إلى المعتقلين المتهمين – بالتطاول على سوريا
فلورنس غزلان
جحيما صرت يا وطني، نحملك صليباً وندور بك رحاب الكون، لم يبق لنا درع تحمينا من عواصف الخراب ، ولا سارية تمخر بنا عباب اليم حيث معالم الحلم تزداد اغترابا وضبابا.. لم يبق أمام بحارتنا ، الذين ابتلعتهم حيتان الأقبية المظلمة تتغذى على أجسادهم أسماك القرش الأمنية، إلا أن ينتظروا هبوط الطغاة من قصور الممانعة والمقاومة، التي تعيش في أضرحة ثقافة يتيمة تسدل أوسمتها فوق جثث شعب يمتطونه ليلا نهارا، يتحدثون باسمه …وهو يغط في بوتقة انصهاره حتى الهيكل العظمي…
لقياصرة وطني كرامة وكبرياء تشبه كرامة قطاع الطرق وكبريائهم في سرقة قوافل الفقراء ، لأنها لا تعرف الخجل..تسير حسب بوصلة الشمس المشرقية، التي صنعت من جلود آدمية…وعظم ذبائح سلخوا فروها على بوابات الهزائم، المكرسة نصرا مؤزرا لصالح المخلوقات العجيبة، التي تتدثر بعفة الكلام ولغة النصائح وأشعار الغواية، تخر لها الرؤوس بطقوس من صلوات النساك المصابين بهيبة الوجل والتقى.
أمرغ وجهي وأعفر رأسي بتراب يخسر كل يوم رائحته ، حين أنظر إلى أسراب النمل البشري تتكاثر أرتالها الزاحفة نحو ثقوب الدول الغافية والمصابة بفقدان الذاكرة .
.شاخت سواعدي وانبرت أصابعي …فقد رهنتها منذ أن شبت قامتي، لتكون رخيصة من أجل أن تبقى رائحة الياسمين خمرة الأرض هناك…أراها قد وهنت و أصابها جفاف العذاب وامتداد الوقت في انهماكها المستمر بحثاً عن أحصنة لم تفقد بعد صهيلها.
يصيب الوهن سمعي وبصري من شدة الانتظار في غيبة تمتد ، وغربة تأكل أيامي، وغيوم تزداد كثافة ، وغبار يغمر مساحة الرؤيا…في صحراء تغزو أذرعتها رؤوس أشجار كنت أراها باسقة خضراء ..
أشق قمصاني وأعلن التيه العاري في جغرافية تتقلص وتاريخ يندحر، وحاضر ينام في متاهته يحضن الملمات ويتدثر بحكايات البرد وانحسار المطر.
أشق روحي التي تموت نحيباً فوق بيارق سقطت في بئر نسيانكم، وعلى سكرات القرابين ، التي قدمت أرواحها عربونا للياسمين ، وتدفقت حماساً دون يأس وتقدمت من أبراج المدينة العتيقة، ترشق وجوهكم بماء الزهر وتصرخ بنوافذكم المغلقة كي ترتعش قليلا أسلاكها، وتنفتح فيها كوة يشتعل فيها شمعدان حرية ….
بركانا …أصير..وأكواما من الأجساد المخمورة تصيرون…
من لي بسيل جارف يمتليء بكحول تحرق الجيف المتعفن بينكم؟.
من لي بصوت يعلن الموعد لقهر الخوف فيكم؟
من لي بقاضٍ……يبشر بالحق ويعلنه…يحسن القول ولا يخشى بطش الجناة في النظام الشمولي.
من لي بصادق في عصر الكذب واستمراره …يصرخ منتفضاً ويعلن لمن يتهم أولئك القابعين ظلماً في سجون الوطن( بالعدوان على سوريا والتطاول عليها).!!..
إنهم جلد سوريا…إنهم رائحة الياسمين المقتولة فيها، إنهم المرضى بحبها، إنهم زعفران وجدانها إنهم أبناء سوريا… وتفخر بهم سوريا…وشعب سوريا…
أقول من غربتي لمن ينعتهم بالخروج من حضن سوريا، أو الاستنكار لأمومة سوريا:ــ
أن صاعقة الليل ستخترق بنيازيكها ثقوب الصدأ في هذيان الحُجَج المُقاوِمة على جبهات العجز وفضائح الجريمة وخسائر الحروب المفتعلة لاصطياد الدهشة في حلوق العوام .
لأن الضمائر الآثمة لا تعرف النوم، والسيوف النائمة في غمدها لا تعرف القتال إلا في شوارع اللحم الطري ، ولا ترتجف ذقونكم غضباً ، إلا حين تبلغ خطاياكم حدود الخلايا في أقفاص صدور لا تلهج إلا بحب سورية.