ما بعد خروج الإخوان السوريين من جبهة الخلاص
مازن كم الماز
هناك خلط غريب في التعليقات التي تلت مواقف الإخوان الأخيرة , حيث يقدم النظام كمرجعية للوطنية تارة , و تارة يجري الحديث عن ضرورة مراجعة الإخوان هذه لسياساتهم و عن نتائجها , إلى جانب أشياء أخرى تعبر عن نفس المقاربة تقريبا , من المؤكد أن مراجعة الإخوان لمواقفهم و لسياساتهم ضرورية جدا , مثل جميع القوى السياسية و التيارات الفكرية , ناهيك عن النظام , لكن اتجاه هذه المراجعة لا يجب أن يكون باتجاه النظام , و لا باتجاه اليسار أو بقية خصومهم السياسيين و الفكريين , بل باتجاه الشعب فقط , في الحقيقة إن أي حوار , أو حتى مصالحة , بين النظام و الإخوان لن يشكل حلا للأزمة السياسية و الاجتماعية المتفاقمة في سوريا , خاصة التي تلقي بظلالها على حياة الجماهير , بل إن حوارا كهذا , و الأكثر حتى التوصل إلى مصالحة بين الطرفين , قد تشكل خطوة ذكية من النظام للحصول على شيء من الشرعية أبعد من قوة قمع أجهزته , هذا ما فعله مثلا النظامين الجزائري و السوداني , لكن الغباء المستحكم في رؤية الديكتاتوريات لمصدر شرعيتها المزعوم الذي هو في الأصل مصدر تخويف الجماهير و إبقائها في حالة تدجين هو الذي يحول بين النظام و اكتشاف هذه الفائدة أو ممارستها , إن المؤسف في موقف الإخوان هو أنهم تخلوا عن خدام ليس بسبب ماضيه و بالتالي طريقته في “معارضة” أسياده القدامى , بل بسبب ضغط إخوانهم خاصة مع الاصطفافات العربية الرسمية في فترة المجزرة الإسرائيلية على غزة , لا يوجد ما هو أسوأ من الاستقواء بالخارج إلا الاستقواء بأجهزة القمع التابعة للنظام و بمؤسساته البيروقراطية الأمنية ضد الجماهير , خلافا لكل الهراء عن مساواة الوطن بالنظام , الذي يمارسه اليوم أيضا نظام مبارك باستخدامه ما تسمى بقضية حزب الله لقمع المعارضة له فكريا و ربما التشهير بها و أساسا لتسهيل الخطوات الأخيرة لجمال مبارك من كرسي والده الذي يبلغ اليوم 81 عاما بكسب موافقة أمريكية إسرائيلية نهائية و ضرورية لهذا التنصيب , فإن الوطن هو الناس , العاديين , بالتحديد , الذي يقمعهم النظام و يهمشهم , و الذين يستخدمهم الخارج كمبرر لضغطه أو لغزوه المحتمل حتى , دون أن يمثلوا أكثر من مادة مطلوبة للرد على خطابات مثل خطاب أحمدي نجاد الأخير , حين يستخدم نجاد جرائم الغرب الهمجية ضد شعوبنا و يستخدم الغرب المنافق لدرجة الوقاحة جرائم نجاد و أمثاله ضد شعوبنا في معركة إعلامية و أخرى فعلية حول السيطرة على حياتنا و خيرات بلادنا , بين الطغم المحلية و تلك القادمة من وراء المحيط , إن الوطن , سواء اعتبرنا سوريا أولا أو الوطن العربي أولا أو دولة الخلافة أولا , ليس إلا البشر الذين يؤلفونه , هم أصحابه , و حريتهم حريته , و الأكثر من ذلك , إن خيراته ملك لهم , لا لأية قوة أخرى على وجه الأرض , لا بسبب عقد اجتماعي لا يعرفون عنه شيئا , ناهيك عن أن هذا العقد أبرمته النخبة مع السلطة بدون الحاجة إلى علم الناس أو موافقتهم , و لا بسبب إيديولوجيا يسارية أو يمينية , علمانية أو دينية , مستوردة أو محلية , أما عن حرية الوطن , حرية هؤلاء البشر , فهي شيء لا يمنحه أحد , لا نظام غارق في الفساد و تحميه أجهزة القمع بهمجيتها , و لا جيوش احتلال يهمها فقط زيادة أرباح سادتها و لو على حساب دماء الملايين من الفقراء و أبنائهم و لو على حساب تدمير عالمهم نفسه…
الحوار المتمدن