الأزمة بين مصر و”حزب الله”:التوظيف الإسرائيلي
رنده حيدر
منذ اللحظة الأولى لإندلاع الأزمة بين السلطات المصرية و”حزب الله” بدا واضحاً مدى التوظيف الإسرائيلي لهذا النزاع في خدمة المصالح الإسرائيلية. اذ سرعان ما تحولت الصحف الإسرائيلية الى مصدر للمعلومات التي أخذت تضخ كماً من التفاصيل، عن نشاط الشبكة التي كشفتها مصر، وعن الأهداف التي كانت تنوي مهاجمتها، ناهيك بما نقلته الصحف في الأيام الماضية عن المساعدة التي قدمها “الموساد” الى السلطات المصرية في الكشف عن نشاط الشبكة واعتقال أفرادها.
والحق أن اسرائيل استفادت مما يحدث لتحقيق عدد من الأهداف المهمة بالنسبة اليها في طليعتها أن تثبت لمصر مرة أخرى لا جدوى الحوار مع “حماس” طالما ان الحركة ما زالت تخضع بصورة كاملة للنفوذ الإيراني الذي يعوق كل المحاولات التي قامت بها مصر، حتى الآن، من أجل تحقيق التفاهم بين الفصائل الفلسطينية، ورأب الصدع الكبير الناشىء بين حركتي “فتح” و”حماس”، وصولاً الى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية كشكل من أشكال المصالحة الفلسطينية التي ستساعد في العودة الى المفاوضات السياسية مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
من جهة أخرى أرادت اسرائيل توظيف ما يجري في صراعها مع ايران، وفي محاولاتها اظهار سعي الجمهورية الاسلامية الإيرانية الى توسيع نفوذها في المنطقة واضعاف الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة، وزعزعة الزعامة العربية لمصر. فمن بين الأهداف الإسرائيلية في الصراع مع ايران اعتبار ان حصولها على السلاح النووي لا يشكل خطراً على اسرائيل وحدها وانما على كل الدول العربية، وحتى على الغرب.
كما سعت اسرائيل الى استغلال ما حدث من أجل توجيه رسالة واضحة الى ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وهي على وشك البدء بحوارها مع طهران بأن عليها ان تعرف بأن لا شيء سيغير من تطلع ايران الى الهيمنة على المنطقة، والاستمرار في سعيها للحصول على السلاح النووي. ففي رأي المسؤولين الإسرائيليين على اختلاف انتماءاتهم السياسية، لا الحوار بين ايران و أميركا ولا تصالحها مع الدول الغربية، من شأنهما ان يبدلا تطلعاتها نحو بناء قوتها الإقليمية بكل الوسائل الممكنة، ولا سيخففان من عدائها لإسرائيل ومن خططها المستقبلية كي تصبح القوة الأكبر في الشرق الأوسط.
لقد سارعت اسرائيل الى توظيف تورط “حزب الله” في مصر في حملتها على الحزب ومحاولاتها الرامية الى نزع الشرعية عنه وتصويره كتنظيم ارهابي. وحاولت ان تلفت أنظار الدول الغربية لا سيما بريطانيا التي بدأت في الفترة الأخيرة حوارها مع “حزب الله” بعدما كانت تصنفه تنظيماً ارهابياً، الى مدى الخطأ الذي ترتكبه عندما تقبل التحاور مع تنظيم “يتورط في اعمال ارهابية ضد دولة عربية شقيقة”.
تأتي كل هذه التطورات ضمن ظروف دولية واقليمية ولبنانية داخلية مستجدة. فلبنان في خضم الاعداد لإنتخابات نيابية جديدة في شهر حزيران المقبل يسعى عبرها “حزب الله” الى خلق أكثرية نيابية من شأنها بلورة صورة جديدة للبنان السياسي. ودخوله في نزاع مع دولة عربية من وزن مصر بغض النظر عن الأسباب الإقليمية والعربية والداخلية التي وراء تصعيد السلطات المصرية لخلافها مع “حزب الله” لا يخدم كثيراً حملته الانتخابية ولا يساعده على الظهور كحزب سياسي له ممثلون داخل الندوة النيابية وفي التركيبة الحكومية المقبلة سيكون مؤتمناً على أمن البلد واستقراره. وانما يظهره كميليشيا مسلحة ذات أجندة خارجية.
قد لا تترك الأزمة مع مصر آثارها على توجهات المقترعين اللبنانيين في الانتخابات المقبلة في ظل الاستقطاب الحاد بين المعارضة والأكثرية الحالية، ولكن بالتأكيد سيكون لها آثارها البعيدة على علاقات الأكثرية الجديدة، في حال فاز بها “حزب الله” وحلفاؤه، مع الدول العربية كافة وليس مع مصر فقط.
النهار