مثلث القرار
محمد ابرهيم
في مطلع ولاية الرئيس الاميركي قالت إدارته ان المقاربة الجديدة حيال الشرق الاوسط ستكون شاملة.
وقالت ايضا ان اسلوب الحوار سيكون المعتمد في اشارة الى تغيير في طبيعة المقاربة للعلاقة مع الخصوم.
مع هذين التوجهين العامين خصصت ادارة اوباما القضية الفلسطينية بتركيز على ان مدخلها هو “حل الدولتين لشعبين”، كما خصصت العراق بتبنِ عملي لخطة الانسحاب التي كانت الادارة السابقة قد توصلت اليها مع الحكومة العراقية الحالية. ومع ان الفترة السابقة مباشرة للانتخابات الرئاسية الاميركية اوحت بان الاولوية ستكون لافغانستان، الا ان المسار الفعلي للادارة الجديدة سرعان ما جعل افغانستان – باكستان محورا قائما بذاته.
مذذاك لم يحصل تطور دراماتيكي يوحي بان هناك وجهة ما ستتبلور سريعا في ما يتعلق بمنطقتنا. وجلّ ما شهدناه هو توسيع “مقاربة الانفتاح” لتشمل عمليا كل الملفات وكل المناطق، في العالم، الى حد ان التساؤل بات مشروعا حول طاقة الادارة الجديدة على ادارة كل هذه التغييرات معا.
بالعودة الى الشرق الاوسط، العربي، يمكن ملاحظة ان التغييرات التي احدثها وصول الادارة الاميركية الجديدة، مضافا اليها التغيير في الطاقم الاسرائيلي الحاكم، استنفدت تأثيرها بفقدان زخم مشاريع المصالحات العربية.
فلا المصالحات بين الدول استكملت سيرها، خارج التهدئة الاعلامية و”الشخصية”، ولا المصالحة الفلسطينية، التي يفترض ان تشكل عنوان المرحلة الجديدة، تخطت العقبات المعروفة.
لا بل ان الفترة الاخيرة شهدت تحوّل الوسيط العربي الاساسي في الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني، اي القاهرة، الى موقع الاشتباك الاعلامي، غير المباشر، مع ما تمثله “حماس”.
ومع فقدان الزخم في المبادرات العربية لاستقبال المرحلة الجديدة، اميركياً واسرائيلياً، أقامت العلاقات العربية – العربية عند المنطقة الرمادية المكشوفة على ما تأتي به الاحداث.
وعلى هذا الصعيد لا بد من ملاحظة ان علاقة المثلث الاميركي – الاسرائيلي – الايراني هي التي ستحدد مسار المنطقة، وتاليا كيف سيعيد العرب، دولا واحزابا، اصطفافاتهم.
في العلاقة الاميركية – الاسرائيلية، المنتظر، كما تعبر عنه الصحافتان الاميركية والاسرائيلية، هو وصول لعبة التطويق التي يمارسها أوباما ونتنياهو الى نقطة احتكاك. ففي وجه الرئيس الاميركي الذي لا تمل ادارته من تكرار لازمة “دولتين لشعبين” يبدو نتنياهو مليئا بعناصر المناورة التي تؤجل الى اقصى ممكن لحظة الحقيقة التي يتوقعها خصوم نتنياهو وهي رضوخه للمبدأ “الاميركي” لحل القضية الفلسطينية.
وفي العلاقة الاميركية – الايرانية هناك لعبة تطويق من نوع آخر، لكنها في عناصرها الاساسية اللعبة الاولى. فقدرة المناورة الايرانية في وجه “الثابت” الاميركي تكاد تتفوق على القدرة الاسرائيلية. وتفصلنا ولا شك فترة طويلة عن وصول العلاقات الاميركية – الايرانية الى نقطة الاحتكاك.
وفي هذا المجال لا بد من ملاحظة ان ما سرّبته الصحافة الاميركية ونفته الخارجية الاميركية، حول استعداد ادارة اوباما للقبول بمستوى ما في التخصيب الايراني للاورانيوم، قد اصبح امرا واقعيا مع القرار الاميركي بالمشاركة في “المفاوضات السداسية” مع ايران فيما هذه لا تزال مستمرة في عملية التخصيب.
يمكن القول ان الثابت الاميركي بات عدم وصول ايران الى انتاج السلاح النووي اكثر مما هو منع ايران من الحصول على التكنولوجيا وعلى هذا الصعيد الطاقة المتبادلة على المناورة تبدو واسعة ديبلوماسيا وزمانيا.
اما العلاقة التي تبدو تصادمية في نقطة انطلاقها فهي العلاقة الايرانية – الاسرائيلية، حيث لا تكف التسريبات الاعلامية عن الاستعدادات المتبادلة ليوم المواجهة الذي لا مفر منه.
هذه العلاقة التي تعطي بعض الحرارة للوتيرة البطيئة للحركة السياسية في المنطقة مرهونة بالطبع بالجواب عن سؤال: هل تملك اسرائيل القدرة على تجاوز الولايات المتحدة بتوجيه ضربة منفردة لايران “النووية”؟
كل الاجابات تشير الى ان اسرائيل لا تملك اكثر من الاستعداد، وممارسة اتقان سيناريوات الضربة، اما الانتقال الى الممارسة الفعلية فمستحيل، في الظروف الدولية الراهنة، بدون موافقة اميركية ما. هذه المعطيات كلها تعني ان المنطقة مقبلة على فترة من التطورات البطيئة جدا، مقارنة بسابقتها، على امل ان لا تملأ فراغ الانتظار حماوة متجددة للمشاحنات العربية.
النهار