صفحات العالمما يحدث في لبنان

من العصر الناصري، الى الفلسطيني، فالإسرائيلي، فالسوري، فالإيراني، لبنان ساحة مفتوحة لصراعات المحاور منذ قرون

اميل خوري
يقول سياسي مخضرم عايش عهوداً عدة وتابع المتغيرات ان لبنان كان ولا يزال ساحة مفتوحة للصراعات العربية والاقليمية والدولية وقد عانى الكثير من جراء هذه الصراعات ومع ذلك لم يتفق اللبنانيون على اقفال هذه الساحة في وجه الجميع باعتماد النظام الذي يحصنه ويحميه منها.
فمن الحكم العثماني الذي شهد نظام القائمقاميتين ونظام المتصرفية ثم حكم الانتداب الفرنسي ثم حكم الاستقلال بدءاً من العام 1943، شهد لبنان في ظل كل حكم ونظام صراعات محاور سقط فيها قتلى وجرحى وشهداء ماتوا اغتيالا او على اعواد المشانق او زج العديد منهم في السجون بتهم شتى.
وعوض ان يكون عهد الاستقلال بداية قيام الدولة القومية، القادرة على المحافظة عليه وحمايته من تدخل الشرق والغرب، فانه كان بداية صراع بين المحورين البريطاني والفرنسي وانقسم اللبنانيون بين هذين المحورين، وجاءت نتائج الانتخابات تحسم هذا الصراع لمصلحة المحور البريطاني. ثم شهد لبنان موجة المد الناصري معتمداً على مناصريه في الداخل، وقد تصدى حكم الرئيس كميل شمعون لهذا المد بدعم عربي وتحديداً من المملكة العربية السعودية والمملكة الاردنية الهاشمية. وكان وراء صراع المحورين العربيين صراع خفي اميركي بريطاني أدى الى اغتيال العاهل الاردني الملك عبد الله واغتيال الزعيم اللبناني الكبير رياض الصلح، وسلسلة انقلابات عسكرية في سوريا شاركت فيها احزاب لها امتدادات خارج الحدود ولا سيما منها حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي، ولجوء قادة منهم الى لبنان والاردن والعراق، وكان هذا اللجوء سبباً لخلافات اثرت على طبيعة العلاقات اللبنانية السورية بسبب النشاط السياسي الذي كان يقوم به بعض اللاجئين منهم الى لبنان ومطالبة الحكم القائم في سوريا باخراجهم من أرضه.
ولم يكن موقف الولايات المتحدة الأميركية واضحاً بالنسبة الى المد الناصري في لبنان والمنطقة، لأن الاولوية عندها كانت التخلص من النفوذ البريطاني، الأمر الذي استدعى اتفاقاً اميركياً – مصرياً على اختيار اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية علّ اختياره يكون بداية لوضع نهاية لهذا النفوذ. لكن الصراع العربي الاقليمي والدولي على الساحة اللبنانية لم يتوقف بانتخاب الرئيس شهاب، فكانت محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي على الحكم الشهابي، ثم كانت انتخابات 1968 التي دارت بين خطين سياسيين: الخط الناصري العروبي الذي اتهمت لوائح النهج الشهابي بانتهاجه، وخط الدفاع عن سيادة لبنان وكيانه والحؤول دون تذويبه في كيانات اخرى، وقد رفع شعاره “الحلف الثلاثي” بقيادة: كميل شمعون وريمون اده وبيار الجميل، وكان الفوز الحاسم في جبل لبنان للوائح هذا الحلف الذي لم يتمكن اي من اركانه الثلاثة من الوصول الى رئاسة الجمهورية، فاضطر الى تأييد مرشح “تكتل الوسط” للرئاسة الاولى النائب سليمان فرنجيه الذي فاز على منافسه الياس سركيس مرشح النهج الشهابي بصوت واحد.
وتوقف المد الناصري في لبنان والمنطقة مع حلول النفوذ الاميركي محل النفوذ البريطاني، الذي كان قد حل محل النفوذ الفرنسي لاسيما في لبنان وسوريا، الى ان أدى انفتاح ساحة الجنوب امام العمل الفدائي الفلسطيني الى تعرّض المنطقة لسلسلة اجتياحات اسرائيلية بلغ احدها عام 1982 العاصمة بيروت، فمر لبنان بالعصر الفلسطيني ثم بالعصر الاسرائيلي الذي انتهى باغتيال الرئيس بشير الجميل بعد ايام من انتخابه رئيساً للجمهورية وبدأ العصر السوري مع انتخاب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس رينه معوض الذي اغتيل ايضاً بعد وقت قصير من انتخابه… وكان لكل عصر مناصرون في لبنان.
واستمر العصر السوري في لبنان قرابة ثلاثين عاماً، الى ان وضع اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه نهاية لهذا العصر مع انسحاب القوات السورية من كل لبنان تحت ضغط الشارع و”ثورة الارز” و”انتفاضة الاستقلال”.
وها هي الساحة اللبنانية المفتوحة على الصراعات تشهد الآن صراعاً جديداً بين محورين: المحور المصري – السعودي والمحور السوري الايراني وقد اشعله رغم مساعي المصالحات العربية – العربية اعتقال السلطات المصرية شبكة متهمة بالقيام باعمال عنف داخل مصر ومد حركة “حماس” في غزة بالاسلحة وبين عناصرها من هم منتمون الى “حزب الله”. إن الصراع بين هذين المحورين يطرح الاسئلة الآتية:
اولاً: ما هو موقف الادارة الاميركية الجديدة من الصراع بين هذين المحورين، هل تحدد موقفها في ضوء المحادثات المباشرة المرتقب اجراؤها مع ايران، حتى اذا ما انتهت الى تفاهم حول الملف النووي تكون هذه الادارة قد نجحت في اعتماد السياسة الواقعية في تعاملها مع الدول التي كانت تصفها الادارة الاميركية السابقة بمحور الشر.
ثانياً: ما هو موقف اسرائيل وبالتالي موقف دول الاعتدال من تفاهم اميركي – ايراني في حال حصوله ولم يكن مقبولاً منها. وما هو انعكاس هذا التفاهم على الصراع السياسي الداخلي في لبنان بين قوى 8 و14 آذار وعلى تشكيل حكومة مابعد الانتخابات.
ثالثاً: اي وضع ستكون عليه المنطقة اذا لم يتم التوصل الى تفاهم بين اميركا وايران، وبالتالي على لبنان والانتخابات فيه، اذ انه قد يصبح طرفاً في الصراع بفعل الاتهامات المتبادلة بين مصر من جهة وايران و”حزب الله” من جهة اخرى.
يقول الوزير السابق شارل رزق في حديث للتلفزيون الفرنسي رداً على سؤال حول تفسيره تغيير السياسة الاميركية حيال ايران: “ان هذا التغيير يعود الى اعتراف الادارة الاميركية الجديدة بالدور المركزي لايران في المنطقة والى كونها الدولة الأكثر تاثيراً الآن في الشرق الاوسط، ويرتبط هذا الاعتراف بوعي الادارة الاميركية، فالادارة السابقة لجورج بوش ارتكبت خطأ فادحاً بشنها حرب العراق، فاصبح الهم الأكبر للرئيس أوباما وقف هذه الحرب والخروج من العراق بأقل كلفة ممكنة، ولن يكون ذلك ممكناً الا اذا غيّرت واشنطن موقفها من ايران”، ويضيف الوزير رزق: “ان الانسحاب الاميركي التدريجي من العراق يترافق مع اعادة النظر في وضع الولايات المتحدة في افغانستان، اذ أعلنت واشنطن ان معالجة هذا الوضع لن يكون الا بالتفاوض وباشراك الدول المجاورة في الحل الديبلوماسي وعلى رأس هذه الدول ايران التي تقف في افغانستان موقفاً لا يتناقض مع الموقف الاميركي، وان الخطأ الفادح الذي ارتكبه الرئيس السابق بوش هو انه لم يتلقف هذا التلاقي في الموقف مع ايران في افغانستان بل انتهج سياسة عدوانية ادركت ادارة الرئيس أوباما نتائجها السيئة عليها.
اما كيف يكون تأثير كل ذلك على لبنان وتحديداً على “حزب الله” فيتوقع الوزير السابق رزق ان يستفيد لبنان استفادة كبيرة من تبدل النظرة الاميركية الى ايران، وان “حزب الله” هو حزب لبناني متجذر في الارض اللبنانية ويعبر عن معاناة الشعب اللبناني ولاسيما في الجنوب، وهو يأمل ان تزيد اميركا من ضغطها على اسرائيل كي تخفّف من هذه المعاناة وتتجه نحو الحل السلمي وفقاً لمشروع السلام الذي اقرته القمة العربية في بيروت عام 2005.
وذكرت “نيويورك تايمس” في مقال لروجر كوهين ان احد سيناريوهات التطبيع مع ايران هو ان توقف الدعم العسكري لحركة “حماس” و”حزب الله” وتوافق على العمل من أجل الاستقرار في العراق وافغانستان وتوافق على تدخل الوكالات الدولية للطاقة الذرية للتحقق من ان برنامجها النووي محدود ويستعمل لاغراض سلمية فقط وتعد بمحاربة ارهاب “القاعدة” وتلتزم تحسين سجلها في مجال حقوق الانسان، ومن جهة الولايات المتحدة تلتزم امن الجمهورية الايرانية الاسلامية وتقر بدورها الاقليمي المحوري وتوافق على حق ايران في تشغيل منشأة تخصيب محدودة وتعد بدعم انضمام ايران الى منظمة التجارة العالمية وتعيد الموجودات الايرانية التي تمت مصادرتها وترفع كل العقوبات عنها وتوافق ايران على حل باقامة دولتين مقبول من الفلسطينيين. الى ذلك، لا بد من انتظار نتائج المحادثات الاميركية – الايرانية لتظهير صورة الوضع في المنطقة، وهل هي ذاهبة في اتجاه الهدوء والاستقرار أم في اتجاه آخر.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى