صفحات العالمما يحدث في لبنان

أوباما ومرشحونا

مروان اسكندر
جون ماكين، منافس الرئيس الاميركي في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، استمر مغمض العينين عن الازمة الاقتصادية المتسارعة والمتنامية في الولايات المتحدة والعالم.  وكان ماكين يقول، اوائل تشرين الاول 2008 ، ان الاقتصاد الاميركي قوي وفي وضع جيد وأي ازمة ستكون بسيطة وسيكون تجاوزها أمراً سهلاً.
في المقابل، كان السناتور الشاب باراك أوباما يحذّر من الازمة المقبلة ويستشير بعض أبرز الاقتصاديين الاكاديميين ورجال الاعمال الناجحين، وكان يصرح بان لديه برنامجاً متكاملاً لتصحيح أوضاع الاقتصاد الاميركي ولاستعادة  قوى النمو وعناصره.
والتباين في موقفي الرجلين من الوضع الاقتصادي كان عنصراً بالغ الاهمية في تقدم باراك أوباما على رغم التعصب ضده عرقياً ودينياً.
توسعت مفاعيل الازمة المالية الاقتصادية العالمية وآثارها المضرة، وفرضت على الدول العشرين الكبرى اقتصاديا في العالم التوافق على برنامج ديناميكي انقاذي تعاوني.  وبعد اجتماعات عدة، انعقدت قمة لندن اوائل هذا الشهر وأقرت استهدافات بعيدة الاهمية، منها ما يمكن تحقيقه في وقت قريب، مثل زيادة حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، ومنها ما يستوجب انقضاء وقت غير قصير قبل تحقق النتائج المرجوة، مثل تحسين شروط الاشراف على عمل المؤسسات المالية ونشاطهما، اكانت مصارف تجارية أم استثمارية أم شركات تمويل أم صناديق تحوط… الخ.  ولم يكن في الإمكان اتخاذ قرارات مؤتمر لندن لولا ليونة موقف الرئيس أوباما واستشعاره حاجات الآخرين.
وبعد مرور شهر على توليه مسؤولية الرئاسة، وهي مسؤولية القيادة التنفيذية دستورياً وفعلياً في الولايات المتحدة، تمكّن الرئيس الاميركي من انتزاع موافقة مجلسي النواب والشيوخ على برنامج تخصيص 780 مليار دولار لأغراض الانقاذ، اضافة الى 350 ملياراً مترصدة من برنامج كان الرئيس جورج بوش بدأه متأخراً، وقد عزز أوباما فرص النجاح بخفوضات ضريبية توازي 212 مليار دولار، وعليه تجاوز البرنامج الانقاذي التحفيزي مبلغ 1400 مليار دولار أو نسبة 12 في المئة من الدخل القومي الاميركي.
وقبل بضعة ايام، وفي محاضرة عن برنامجه الاقتصادي والمالي، تحدث الرئيس أوباما في جامعة جورج تاون مدة 35 دقيقة عن مرتكزات برنامجه الانقاذي. لم يقرأ حرفاً واحداً ولم يتلعثم لانه خطيب بليغ، وفي الوقت ذاته كان من السهل عليه عرض برنامجه لانه مقتنع بمرتكزاته وقد ناقشها بصورة تفصيلية مع اصحاب الاختصاص في فريقه.  وعلى فكرة، الرئيس أوباما متحدث أبرع بكثير من رئيس المجلس الاقتصادي الوطني، لاري سمرز.
حدد الرئيس الاميركي خمسة استهدافات،  نوردها باختصار شديد:
– اعادة دورة الحياة الى المؤسسات المالية (المصارف وشركات التمويل) بحيث يتوافر التمويل للحاجات الاستهلاكية والسكنية والتعليمية من دون ابطاء، وإخضاع المؤسسات المعنية لرقابة صارمة تمنع الشطط في الممارسة.
– تطوير مستويات التعليم وخدماتها بحيث يكون الشباب الاميركي، بعد عقد أو عقدين، قادراً على منافسة مواطني أي دولة واستعادة المركز الاول في الابتكارات التطبيقية والعملية.
– التركيز على ترشيد استهلاك الطاقة وتنويع مصادرها بحيث يتزايد الاعتماد على مصادر الطاقة غير الملوثة، مثل الكهرباء من الرياح، والطاقة من الشمس، والمياه الحارة الجوفية.  ورأى الرئيس الاميركي ان هذه الجهود ستوسع فرص العمل الى حد بعيد وستقوي زخمها في القريب العاجل.
– موضوع العناية الصحية وتأمين الغطاء الصحي لجميع المواطنين، وتحسين فاعلية الخدمات الصحية وتوافرها للمواطنين، هي على حد قول الرئيس الاميركي اهم الاستهدافات التي يعمل على تحقيقها.  وقال بصورة واضحة ان صناديق العناية الصحية وتأمينات تعويضات نهاية الخدمة كلها مهددة بالقصور عن تحقيق الغايات التي انشئت من اجلها. وفي حال استمرار الاوضاع على حالها، ستعجز الصناديق والمؤسسات عن تأمين العناية والوقاية الصحية للأميركيين.
– الهدف الخامس لبرنامج الرئيس أوباما تمثّل في طموحه الى ضبط العجز في الموازنة، ذلك انه نبّه الى ان نجاح البرنامج الاقتصادي التحفيزي سيؤدي الى زيادة ضخمة في السيولة وفي المديونية، وسيكون من الضروري امتصاص السيولة الفائضة في المستقبل والحيلولة دون وقوع البلد في مطب التضخم المستشري.
كما  رأى ان هذا الهدف يستوجب تشذيب الادارة الحكومية وتفعيلها، اضافة الى مراجعة البرامج الانفاقية.  واشار الى خطة وزير الدفاع القاضية بخفض نفقات التسليح والتكاليف اللوجستية بما يساوي 100 مليار دولار.  واعتبر ان طرح مشروع وزير الدفاع هو بمثابة البرهان على جدية ادارته في مواجهة الازمة المالية والاقتصادية  العالمية، وتأمين ارضية للنمو المستقر بنسب مقبولة في السنوات المقبلة، اضافة الى تفادي الوقوع في ازمة من النوع الذي يعانيه العالم حاليا.
في المقابل، يتصرف المرشحون للنيابة في لبنان، ومنهم عدد كبير من الوزراء، وكأن الازمة العالمية لا تعني لبنان بشيء، وكأن الاقتصاد والبرمجة من علوم الفلك واللامرئي.  فحتى تاريخه، لم نقرأ برنامجاً اقتصادياً واحداً على مستوى من التفكير الرزين او المتعمق.  وعلى ما اظن، ان المناقشات على الشاشات، ما عدا اتهام البعض للبعض الاخر بارتكاب الاهدار وربما السرقة، لا تتناول الشأنين الاقتصادي والاجتماعي.
وثمة كتل واحزاب وتيارات مشاركة في الانتخابات النيابية ليست بينها كتلة أو تيار أو حزب تقدم ببرنامج اقتصادي اجتماعي متكامل ومتحسس لحاجات اللبنانيين.
حضرة المرشحين،
• هناك ازمة مالية واقتصادية عالمية اصابت في وقعها لبنان واللبنانيين. ولا يكفي، من اجل التفاؤل، زيادة ودائع المصارف.
• هنالك مصائب بيئية وترد مخيف في مواردنا المائية، وتلوث مشين في مياه البحر.
• هنالك عجز كبير في حسابات تعويضات نهاية الخدمة لدى المؤسسات في القطاع الخاص أو اجنحة الدولة ولا من يحتسب الوقع مستقبلاً.
• هنالك ازمة ازدحام خانقة ستجعل بيروت كاراجاً كبيراً يعوق التنقل في ارجائها، والتنفس في اجوائها.
• ثمة ترد مخيف في توفير امدادات المياه والكهرباء. ومعلوم ان مستويات الانجاز الحياتي العادي ترتهن بتوافر هذين العنصرين للمواطنين بأسعار معقولة، ومواصفات جيدة، واستقرار مستمر، وكل هذه الشروط غير متوافرة.
ان لائحة عناوين التأخر أطول بكثير، ولا حاجة الى الاستمرار في زيادة انقباض نفس اللبنانيين حيال حكامهم والمرشحين من خارج الحلقات السياسية المعروفة.
سبعمئة مرشح، وعلى الاقل عشرة تيارات وأحزاب، يتنافسون للفوز بالنيابة، ولم نسمع من مرشح أو تيار أو حزب التزاماً لبرنامج فعلي واضح لإنعاش الاقتصاد، وتأمين شيخوخة اللبنانيين، والحفاظ على لبنان يليق بمستوي جيل الشباب المنفتح حديثا على الحياة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى