فلتكن سورية أولا
طارق الحميد
يقول ديفيد آرون ميلر، السياسي الأميركي المخضرم، لصحيفتنا، إن «الخارجية الأميركية أرسلت مبعوثين إلى دمشق، وإن وفودا من الكونغرس زارت سورية. وهذا له دلالة لأن بين إيران وسورية علاقة استراتيجية منذ 30 عاما». ويضيف أن الإيرانيين «سيشعرون بالقلق عندما يرون سفيرا أميركيا في دمشق»، موضحا «في رأيي لن يحدث اتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني. لكن سيحدث اتفاق إسرائيلي ـ سوري وستتجه أميركا نحو هذا وتشجعه».
فأيهما أهم: استثارة إيران أم تحريك ملف السلام السوري ـ الإسرائيلي فعليا وعودة الجولان المحتلة لأهلها؟ وهل مقبول أن تشرع واشنطن بسلام سوري ـ إسرائيلي قبل السلام مع الفلسطينيين؟
إذا كان الأمر مجرد استفزاز أو مناورة للضغط على إيران فإن ذلك لن يحل الأمور، بل سيعقدها أكثر، لكن إذا كان الهدف هو تحقيق سلام سوري ـ إسرائيلي حقيقي فحينها سيكون ذلك أمرا ايجابيا جدا.
إنجاز السلام السوري ـ الإسرائيلي أمر قابل للتحقيق عمليا على عكس السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي اليوم، وعلى العرب دعم هذا الأمر بكل السبل. فدمشق قادرة على إنجاز الاتفاق غدا، حيث أن المفاوضات قد قطعت أشواطا ليست سهلة. كما أن الجولان ليست ملفا شائكا مثل غيره من الملفات الأخرى، فيكفي التذكير هنا بأن قرار السلام في دمشق سيكون بيد رجل واحد وهو الرئيس، بينما الفلسطينيون في حالة انقسام مزرية اليوم.
فها هي مصر تسعى لتوحيد الفلسطينيين، وقبلها السعودية، وكلما تم إنجاز اتفاق نقض، فبمقدار ما أن الرياض والقاهرة تحاولان فإن إيران وسورية، وغيرهما، يقفون على الطرف الآخر لشد حماس إلى الاتجاه المخالف.
إيران لا تريد رؤية أي تقدم في المنطقة سواء من ناحية ملف السلام، أو غيره من ملفات تمسكها بيدها، لأن ذلك يضعف موقفها التفاوضي مع أميركا، ودمشق لا تثق في أحد الآن، ولا تريد أن تنتهي كورقة تفاوضية في الملف الإيراني مع واشنطن.
إنجاز سلام سوري ـ إسرائيلي من شأنه تعزيز الثقة في عملية السلام برمتها، ويمثل انفراجة كبيرة للصراع العربي ـ الإسرائيلي، فسورية ما بعد السلام ستكون بكل تأكيد غير سورية المتوقفة منذ ثلاثين عاما في مربع رمادي لا هو مع الحرب ولا هو مع السلام. وسيكون السلام مع سورية بمثابة رسالة حقيقية لحزب الله، وبالتالي إيران، وسيجعل دمشق تتخذ موقفا واضحا لا مواربة فيه، فإما استكمال عملية السلام ودعم وحدة الفلسطينيين واستقرار لبنان، أو العودة إلى المربع الرمادي، وهو أمر مستحيل لأن كلفته ستكون جنونية.
في تصريحاته يقول السيد ميلر إن هناك مثلا أميركيا يقول أول شيء تحتاجه عندما تقع في حفرة هو أن تتوقف عن الحفر، وهو محق فالمنطقة لا يمكن أن تحتمل حلولا قصيرة المدى، أو تكتيكية، من قبل واشنطن.
إذا أرادت إدارة أوباما إنجازا تاريخيا في الملف الأكثر تعقيدا في العالم وهو الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فعليها أن تبدأ من بوابة دمشق، فهناك مفتاح الكنز لعملية السلام، من أجل المنطقة كلها، وليس من أجل استفزاز الإيرانيين فقط.
الشرق الأوسط