حسن عبد العظيم: انسحاب الإخوان من جبهة الخلاص تصحيح لخطأ سابق ومبرراتهم قريبة للمنطق
أثار انسحاب جماعة الإخوان المسلمين السوريين من جبهة الخلاص الوطني المعارضة العديد من التساؤلات حول الأسباب والخلفيات التي تقف وراء هذه الخطوة، كما أعاد إلى الواجهة الحديث عن مستقبل المعارضة السورية في الداخل والخارج في ظل الانشقاقات المتكررة بين صفوفها، ولا سيما بعد انسحاب عدد من الأحزاب والشخصيات من تجمع إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي أواخر العام 2007.
فما هي أبعاد وخلفيات هذا الانسحاب بالنظر إلى التغييرات التي جرت في الفترة الماضية على المستوى الدولي والإقليمي وما ترتب عليها من انفتاح على سوريا؟ وما هو موقف المعارضين في الداخل من هذه الخطوة؟ وماذا عن مستقبل المعارضة السورية في ظل هذه الانشقاقات؟. وهل يمكن القول إن المعارضة السورية قد فشلت في تقديم مشروع بديل عن مشروع السلطة حتى الآن على الأقل؟.
يرى أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي المعارض حسن عبد العظيم في حديث ل”الراية” أن خطوة انسحاب الجماعة من جبهة الخلاص تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح.
ويقول: من حيث المبدأ نحن نحترم حرية أي حزب أو حركة أو قوة سياسية أو جماعة في اتخاذ القرارات والمواقف سواء أعجبتنا أم لم تعجبنا.. أما من حيث الواقع فإن انسحاب جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من جبهة الخلاص جاء تصحيحاً لخطأ سابق تمثل بمشاركتهم في تأسيس جبهة الخلاص بالخارج على الرغم من انضمامهم إلى ائتلاف إعلان دمشق بدون أي تنسيق أو تشاور مع اللجنة المؤقتة للإعلان باعتبارها الممثلة للائتلاف في تلك المرحلة. مشيراً إلى أن الإعلان عن تشكيل جبهة الخلاص ومشاركة الإخوان في مؤتمرها التأسيسي شكل مفاجأة لحزب الاتحاد الاشتراكي ولإعلان دمشق حينذاك.
مبررات قريبة للمنطق
ويضيف عبد العظيم: من هذه الرؤية كان موقفنا في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ناقداً لانضمام الإخوان الى جبهة الخلاص عند تأسيسها، واعتبرنا أنهم لم يعودوا طرفاً في إعلان دمشق، وقد عبرت عن هذا الموقف في العديد من الأحاديث الصحفية والتصريحات السابقة في عامي 2006 و2007.
وحول بيان الإخوان بشأن الانسحاب، وما تردد حول وساطات جرت بينهم وبين النظام السوري وساهمت في ذلك الانسحاب يقول أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي إن بيان الجماعة حول الانسحاب والتصريحات والأحاديث التلفزيونية التي أدلى بها كل من السيدين علي صدر الدين البيانوني وزهير سالم حول أسباب الانسحاب ومبرراته قريبة من المنطق، وذلك نظراً لوجود خلافات حقيقية بين أطراف جبهة الخلاص في الموقف من الحرب العدوانية على قطاع غزة، مشيراً إلى أن هذه الحرب كانت تستهدف في الواقع القضاء على كوادر المقاومة في القطاع بما فيها كوادر حماس، وعلى فكرة المقاومة ونهجها.
ويرى عبد العظيم أن انقساماً ما قد حصل بين أطراف جبهة الخلاص حول الموقف من هذه الحرب العدوانية وأهدافها، لا سيما وأن الإخوان السوريين متعاطفون مع حركة حماس باعتبارها امتداداً لحركة الإخوان المسلمين في الساحة الفلسطينية، في حين أن أطرافاً أخرى في جبهة الخلاص ومنها السيد عبد الحليم خدام ومن يقف في صفه كانت مواقفهم مغايرة لموقف الجماعة من العدوان على غزة.
غير أن ذلك -بحسب عبد العظيم- لم يكن السبب الوحيد للانسحاب، لكنه كان السبب المباشر (كالقشة التي قصمت ظهر البعير) بعد تراكم أسباب أخرى.
توحيد الصفوف!
وحول مستقبل المعارضة السورية بالنظر إلى هذا الانشقاق في جبهة الخلاص والانشقاقات السابقة داخل صفوفها بما في ذلك ائتلاف (إعلان دمشق) يقول عبد العظيم إن الانشقاق في جبهة الخلاص لم يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين بل تبعه انشقاق أطراف كردية أعلنت بدورها خروجها من الجبهة، كما أن ثمة عناصر وأطرافا أخرى أعلنت خروجها من قبل مما يجعل جبهة الخلاص في موقف صعب ان لم تكن على شفير الانهيار.
لكن عبد العظيم لا يرى أن ما جرى في (إعلان دمشق) بعد انعقاد جلسة المجلس الوطني في 1-12-2007 يمثل حالة انشقاق، وذلك لأن بعض القوى الأساسية كحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي وبعض الفعاليات والشخصيات المهمة مثل هيثم مناع وناصر الغزالي وماجد حبو لم تقرر الانسحاب من هذا الائتلاف أو الانشقاق عنه، وإنما قررت تجميد نشاطها فيه. مشيراً إلى أن هذه الأحزاب والشخصيات تركت الباب مفتوحاً للحوار حول رؤية نظرية فكرية وسياسية مشتركة وحول تعديلات في اللائحة التنظيمية. معتبراً أن الإعلان تعرض إلى مرحلة تعثر وجمود قابلة للمراجعة والتقويم ولم يتعرض الى انشقاقات فعلية تؤدي به الى التفكك.
ويضيف أن ثمة جديّة في متابعة الحوار والوصول إلى آفاق التوافق والنجاح لتوحيد صفوف قوى المعارضة وفعالياتها وتعزيز جهودها حول هدف التغيير الديمقراطي السلمي الذي يفتح الطريق لبناء نظام وطني ديمقراطي يرتكز إلى التعددية السياسية والنهج الديمقراطي وسيادة القانون واستقلال القضاء واحترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وإنهاء الملفات المعلقة من آثار أزمة الثمانينيات في القرن الماضي وظلالها السلبية على حاضر سوريا ومستقبلها.
وعن طروحات البعض بأن المعارضة السورية فشلت في تقديم مشروع بديل عن مشروع السلطة يرى عبد العظيم أن المعارضة تعثرت إلى حين بسبب الخلافات بين الأطراف وغياب آلية التوافق في الرؤية السياسية وآليات العمل التنظيمي إلا أنها لم تفشل ومازالت قواها وفعالياتها كثيرة وإطارها عريض، وما زال إصرارها على هدف التغيير الوطني الديمقراطي بالوسائل السلمية متواصلاً ومستمراً.
خطوة متوقعة
وفي حديث مماثل ل “الراية” حول هذا الموضوع يعتبر د. حازم نهار الكاتب السوري والقيادي قي التجمع الوطني الديمقراطي وحزب العمال الثوري أن هذا الانسحاب كان متوقعاً لأن نشوء الجبهة كان وليد لحظة سياسية خاصة من جهة، ولأنه جمع أطرافاً مختلفة في أهدافها البعيدة من جهة ثانية. ويضيف أن أية اصطفافات في القوى السياسية المعارضة ستظل مؤقتة طالما لم تحدث مبادرة من السلطة نحو الداخل، لأن هذه الاصطفافات لا تأخذ طابعاً سياسياً حقيقياً، ولأنها تجري بمعزل عن حركة الناس ودورهم. مشيراً إلى أن ذلك جعل حركة المعارضة في بناء التحالفات والتنسيقات خلال السنوات الثماني المنصرمة مجانية في معظمها.
وحول موقفك حزب العمال الثوري المنضوي ضمن ائتلاف إعلان دمشق من هذه الخطوة يقول نهار إن حزبنا في مثل هذه القضايا لا يصدر في العادة أي رأي خاص أو منفرد، بل يقدم رأيه داخل هيئات إعلان دمشق والتجمع الوطني الديمقراطي، ويلتزم الحزب بالرأي الناجم عن الحوار. مستبعداً أن يصدر إعلان دمشق رأياً أو موقفاً بهذا الخصوص، فهو لم يصدر أي موقف عند ذهاب الإخوان المسلمين نحو جبهة الخلاص على الرغم من أن قوى الإعلان في الداخل تحملت النتائج السلبية لهذا الموقف المنفرد.
رؤى سطحية متسرعة
ويرى نهار أن المعارضة عموماً أنهكت نفسها في قضايا غير مرتبطة مباشرة بالقضية المركزية لها، أي مسألة الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي. ويشير إلى أن القضايا الأخرى أساسية ولا شك، لكن لا يمكن مقاربتها أو إبداء مواقف متوازنة وعقلانية فيها دون أن يعود البشر إلى ساحة الفعل السياسي ودون وجود حد أدنى من الحريات السياسية.
ويضيف ان الجميع اصطف أو تخندق، دون حوار حقيقي وبرؤى سطحية متسرعة، في مواقع مطلقة وفي ثنائيات غير منتجة، خاصة أن جميع مواقفنا، الخاطئة والصائبة، قد نمت في ظل بيئة غير صحية. جميع المواقف ولجميع القوى لا يعتد بها طالما لم تتبلور في بيئة سياسية صحية، داعياً المعارضة السورية إلى تركيز جهودها على بناء وطن معافى يسمح بتعدد الآراء على أرضية القاسم المشترك، أي الوطن.
وحول ما يقال عن وساطات جرت بين الإخوان والنظام وساهمت في ذلك الانسحاب، يرى نهار أن كل شيء ممكن في عالم السياسة، لكن لا نستطيع أن نجزم بحدوث ذلك. ويضيف: انني شخصياً أتمنى حدوث ذلك، فأي حالة مصالحة، ومن أي مستوى هي في مصلحة سوريا وجميع القوى السياسية، لكن شريطة أن تتم على أسس واضحة وتأخذ بعين الاعتبار مسألة الإصلاح السياسي وطي الملفات التي مازالت مفتوحة.
ماذا بعد؟
وحول مستقبل المعارضة السورية بعد الانشقاقات التي طالت صفوفها يقول نهار إن مستقبلها رهن بأمرين أساسيين، الأول: انفتاح المعارضة على نفسها، وقبولها بتجديد خطابها وشخوصها، والثاني: انفتاح السلطة على المجتمع ومبادرتها بإطلاق مسيرة متكاملة من التغيير، وفيما عدا ذلك ستكون الانشقاقات والتحالفات في إطار الدوران في المكان لا تقدّم ولا تؤخر.
وحول ما يقال عن فشل المعارضة السورية في تقديم مشروع بديل عن مشروع السلطة يجيب القيادي في حزب العمال الثوري قائلاً: بالأصل واهم من توقع أن المعارضة السورية بإمكانها أن تكون بديلاً للسلطة القائمة. مشيراً إلى أن الخطاب الرسمي للمعارضة ذاتها لم يذهب حتى في هذا الاتجاه، وأقصد بالطبع المعارضة ذات الجذور القديمة، وليس تلك التي برزت لأسباب مختلفة بدءاً من العام 2000.
لكن نهار لا يؤيد القول بأن السلطة القائمة أدارت أو قادرة على إدارة الدولة والمجتمع بالشكل الذي يتمناه السوريون أو حتى بحسب الخطاب المعلن للسلطة ذاتها، خاصة لجهة “التطوير والتحديث” ومحاربة الفساد، لأن الإدارة الناجحة هي التي تكون حصيلة تفاعل الآراء المختلفة أو نتيجة التنافس السلمي للقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الراية القطرية