رسائل الانفتاح السورية على خط الإيجابيات نحو واشنطن: اهتمام بمؤتمر العلاقات مع لبنان وتوقيع تفاهم مع العراق
روزانا بومنصف
توقفت مصادر ديبلوماسية مراقبة في حمأة الانشغال اللبناني الكبير بالانتخابات النيابية، عند تطورين ظهرا اخيرا في الاداء السوري على اساس احتمال اعتبارهما رسائل الى الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة الاميركية.
فأحد هذين التطورين يرتبط بالزيارة التي قام بها قبل ايام قليلة رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري للعراق حيث وقع مذكرة تفاهم مع نظيره العراقي نوري المالكي تناولت مجالات عدة، واصرار الجانب السوري على تأكيد حرصه “على امن العراق واستقراره ومنع من يحاول تعكير صفو الامن العراقي”. وقد رد على سؤال صحافي بهذا المعنى مشددا على ان “اي نشاط يؤدي الى زعزعة امن العراق واستقراره وأي نشاط معاد، هو من الخطوط الحمر”. وهذه اشارة ضمنية يفهم منها منع المتسللين من سوريا الى العراق بما يهدد امنه، لتطمئن واشنطن الى التزام دمشق الحلحلة او المساهمة في حلحلة احد ابرز المسائل المقلقة بالنسبة الى العاصمة الاميركية، واحد مطالبها الرئيسية من العاصمة السورية منذ ما بعد اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003.
اما التطور الآخر فتمثل في الندوة عن العلاقات اللبنانية – السورية التي عقدت في دمشق اخيرا والكلام الذي ادلى به الرئيس السوري بشار الاسد حول العلاقات بين البلدين، وابدت في بيروت اهتماما به على قاعدة رصد اي تطور في موقفه من جملة قضايا تتعلق بلبنان، فضلا عن ردود الفعل المحتملة عليه من اللبنانيين والتي غابت كليا او كادت ربما لافتقاده العناصر الاستفزازية المعتادة في الخطاب السوري حيال لبنان، علما ان بعض هؤلاء المراقبين وقف على رد فعل عدد من المسؤولين مباشرة على المناقشات التي حصلت في دمشق، والاهم على كلام الرئيس السوري باعتباره المؤشر الى طبيعة ما سيقوم به النظام السوري تجاه لبنان اقله علنا في ما يوجهه من رسائل ايجابية صريحة الى الولايات المتحدة، خصوصا ان هؤلاء لاحظوا ان الخطاب الآخر للمحاضرين والمشاركين السوريين في المؤتمر لم يكن على السوية نفسها من التقويم المتقدم للعلاقات والحديث عن الاخطاء التي ارتكبتها سوريا في لبنان ووردت على لسان الرئيس السوري المتنبه على الارجح الى ان كلامه سيرصد في الخارج تحديدا، تماما كسائر الاحاديث الاعلامية التي ادلى بها اخيرا. بل كان كلام هؤلاء المحاضرين تقليديا في التعبير عما يساور السوريين في شأن لبنان، ورغبتهم في استعادته في شكل او في آخر. اذ ان سوريا تقيم وزنا لهذه المؤشرات واي مؤشرات مماثلة، تماما كالارتياح الذي تم التعبير عنه اثر حضور السفير الاميركي في لندن حفلا في السفارة السورية هناك للمرة الاولى منذ اعوام عدة.
وبعض الديبلوماسيين الاوروبيين وسواهم اهتم ايضا بموضوع المؤتمر حول العلاقات اللبنانية – السورية وما ورد فيه. لكن الاهتمام تركز على ما اذا كان ثمة تقويم اميركي، وهذا ما يهتم به السوريون اكثر من سواه من ردود فعل لاعتبارهم ان مشكلتهم مع اوروبا لم تعد مهمة بل لم تعد موجودة، ويبقى تطبيع العلاقات مع واشنطن.
وتزامن هذان التطوران مع زيارة لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الامن الديبلوماسي اريك بوزويل لدمشق للبحث في امن السفارة الاميركية هناك بما فسر خطوة رمزية مهمة نحو ترتيب وضع السفارة والعودة المحتملة للسفير الاميركي الى العاصمة السورية في اطار الخطوات الاميركية المدروسة جدا في الانفتاح الاميركي على دمشق والتي لم تصل بعد الى حدود ان يشمل المبعوث الاميركي جورج ميتشل دمشق بجولته الثانية في دول المنطقة والتي جرت الاسبوع المنصرم. كما لم تصل الى حدود دعوة الرئيس السوري لزيارة واشنطن اسوة بدعوة الرئيس الاميركي باراك اوباما كلا من الرئيس حسني مبارك ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو للقائه قريبا في واشنطن، الامر الذي ادى الى استياء سوري عبر عنه قول وزير الخارجية السوري وليد المعلم في انه “عندما يترسخ الاقتناع لديهم بأن السلام العادل والشامل لن يتحقق من دون حصول تسوية على المسار السوري سيأتون الينا…”، علما ان المراقبين يرون صعوبة كبرى في تحقق مثل هذه الزيارة، باعتبار ان الانفتاح السوري – الاميركي لا يزال في طور تلمس الخطوات والتأكد من التزام اطرها. وهناك متابعة لمسار العلاقات مع العراق والانتخابات في لبنان، خصوصا في ضوء ما سيقدمه المراقبون الاوروبيون وسواهم الذين يبدأون بالوصول الى لبنان الاسبوع المقبل، من تقارير حول طبيعة هذه الانتخابات ووجود او عدم وجود تدخلات فيها، باعتبارها مؤشرا الى التزام سوري آخر حيال لبنان. كما ان هذا الامر يبقى صعبا ما لم يتحقق تقدم ملموس على المسار السوري – الاسرائيلي الذي لا يبدو واضحا حتى الآن، على رغم تكهنات بان حكومة نتنياهو ستكون اقرب الى انجاز اتفاق على المسار السوري منها على المسار الفلسطيني، في حين يضغط الاميركيون في اتجاه الاخير في اطار ما يضعونه تحت عنوان “السلام العادل والشامل”.
في اي حال ليس هذان المؤشران جديدين في الاتجاهين معا، اي في اتجاه العراق او في اتجاه لبنان منذ زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان والمسؤول عن ملف الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي دانيال شابيرون لدمشق في السابع من آذار الماضي، والتي اتبعتها دمشق بخطوة تسمية سفيرها في لبنان وبزيارة لوزير الخارجية السوري للعراق بعد ايام من تلك الزيارة. وفي رأي هؤلاء المراقبين ان الخطوات التطبيعية الاضافية مسألة وقت ومضمون معا، وليست مسألة وقت فحسب، لانها ترتبط بمجموعة استحقاقات تصل الى لبنان والعراق وحتى الى موضوع التعاون في الموضوع الفلسطيني.
النهار