صفحات سورية

أولمرت وسورية

null


برهوم جرايسي

لم يكن رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، بحاجة إلى إصدار أي بيان توضيحي لموقفه مما نشر على لسانه في سورية، وكأنه موافق على “الانسحاب الكامل” من هضبة الجولان السورية المحتلة.

كذلك لم نكن نحن أيضا بحاجة إلى بيان كهذا، لأن الوقائع الميدانية في هذه الأيام تؤكد حقيقة موقف المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة من هضبة الجولان، التي قد نجد فيها أغلبية للانسحاب “في”، وليس “من” هضبة الجولان، والفرق بينهما حسب القاموس الإسرائيلي شاسع جدا.

لقد دَرَج رؤساء حكومات إسرائيل على إضفاء رمزية معينة في اختيارهم لموقع قضاء إجازاتهم، إذا كانت داخل البلاد، وهذا “تقليد” إسرائيلي قديم، ولكن بعض صنّاع الرأي الإسرائيليين، لفتوا له النظر مجددا في الأيام القليلة الماضية.

فقد أمضى أولمرت مع عائلته عطلة عيد الفصح العبري، في الأيام الأخيرة، في هضبة الجولان السورية بالذات، ولكن ما هو ملفت للنظر أكثر، أن هذه الإجازة الثالثة التي “يحظى” بها أولمرت، منذ توليه رئاسة الحكومة رسميا، قبل عامين، وقد أمضى الإجازات الثلاث في نفس المنطقة المحتلة، واهتم مكتبه بنقل معلومات للصحافة الإسرائيلية حول تمتعه في قضاء تلك الإجازة في تلك المنطقة، وبين المستوطنين، الذين حلّ عليهم ضيفا.

وعدا ذلك، فحين تكون المؤسسة الإسرائيلية، بذراعيها العسكري الأمني، والسياسي، على قناعة بضرورة الانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، فإنها لن توظف سنويا مليارات الدولارات في مشاريع البنى التحتية الضخمة، من شبكات طرق وتمهيد لتوسيع المستوطنات القائمة، وهذا ما يجري في هذه الأيام على أرض الواقع في الهضبة.

ورغم ذلك، فهناك غالبية كبيرة في إسرائيل توافق على انسحاب جزئي من هضبة الجولان، وهذا موقف تجده في كافة الأطراف السياسية الإسرائيلية الكبرى، التي تتناوب على الحكم، وهذا هو المقصود في مصطلح “انسحاب في” الهضبة، بمعنى أن الاحتلال قد ينسحب من بعض مناطق الهضبة، خاصة الحدودية منها، كبديل لمصطلح “انسحاب من” الهضبة، بمعنى انسحاب كلي.

وإذا ما نظرنا إلى خارطة الاستيطان في هضبة الجولان، نجد أن الغالبية الساحقة جدا من المستوطنات تتركز قرب الحدود مع مناطق 1948، باستثناء بعض المستوطنات الصغيرة الواقعة في عمق المنطقة المحتلة.

ولهذا هناك أصوات في إسرائيل تدعو إلى الانسحاب من القرى الجولانية السورية الخمس الباقية، وإبقاء الكتل الاستيطانية القائمة، وهو مصطلح متبع بالنسبة للضفة الغربية، أو “في أحسن الأحوال”، الاتفاق مع السوريين على استئجار هذه المناطق لفترة طويلة، مثل 99 عاما.

وقد يعتقد البعض أنها مسألة “تستحق التفكير والنقاش”، ولكن الحديث هنا لا يدور حول مجرد مناطق استيطانية في الهضبة، بل إنها الأراضي الأهم، التي تشمل أكثر الأراضي خصوبة ومصادر للمياه، وعلى تلك الأراضي كانت قائمة عشرات القرى السورية التي تم تدميرها في العام 1967، والآن يعيش في سورية مئات آلاف اللاجئين منذ 41 عاما.

وعودة إلى أولمرت، فقد أكثر في المقابلات الصحافية التي أجرتها معه وسائل الإعلام الإسرائيلية، عشية عيد الفصح العبري، في الحديث عن “رغبته” بإجراء مفاوضات مع سورية، ولكن، وهي “لكن” كبيرة جدا، فإن أولمرت لم يعلن في أي من المقابلات استعداده لدفع ثمن السلام مع سورية، بل قال إنه “يعي ما الذي تطلبه سورية، كما أن سورية تعي ما تطلبه إسرائيل“.

إضافة إلى هذا فإن أولمرت ومعه عدد من كبار ساسة إسرائيل، يضعون شروطا علنية حتى لمجرد استئناف المفاوضات، وليس كشروط مستقبلية في حال تم التوصل إلى اتفاق، وهي شروط مذلة لكل دولة ذات سيادة، إذ تتحكم بعلاقات سورية الخارجية والداخلية، وعلى رأسها علاقاتها مع إيران وحزب الله اللبناني، والفصائل الفلسطينية التي مركزها سورية.

وحين تفرض إسرائيل الرسمية شروطا كهذه، فإنها تعي جدا أن سورية، وأي بلد سيادي آخر، سيرفض شروطا كهذه، كذلك فإن مثل هذه الشروط ستكبل أيدي أية حكومة إسرائيلية مستقبلية، في المسار السوري، بزعم أنها شروط ذات أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لإسرائيل، لئلا تتحول “هضبة الجولان إلى دولة إيرانية حدودية مع إسرائيل”، كما يزعم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس مرارا وتكرارا، وآخرها في الأسبوع المنتهي.

لقد سبق أولمرت في رئاسة الحكومة الإسرائيلية أربعة رؤساء، قيل عنهم أنهم وافقوا على الانسحاب الكامل من هضبة الجولان، كان أولهم، رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، الذي أودع تعهدا لدى الأميركان بالانسحاب من الجولان، وصادق عليها من بعده رئيس الحكومة شمعون بيرس، ثم من بعدهما بنيامين نتنياهو، ومن بعدهم إيهود باراك.

ولكن منذ “تعهد رابين”، بين العامين 1994 و1995، وحتى هذه الأيام، تضاعف عدد المستوطنين في هضبة الجولان، من 16 ألفا إلى ما بين 30 ألفا وحتى 35 ألف مستوطن، وما تبع ذلك من توسيع المستوطنات والبنى التحتية وتطوير المرافق العامة.

وإذا وكان الرؤساء الأربعة الذين كانت لهم مكانة قوية في الشارع الإسرائيلي خلال توليهم منصب رئاسة الحكومة، لم يتقدموا بأي خطوة جريئة وحقيقية في اتجاه الانسحاب من هضبة الجولان، فإن أولمرت، “الضعيف كليا” وفق استطلاعات الرأي، لن يكون بمقدوره فعل ما عجز عنه “الأقوياء” من قبله.

ويتزامن كل الحديث عن “موقف” أولمرت، في الوقت الذي تثار فيه من جديد، الغارة الإسرائيلية على شمال سورية في ليلة السادس/ السابع، من أيلول (سبتمبر) من العام الماضي 2007، بعد أن ادعى تقرير للمخابرات الأميركية، طرح أمام لجنة خاصة في الكونغرس، بأن إسرائيل قصفت مفاعلا نوويا كوري الصنع في شمال سورية، كان على وشك الانتهاء من بنائه، والادعاء بأنه لم يكن للأغراض السلمية.

بغض النظر عن حقيقة هذه المزاعم، التي تريد إسرائيل أن يعرفها الجميع كحقيقة، ولكن من دون اعتراف إسرائيلي رسمي، “لكي لا تُحرج الرئيس السوري بشار الأسد، بشكل يدفعه نحو شن هجوم انتقامي”، كما تدعي وسائل الإعلام الإسرائيلية.

في الأيام المقبلة من المفترض أن يعقد الكنيست جلسة استثنائية خلال عطلة الربيع، لبحث ما ورد في سورية حول موافقة أولمرت على “الانسحاب الكامل” من هضبة الجولان، وهي جلسة لن تكون لأكثر من إطلاق الخطابات، دون أي تأثير سياسي، وقد يقرر أولمرت المشاركة في تلك الجلسة، وقد يتغيب عنها، ولكن ما هو مضمون، أنه سيهتم عبر مساعديه، لنشر صورة له بابتسامته العريضة، التي يريد القول منها: إن أولمرت الحقيقي هو في نسخة السادس من سبتمبر، وليس ما قيل عنه في سورية قبل أيام، مدعوما بذلك من التقرير الاستخباراتي الأميركي، وأغلب الظن أن الشارع الإسرائيلي في هذه المرّة سيصدقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى