العــراق: مســارات التدليــس والتدنيــس
عبد الحسين شعبان
اعترفت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) في سابقة خطيرة بحجم الكذب الذي مارسته بشأن الحرب على العراق، وأكدت دراسة تم نشرها مؤخرا عدم وجود روابط بين النظام السابق وتنظيم القاعدة، وهو أحد المبررات التي استخدمتها واشنطن في شن الحرب على العراق لا سيما بعد شروعها بالتحضير لها بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية عام ,2001 وهي الحرب التي تدخل عامها السادس هذه الأيام. أما المشروع «الوعد الديموقراطي» فلم يحمل أي برهان، فقد سكتت واشنطن عنه بعد أن تحول الى كابوس مرعب عناصره الارهاب الأعمى والتشظي الطائفي والميليشيات المستفحلة والفساد المستشري وانعدام الأمن.
جدير بالذكر أنه بعد احتلال العراق بخمس سنوات ومراجعة قرابة 600 ألف وثيقة عراقية وضعت واشنطن اليد عليها بعد الاطاحة بالنظام السابق والسيطرة على بغداد لم تعثر على أية أدلة تدمغ العراق بالعلاقة مع التنظيمات الارهابية وجماعة القاعدة. ورغم أسر واعتقال عشرات من المسؤولين السابقين وإجراء تحقيقات معهم فلم تتوصل الادارة الاميركية الى أي خيط يُذكر بوجود علاقة بين أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والحكومة العراقية السابقة.
وإذا كان هناك من تورط للنظام السابق فيما يتعلق ببعض الاعمال الارهابية، فإنها في الغالب شملت قمع حركات معارضة وشخصيات ناشطة وملاحقتها في داخل العراق وفي المنافي، خارج نطاق القضاء وبوسائل غير قانونية، لكن هذا الأمر بلا أدنى شك يختلف عن التورط في موضوع العلاقة مع تنظيم القاعدة أو أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ناهيكم عن وجود أسلحة دمار شامل، وهو الركن الثاني الذي حاولت الادارة الاميركية ان توظفه كمبرر في الحرب على العراق عام .2003
وللأسف الشديد فإن بعض السياسيين العراقيين الذين برروا الأجندة الخارجية وزينوا التعويل على القوى الدولية التي ادعت أنها تريد تحرير العراق لا احتلاله، بمن فيهم مثقفون، كانوا قد سوّغوا غزو العراق، بل انهم نشروا طائفة من الاكاذيب لا تقل عن أكاذيب الادارة الاميركية بشأن وجود اسلحة دمار شامل حتى ان بعضهم كان يصرح او يلمح وكأنه خبير بالعلوم العسكرية والفيزياء النووية بوجود مادة الانثراكس، التي يمكنها بظرف 45 دقيقة قتل مئات الملايين، وطلب هؤلاء على نحو مباشر او غير مباشر بعقود تم توقيعها مع البنتاغون او بدونها من واشنطن «انتشال» البشرية وانقاذها من النظام السابق، وهو الأمر الذي برروه لحصار دولي جائر استمر 13 عاما!!
لم تكن تصريحات وزير الدفاع الاميركي السابق دونالد رامسفيلد بعيدة عن هذه الاجواء حين قال: ان الاستخبارات المركزية الاميركية CIA وفرت أدلة دامغة عن وجود علاقة مع تنظيمات القاعدة وهو ما دفع كولن باول وزير الخارجية الاميركي السابق الى تأكيد ذلك أمام أكبر محفل دولي في خطابه الشهير في الأمم المتحدة رغم اعترافه لاحقا بعدم صحة المعلومات التي استند اليها، وهي التي روجها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير استنادا الى معلومات استخبارية مزيفة من أطروحة أحد الطلاب العراقيين قبل أكثر من 10 سنوات على شن الحرب.
وكان هذا أمر سبعة مسؤولين أميركيين كبار آخرين منهم ديك تشيني نائب الرئيس وكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الحالية ومستشارة الأمن القومي في حينها، وهؤلاء جميعا قدموا شهادات وأدلوا بآراء ونقلوا معلومات قالوا أنها دقيقة خلال عامين بين 2001 ـ 2003 لتبرير الغزو الاميركي للعراق وقبله الى افغانستان ويذكر ان 935 شهادة رسمية خاطئة او «كاذبة» تم استعراضها خلال تلك الفترة بعد 11 أيلول (سبتمبر) بشأن المخاطر التي تهدد واشنطن. ومؤخرا نشرت منظمة غير حكومية تدعى «صندوق دعم الصحافة المستقلة» معلومات قالت فيها ان إدارة بوش قادت الأمة الى حرب على أساس معلومات خاطئة، بدأت تتكشف يوما بعد يوم.
وإذا كان كولن باول الذي اعترف منذ وقت مبكر بأخطائه وعدم دقة معلوماته عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق او علاقة الأخير بالارهاب الدولي وهو ما فعله عدد من المسؤولين او المؤيدين للحرب، وتلك ميزة للديموقراطية الغربية وللاميركية تحديدا رغم كل ما لحق بشعوب المنطقة عن مساوئها في العراق وفلسطين ولبنان، الا ان المصارحة والمكاشفة تتطلبان الاقرار بذلك، وكما يقال الاعتراف سيد الأدلة والخطوة الأولى لتحديد المسؤولية، وهو يتطلب في الوقت نفسه كشف الحقيقة كاملة والتعويض لما أصاب الضحايا وجبر الضرر وإصلاح ما تم تخريبه وإعمار ما تم تهديمه، فضلا عن ذلك إنزال العقوبة بمن كان المتسبب وفقا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 وقواعد القانون الدولي الانساني، إذ أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، لا سيما وقد شملت جريمة العدوان وجرائم الابادة والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب ذاتها.
ولنا أن نتساءل: ألم يحن الوقت لكي يعترف بذنبه من كان يدعو لاستمرار الحصار وينظر للحرب على العراق ويحرض عليه بحجة نظامه الدكتاتوري الاستبدادي؟ لا سيما أولئك الذين خفتت اصواتهم بعد الاحتلال وهم يسمعون ويشاهدون كل يوم ما يجري من تطهير وقتل مذهبي وطائفي وعلى الهوية وارهاب منفلت من عقاله وهدر للمال العام والفساد الاداري والمالي وسوء الاوضاع المعيشية والصحية والتربوية وانهيار المجتمع العراقي لا سيما بهجرة الطبقة الوسطى وقتل العلماء والاكاديمين ووصول عدد اللاجئين والنازحين منذ الاحتلال ولحد الآن الى نحو 4 ملايين و600 ألف عراقي حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
أليس من وخزة ضمير أم أن الضمير أصبح في غيبوبة ولن يستعاد بالوخز او حتى بالصدمات!؟
([) كاتب عراقي