهؤلاء عادة لم يعرف عنهم دفاعهم عن الحريات الفردية والعامة بقدر ما عرفوا بقربهم من أصحاب القرار حرصا على المصالح وإيثارا للسلامة.
وطالما أن ‘الأخبار الجيدة’ التي لن تجلب عادة لا المتاعب ولا اللجوء إلى المحاكم هي بالضرورة أخبار الفن والفنانين وأخبار الكرة إلى جانب تعداد محاسن الحكومة والتعريف بسياساتها الرشيدة فإن ما ينتظرنا مع هذا النوع الجديد، الأكثر دهاء، من قوانين الصحافة العربية هو المزيد من التجهيل والتسطيح لخلق مواطن يفتقر لأية مقاربة نقدية للحياة العامة في بلاده ولا يمسك الصحافية إلا ليبتسم… لا يهم إن كان ذلك سعادة أواستخفافا.
القدس العربي