صفحات العالم

تتريك إيران وإسرائيل

حازم صاغية
في المدائح الأميركيّة لتركيا، وكانت ذروتها زيارة أوباما أنقرة، تتردّد فكرة مؤدّاها أن ذاك البلد تجتمع فيه النقائض وتتعايش. فتركيا مسلمة وعلمانيّة، إسلاميّة وغربيّة، ديموقراطيّة تتولّى المؤسّسة العسكريّة “حراسة” السياسة فيها، عضو في الناتو ومعترضة على حرب العراق، معنيّة بالتوصّل إلى تسوية للنزاع الفلسطينيّ/ العربيّ مع إسرائيل، وساعية إلى عضويّة الاتّحاد الأوروبيّ سعيها إلى توطيد موقعها في العالم الإسلاميّ وعلاقاتها بأطرافه.
وبغضّ النظر عن مدى صحّة التقييم هذا، يبقى أن إيران، لا سيّما في ظلّ أحمدي نجاد، وإسرائيل، خصوصاً في ظلّ نتانياهو وليبرمان، هما البطلان المضادّان لنمط البطولة التركيّ: فهما دولتان ونظامان يقيمان في الطرف والنقيض.
وإذا صحّ أن العلاقة الأميركيّة بإيران، قبل أوباما ومعه، علاقة بالغة السوء غدت مؤخّراً قابلة(؟) للتحسّن، فإن العلاقة بإسرائيل علاقة تماهٍ غدت مؤخّراً قابلة لشيء من التردّي. وهذا، على الأقلّ، ما دلّت إليه زيارة جورج ميتشيل واتّضاح الفارق بين طرحه المرتكز على مبدأ الدولتين وعلى نتائج مؤتمر أنابوليس وبين الطرح الرسميّ الإسرائيليّ الرافض ذاك المبدأ وتلك النتائج.
بيد أن إشارات متناثرة تتجمّع هنا وهناك توحي بدفع ما تمارسه الإدارة الأميركيّة الجديدة للوصول بكلّ من إيران وإسرائيل إلى موقع تركيّ. هكذا ترتفع إيران قليلاً من مرتبة العدوّ إلى مرتبة الخصم، فيما تهبط إسرائيل قليلاً من مرتبة المثيل إلى مرتبة الشريك.
ففي الدولة العبريّة، ما كاد المبعوث الأميركيّ يستقلّ طائرته إياباً حتّى تراجع نتانياهو عن مطالبته الفلسطينيّين بـ “الإقرار بأن إسرائيل دولة لليهود” كشرط مسبق للتفاوض معهم، على أن يُحال هذا الطلب إلى المفاوضات النهائيّة. كذلك روّجت الصحف أنباء تفيد بخلافات داخل الحكومة المصغّرة بين نتانياهو وليبرمان من جهة وبين إيهود باراك، وزير الدفاع العمّاليّ، من جهة أخرى. وهناك في تركيبة السياسة الإسرائيليّة ومؤثّراتها ما يكفي للقول بأن باراك يطمح في ركوب الموجة الأميركيّة، مثلما ركبها من قبل إسحق رابين، وأن وجهة كهذه قد تفيد في إنقاذ “حزب العمل” مما هو فيه، لا سيّما لجهة الافتقار إلى معنى وجاذبيّة.
أمّا على صعيد إيران، فبدا لافتاً للانتباه، وعلى غير العادة، أن تصدر عن أحمدي نجاد تعابير “تأخذ وتعطي” في ما خصّ الحوار مع الولايات المتّحدة. وهو، في هذا السياق، فاجأ الكثيرين بإعلانه أن الصحافيّة الإيرانيّة – الأميركيّة روكسانا صابري، المعتقلة هي الأخرى بتهمة “التجسّس” إيّاها، ينبغي أن تتمتّع بحقّها القانونيّ في الدفاع عن نفسها.ش
صحيح أن المستوى النجاديّ منخفض بالمعاني كافة. وقد يخبّئ لنا الرئيس الإيرانيّ مفاجأة باهرة حين يلقي الخطاب الافتتاحيّ لقمّة ديربان (التي تكافح العنصريّة بأحمدي نجاد!). لكن المفاجآت قد تتّخذ أيّاً من المنحيين، خصوصاً أن السابقة الفنزويليّة، و “الصداقة” الجديدة التي نسجها أوباما وشافيز في قمّة الكاريبي، قد تترك تأثيراتها على صديق شافيز الإيرانيّ.
كائناً ما كان الأمر، يبدو أن تتريك السياستين الإيرانيّة والإسرائيليّة، كلّ منهما بالطريقة التي تلائمها، إغراء مؤكّد لواشنطن. فبهذا فقط، على ما يوحي الكلام الذي يهبّ من البيت الأبيض، تستقيم لعبة السياسة في المنطقة خصومةً ونزاعاً. وهو، في أغلب الظنّ، ما يلحّ عليه زمن سياسيّ صار من المستبعد فيه، بعد حربي العراق وأفغانستان، التفكير بالحروب.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى