مخاوف من تحويل لبنان إلى خط مواجهة مصريّة ـ إيرانيّة
مقارنات دبلوماسية بين اتصال الأسد بسليمان .. واتصال مبارك بالسنيورة
تستقبل واشنطن من الآن فصاعدا عددا من الزعماء العرب والمسؤولين الإسرائيليين للبحث في كيفيّة دفع عملية السلام في الشرق الأوسط الى الأمام. وجاء اللقاء التشاوري لعدد من وزراء الخارجية العرب في عمان الأحد المنصرم، ليصبّ في هذا الإطار، ويكوّن نظرة عربيّة شاملة موحدة بشأن كيفيّة التعاطي مع الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بعد إمساك بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرّفة بزمام السلطة والقرار في إسرائيل، وايضا بمصير المبادرة العربية للسلام.
وكان فوز اليمين المتطرّف في إسرائيل وما أعقبه من مواقف رفضيّة عبّر عنها كلّ من نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، قد جمّدا نسبيّا مهمة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لعملية السلام السيناتور جورج ميتشيل، بانتظار وضوح المواقف والخيارات، وسرى هذا التجميد على الكثير من ملفات المنطقة المتصلة أو المتوازية، ودفع بالأطراف المعنيّة من عربيّة وإقليميّة الى التشبث من جديد بالمواقف المتصلّبة والخيارات الصعبة، والدليل أن الإسرائيلي عندما طرق الباب سمع ألف جواب، وشعر بأن القنبلة الموقوتة التي يحاول أن يهديها للفلسطينيين والعرب، لن تقابل بوردة، بل بالمزيد من الرفض، والمزيد من الشروط، والمزيد من التأزيم السياسي الذي قد يفضي الى تأزيم أمني خطير إن لم يصر الى تداركه قبل فوات الأوان.
ويأتي الملف الفلسطيني خير معبّر عن عودة الجميع الى عنق الزجاجة، بدليل أن الحرب الإسرائيليّة على غزّة توقفت إعلاميّا لكنها بقيت عمليّا متفاقمة لجهة إقفال المعابر، وفرض الحصار، وقصف الممرّات السريّة، واستمرار الاغتيالات، وتعذر وضع ما اتخذ من قرارات موضع التنفيذ على الرغم من أهميّة الثقل المعنوي والمادي الذي تمثله الدول التي اتخذت هذه التوصيات.
وتدرك مصر هذه الحقائق، ورغم ذلك فقد حرصت على وضع نفسها في موقع الفريق والطرف، وكانت إدارتها للحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني ملتبسة، وبدلا من أن تعطي للضغوط والمؤثرات الإسرائيليّة ـ الأميركيّة ـ الدوليّة أبعادها الحقيقيّة في دفع الحوار الفلسطيني الى المناحي التي بلغها، أرادت أن تتحدّى استحالتين: الأولى حجب كل الأدوار العربيّة ـ الإقليميّة عن الملف الفلسطيني، وفرض نفسها بديلاً ووكيلاً عن الجميع، وحصر الاهتمام بدوائرها فقط. والثانية تحييد إسرائيل، والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي الذي سهّل أو برّر العدوان الإسرائيلي على غزّة، وتوجيه الانتقاد الى كل من إيران وسوريا وقطر و«حزب الله» و«حماس»، وتحميلهم مسؤولية فشل المساعي التي قادها رئيس جهاز مخابراتها اللواء عمر سليمان.
وكشف لقاء عمّان التشاوري حقيقة مرّة ومفادها أن مصر تتصرّف من منطلق أن ما تقوم به هو الصحيح، وان محور الرفض والممانعة هو على خطأ، إلا أن التساؤل في أوساط الوزراء تمحور حول الآتي: ماذا حقق «المسار السلمي» من نتائج غير العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزّة؟ وأين الإسرائيلي بعد هذا العدوان من مسار أنابوليس؟ ولماذا انقطعت أنفاس المجتمع الدولي الذي يراهن على الحوار بعد تصريحات ليبرمان التي نعى فيها قيام الدولتين؟ لا بل بماذا تجيب مصر على كل هذه التساؤلات وهي تستعد لملاقاة نتنياهو في شرم الشيخ؟!
ويأتي الردّ غنيّا وكثيفا على ما حققته القاهرة، وجاء مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني الذي استضافته ليكلل حقبة كانت مشبعة بالاتصالات واللقاءات على كلّ الصعد لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والغزّاويين بكامل بنوده، وايضا لتحقيق المصالحة الفلسطينيّة ـ الفلسطينيّة، إلا أن الذي عطّل هذه الجهود هو الدعم الايراني ـ السوري ـ «حزب الله» لحركة حماس، الأمر الذي أطاح الجهود المصريّة وعطّل الحوار، وأبقى الوضع مأزوما كما هو عليه الآن.
ويأتي الإعلان عن الاتهامات المصريّة ضد «حزب الله»، في هذا التوقيت بالذات، ليعكس انزعاجا مصريّا من التدخلات التي تعتبر مصر انها عطلت الحوار والمصالحات الفلسطينيّة، وليثير ضجّة على المستويين الإقليمي والدولي للفت الأنظار الى مصر، وهي ترى أن الحوار الاميركي ـ الايراني قد بدأ ومن دون مقدمات عربيّة أقله مع عواصم الدول الكبرى كالقاهرة والرياض، والحوار الاميركي ـ السوري قد دخل مرحلة النضوج والتثمير، والحوار البريطاني ـ «حزب الله» قد انطلق من دون قفزات، وإن الاهتمام في دفع عملية السلام بعد نجاح التطرف الاسرائيلي في الانتخابات قد انتقل الى واشنطن ونيويورك ولندن وباريس ومع الدول التي كانت مصنّفة يوما «بالدول المارقة» و«محور الشر»، ومن دون الاكتراث الجديّ والعميق بموقع مصر، والدور الذي لعبته طوال فترة العدوان الاسرائيلي على غزّة، حيث كانت يومها خطوط الاتصال مفتوحة مع عواصم دول القرار بكثافة، لمتابعة المستجدات، وتنسيق المواقف بشأنها.
وتذهب بعض الكواليس الدبلوماسيّة العربيّة مباشرة الى الأدهى في ضوء هذه الخلفيات، لتقول إن توقيت الإفصاح عن الاتهامات ضد «حزب الله» وإيران، ليس بريئاً ولا هو من باب الصدفة، بل الهدف منه إحراج سوريا والغمز من قنوات تحالفاتها القائمة إن مع طهران أو مع الحزب، وإحراج «دول الاعتدال» في العالم العربي، وخصوصا المحور السعودي ـ الخليجي لحمله على مراجعة حساباته في ما يتعلّق بالمصالحات العربيّة، ووفق المعادلة المصريّة القائلة: «إذا كانت هذه المصالحات لم تنتج تفاهما فلسطينيّا فلسطينيّا، فكيف ستنتج استراتيجيّة عربيّة واحدة موحدة لفرض المبادرة العربيّة للسلام، ولحمل التطرف في إسرائيل على الرضوخ لمنطق السلام العادل والشامل؟».
وينظر بعض الدبلوماسيين العرب بعين القلق الى الوضع في مدينة صيدا الذي يشكّل موقعها وتركيبتها السياسيّة خطوط تماس مفتوحة مع العواصم الخارجيّة المتنافرة، خصوصا إذا ما استمرّت الحملة المصريّة التحريضيّة ضد «حزب الله»، والتي بدأت رماحها تصيب إيران مباشرة، وتضع سوريا في دائرة الإرباك، لا بل الإحراج.
ويقول بعض السفراء العرب: إذا كان الرئيس حسني مبارك قد اتصل بالرئيس فؤاد السنيورة، فإن الرئيس بشّار الأسد قد ردّ مباشرة عن طريق الاتصال بالرئيس العماد ميشال سليمان، وما على اللبيب إلا أن يفهم المغزى من طبيعة الاتصالين وتوقيتهما، مما يستدعي أن يتدخل رئيس الجمهوريّة لدى السلطات المصريّة لوقف الحملة بأسرع وقت كي لا يتحول لبنان خطّ تماس للصراع المصري ـ الايراني، وساحة لتفاقم الحساسيات السنيّة ـ الشيعيّة.
جورج علم
السفير