النووي الباكستاني قبل الايراني
بقلم امين قمورية
الدول الكبرى تكذب على نفسها وعلى غيرها عندما تتوهم ان الخمسة مليارات دولار التي تعهدت تقديمها الى باكستان في قمة طوكيو ستخدم اهدافها الامنية وستنقذ هذه الدولة من خطر الانهيار والسقوط في الفوضى. فقد ضخت الولايات المتحدة وحدها في الخزانة الباكستانية اكثر من 11 مليارا في السنوات الست الاخيرة، منها ثمانية مساعدات عسكرية. غير ان هذه المساعدات بدلا من ان تساهم في لجم التطرف الطالباني الذي يهدد الوجود الاميركي في افغانستان، انتقل هذا التطرف في الاتجاه المعاكس، وصارت افغانستان في قلب باكستان تهدد باكلها من داخلها.
الرئيس الباكستاني آصف علي زراداري الذي خسر “ام اولاده” على ايدي المتطرفين، يطمئن قادة الدول الكبرى على انه عقد العزم على قبول التحدي وقيادة باكستان الى بر الامان من هذه المحنة. الا ان الباكستانيين المتشائمين بدأوا يعدون الايام التي يتوقعون ان تسقط فيها بلادهم في يد “طالبان”. واقلهم تشاؤما يتوقع حصول ذلك السنة المقبلة، واكثرهم تشاؤما فينتظرون في غضون اشهر.
ان قوة باكستان هي من قوة عسكرها. ولكن يبدو ان هذه القوة تضمحل وتتقهقر فيما قوة “طالبان” وحليفها “القاعدة” تتعزز وتشتد. هذه القوة الصاعدة حتى الان تسيطر على اقاليم عدة في الدولة. ومتزمتوها يتقدمون نحو اقاليم جديدة، ويعدون العدة لحصار بيشاور، عاصمة المنطقة المحاذية لافغانستان. وهم الآن على مسافة مئة كيلومتر من العاصمة اسلام اباد. والحكومة الباكستانية ترفع الصوت متحدية، لكنها تخضع لمطالبهم بفرض الشريعة في اكثر من اقليم، وتبدي ضعفا ازاء شروطهم. وهكذا اضطرت الى الافراج عن مولانا عزيز الذي قاد التمرد ضدها في المسجد الاحمر، ووضعه قيد الاقامة الجبرية في منزله، خالف الشروط والقى خطبة الجمعة في المسجد نفسه وكرر دعوته الى الجهاد، فيما الرئيس يتنقل من دولة الى اخرى طالبا المساعدة في لجم “الارهاب” و”الارهابيين”.
وباكستان ليست دولة عادية. فهي الدولة الاسلامية الوحيدة التي تملك ترسانة نووية وجمعت ما يكفي من الاورانيوم والبلوتونيوم لانتاج ما بين 50 ومئة راس نووي. واذا كانت عيون العالم شاخصة نحو ايران، وتترقب الساعة التي ستصل فيها طهران الى القوة النووية الاكيدة، فماذا سيفعل هذا العالم اذا سقطت الرؤوس النووية الباكستانية في يد التطرف و”الارهاب”؟ وماذا سيكون رد الفعل الاسرائيلي قبل الاميركي؟
اسلام اباد لاتزال حتى الآن حليفة اساسية لواشنطن، وتاليا فان لا اميركا ولا اسرائيل بقادرتين على شن عملية استباقية تدمران بها القدرات النووية الباكستانية قبل ان تسقط في يد التطرف الاسلامي على غرار مافعلت اسرائيل في الماضي مع مفاعل “تموز” العراقي، او قبل سنتين مع منشأة “الكبر” السورية. واذا حصل ذلك فمن يضمن الا يكون ذلك، ذريعة للتعجيل في سقوط النظام الباكستاني قبل الاوان وان تترتب على ذلك انفجارات في المنطقة اكثر ضجيجا من انفجارات الطائرات الاميركية او الاسرائيلية المغيرة؟ واذا كان الحل البديل الرهان على “حكمة” الرئيس الباكستاني الجديد عبر اقناعه باخراج الرؤوس النووية من الارض الباكستانية حتى لا تكون مهددة بالسقوط في يد اخصامه فهل يقتنع بهذه الحجة قبل ان تقتنع جارته اللدود الهند باخراج رؤوسها حتى لا يختل التوازن في شبه القارة الهندية؟
اسرائيل تصحو وتنام على وقع تطورات الملف النووي الايراني الذي لايزال في بداياته العملية، وتتذرع بهذا الخطر لرفع جهوزيتها العسكرية، وابتزاز المجتمع الدولي في كل المجالات، ورفض الانصياع للرغبات الاميركية بالعودة الى مفاوضات السلام مع العرب قبل ان يطمئن بالها الى تجريد طهران من براثنها النووية والصاروخية و… الاصدقاء، فكيف سيكون تصرفها حيال خطر النووي الباكستاني “السائب”؟ وهل تهدأ قبل الحصول على ضمانات باقتلاعه من جذوره؟ وما مصير السلام وحل الدولتين؟ وهل ينفع بعد الآن اقتراح ميتشل: “بوشهر في مقابل يتساهر” اي النووي الايراني في مقابل الاستيطان؟
ليس عبثا ان يتصدر اخيرا النووي الباكستاني الاهتمامات الاسرائيلية، فهو على الارجح الان استجداء لخطر وهمي اكثر مما هو خوف فعلي، على امل المزيد من الابتزاز والشحن والتصعيد والتهرب من الالتزامات.
النهار