عن تقرير استشراف سوريا 2025
ابراهيم حميدي
توصل خبراء سوريون الى ان بلادهم ستواجه «تحديات مصيرية تنموية» ناجمة من زيادة سنوية كبيرة مطردة في عدد السكان لدى بلوغ عددهم نحو 30 مليوناً في العام 2025 في مقابل شح وانحدار في الموارد الطبيعية نحو الندرة مع تعرضها لسوء إدارة ما يمكن ان يعرض «الأمن الغذائي والأرضي والمائي والبيئي والطاقوي» الى الخطر.
وأظهرت دراسة أعدها خبراء ضمن مشروع «رؤية استشرافية لمسارات التنمية في سورية 2025» ان عدد سكان سورية سيرتفع من نحو 18 مليوناً حالياً الى ما بين 28 و30 مليوناً وان تشكل القوة البشرية ما بين 63 و66 في المئة من إجمالي عدد السكان مقابل انخفاض نسبة من هم مادون 15 سنة من 39.4 في المئة الى 32.8 في المئة خلال الفترة ذاتها. في حين، سيرتفع معدل نمو فئة المسنين خلال الفترة المقبلة في الفرضين المنخفض والمرتفع بين 4 و4.25 في المئة، ما يعني تضاعف عدد المسنين خلال العشرين سنة المقبلة إلى أكثر من 1.2 مليون، وهو ما سيطرح مشكلة كبار السن والرعاية الاجتماعية والشيخوخة النشطة.
دمشق التي تجذب سكان المناطق السورية
وأنجزت تقارير مشروع «سورية 2025» في 2500 صفحة ووصلت بحوثه ودراساته الخلفية إلى حوالي 40 دراسة في مختلف القطاعات والمجالات من النقل إلى البيئة والاستثمار والحوكمة والوضع الجيو-بوليتيكي وحقوق الإنسان والأحزاب والمجتمع المدني والزراعة والشراكات الاقتصادية والسياسات المالية والضريبية والتخطيط الإقليمي ومسارات التطور الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي وقضايا الهجرة والهجرة الخارجية. وشارك فيه 264 باحثاً وخبيراً وطنياً ينتمون إلى مختلف الاتجاهات الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاختصاصات العلمية مثل «المعارضين» محمد نجاتي طيارة وفايز الفواز ومنذر خدام و «الليبرالي الجديد» رياض الأبرش والليبراليين نبيل سكر وعبد القادر حصرية وغسان حبش والخبيرين سمير سعيفان وعبد القادر النيال و «البعثيين» منير الحمش والياس نجمة وحسين القاضي والماركسيين نبيل مرزوق وقدري جميل والمستقلين سمير عيطة ومروان الزبيبي وحسني العظمة.
بدأت فكرة «الرؤية الاستشرافية لسورية» في العام 1998 عبر اقتراح وزير الصناعة الراحل الدكتور عصام الزعيم. وطورت الى توقيع وثيقة رسمية «سورية 2020» بين هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الى أن أعيد إطلاق المشروع تحت اسم «رؤية استشرافية لمسارات التنمية» (سورية 2025) في منتصف العام 2005 ضمن مشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإشراف الباحث السوري جمال باروت الذي تولى مهمتي إدارة المشروع والمؤلف الرئيس لتقاريره الأساسية.
ويقول باروت لـ «الحياة» ان هذا المشروع هو الثالث من نوعه في المنطقة العربية بعد «مصر 2020» و «الأردن 2025» الذي توقف من دون أن ينجز عمله، والرابع على مستوى المنطقة إذا ما أضيف «إسرائيل 2020»، مشيراً الى ان الباحثين عملوا خلال سنتين وثلاثة اشهر في شكل يومي دؤوب على محاور عدة بينها «بناء قدرات التفكير الاستشرافي والمستقبلي من خلال عقد حلقات نقاشية معمقة وخلوات علمية وتقديم بحوث خلفية أساسية وقطاعية تبحث في المجالات كافة». وزاد ان الباحثين عملوا في «أجواء كاملة من الحرية والاستقلالية» وان الباحثين أنجزوا 40 دراسة بحثية خلفية خضعت الى عملية تحكيم مدققة ومعمقة، وخمسة تقارير أساسية عن الاقتصاد والإنتاجية والتقانة والعلم والتحولات السكانية والمجالية، والطاقة والسكان.
وبحسب النتائج التي توصل اليها الباحثون في المحور المتعلق بالسكان، فان سوء التوزيع الجغرافي للسكان سيتسم بـ «التشتت والتركز في آن واحد وبارتفاع الكثافة السكانية في المجال المعمور أو المأهول». وميز الباحثون بين الكثافة السكانية الحسابية البسيطة والكثافة السكانية الفعلية في المناطق المأهولة والمعمورة بالسكان وبنشاطاتهم الاقتصادية المختلفة حيث يستخلصون أن سورية تنتمي واقعياً إلى دول العالم مرتفعة الكثافة السكانية، وأن هذه الكثافة تعادل ثلاثة أضعاف الكثافة السكانية الحسابية.
وفي مقارنة مع الكثافة الفعلية بالصين التي يضرب المثل تقليدياً ببليونية عدد سكانها، يلفت الخبراء الانتباه إلى أن الكثافة الفعلية في الأجزاء المأهولة من سورية هي أعلى مما هي في الصين. فهي تبلغ في سورية 269 نسمة في الكيلومتر مربع، بينما لا تتجاوز في الصين 230 شخصاً. ويرى الخبراء ان الكثافة الحسابية سترتفع في سورية من 98 الى 155 شخصاً في الكيلومتر مربع والكثافة السكانية المجالية المعمورة سترتفع وسطياً من 273 الى 410 بين عامي 2005 و2025، ما يفرض ضغوطاً غير مسبوقة على مورد الأرض في حال استمرار اختلالات التوزع الجغرافي السكاني الراهن عليه، وارتفاع حدة المنافسة عليه…
وتشكل المناطق المأهولة 33.5 في المئة من المساحة الكلية لسورية، ذلك ان ثلاثة أخماس السوريين يعيشون في مساحة لا تزيد على 13 في المئة من المساحة الإجمالية و39 من المساحة الفعلية. ويشكل سكان دمشق وريفها وحلب 44 في المئة من عدد السكان الإجمالي.
وتبلغ مساحة سورية 185180 كليومتراً مربعاً. لكن الجزء القابل للاستخدام لم يتجاوز قبل سنتين 33.6 في المئة، وانه لن يتزيد وفق نمط التوسع الأفقي بغض النظر عن أي نوع من المقيدات 35.8 في المئة في الربع الأول من القرن الحالي، ما يرفع الكثافة الفعلية الى 273 شخصاً في الكيلومتر مربع. ماذا يعني هذا؟ ان 35.828.6 في المئة من السوريين سيعيشون على 35.8 في المئة من الأرض. ويتطلب ذلك وفق خبراء المشروع التحول من «الاستثمار الأفقي التوسعي إلى المكثف العقلاني والرشيد لواحدة الأرض في كافة مواردها والتفكير التنموي الجديد باستثمارها».
وجاء في الدراسة ان معدل النمو السكاني شهد تراجعاً ملحوظاً منذ منتصف القرن العشرين والى العام 2005. إذ انخفض من 3.3 في المئة بين 1970 و1981 الى 2.4 بين 1995 و2004. ويتوقع ان ينحدر المعدل الى 1.94 في المئة في العام 2025.
وباعتبار ان عدد سكان سورية كان 18.23 مليون في العام 2004، فان «مشهد استمرار الاتجاهات» يعني ان عدد سكان البلاد سيتراوح في العام 2025 بين 27.8 مليون بحسب الفرض المنخفض لزيادة عدد السكان و30 مليوناً بحسب الفرض المرتفع. أي، ان حجم سكان سورية سيزيد في العام 2025 بحوالي 57 في المئة عما كان عليه في العام 2005، وأن الزيادة السنوية بأعداد السكان متصاعدة بما لا يقل عن نصف مليون نسمة سنوياً وفي شكل تصاعدي حتى العام 2025
عليه، سيكون واضحاً حجم الزيادة في داخل القوة البشرية خلال العقدين المقبلين، بحيث سترتفع من 57.3 في المئة من العام 2005 الى 63 في المئة وفق الفرض المرتفع والى 66 في المئة وفق الفرض المنخفض، خلال فترة الاستشراف. أي، ان الزيادة السنوية في القوة البشرية (من هم في سن العمل) تتراوح بين 370 الى 400 ألف. ويضاف إلى الأفواج الجديدة المنخرطة في سن العمل العاطلون الأصليون الذين تبلغ نسبتهم نحو ثمانية في المئة، وفق الأرقام الرسمية مع أن تقديرات أخرى تشير إلى أن نسبتهم أكثر من ذلك بكثير لتصل الى 20 في المئة.
وسيكون «المشهد المائي متشائماً»، بحسب الباحثين، ذلك ان التوقعات تشير الى ان سورية ستواجه سيناريو العجز العام والندرة المطلقة، حيث ستتناقص حصة الفرد من إجمالي الموارد المتاحة 689 متراً مكعباً في العام 2005 الى 523.7 متر مكعب في العام 2025 عندما يكون عدد السكان 28.650 مليون. كما ان نسبة الهدر في الري ستزيد على 55 في المئة. وسيشتد ذلك في شكل كارثي في حوضي بردى والأعوج، مصدري المياه في دمشق وما حولها.
ومن التحديات المتوقع ان تواجهها سورية في السنوات المقبلة «تحدي الأمن الطاقوي ونهاية الحقبة النفطية واستمرار النمو المرتفع» إذ أن عائدات النفط شكلت 18 في المئة من الناتج المحلي و45 في المئة من عائدات التصدير في العام 2005، غير ان التوقعات تشير الى ان إنتاج النفط سينخفض من 400 ألف برميل في العام 2006 الى 320 ألفاً في العام 2010 ليتابع الانخفاض وصولاً الى 277 ألف برميل في 2015. وقال الباحثون: «بحسب المشهد المعتدل، سيتقاطع الاستهلاك مع الإنتاج بين عامي 2011 و2012 ليشكلا نقطة التعادل وتصبح بعدها سورية بلداً مستورداً صافياً للنفط ومشتقاته».
وبحسب الدراسات فإن إجمالي احتياطي النفط يبلغ 23.9 بليون برميل منه 6.8 بليون برميل قابل للإنتاج، ذلك انه تم الى العام 2006 إنتاج 3.8 بليون برميل ما يعني ان المتبقي يشكل 40 في المئة. كما يقدر احتياطي الغاز بنحو 680 بليون متر مكعب منه 396 بليوناً قابل للإنتاج. وزاد إنتاج سورية من الغاز من مليوني في العام 1995 الى 14.2 مليون متر مكعب في اليوم في الوقت الراهن. ويتوقع ان يرتفع الإنتاج الى 32 بليوناً في السنوات العشر المقبلة.
وانفرد التقرير بوضع مخططات لـ «عشوائيات المدن» في المحافظات السورية الـ14 التي جرى عليها تثقيل انتشار العشوائيات مما يقدم مادة مرجعية في التخطيط العمراني الإقليمي.
ويقول باروت: «للمرة الأولى يتم باستفاضة تحليل وتشخيص عدد المدن المتروبولينية المليونية في سورية وتغيراتها المورفولوجية والسكانية والاجتماعية حتى العام 2025، حيث يتوقع التقرير تشكل مدينتين متروبوليتين مليونيتين عملاقتين في دمشق وحلب الكبريين. اذ سيتضاعف عدد سكان دمشق وضواحيها مرة ونصف المرة ليصل الى 5.7 مليون. كما ان 30 في المئة من السوريين يعيشون حالياً في حلب (شمال البلاد) وما حولها، ويتوقع ان يزيدوا بنسبة 60 في المئة ليصبح سكان الإقليم الشمالي ما بين 8.9 و9.1 مليون. أي، ان حصة هذا الإقليم من الزيادة السكانية ستكون 3.5 مليون بينهم 2.5 مليون في حلب.
ويتوقع أيضاً أن يزيد عدد المدن المئوية (فوق 100 ألف نسمة) من 15 مدينة في العام 2005 إلى 23 مدينة في العام 2025 وأن يزداد حجم المدن الصغيرة (تزيد على 50 ألفاً وتقل عن 100 ألف) من 14 مدينة في العام 2005 إلى 23 مدينة في العام 2025». ماذا يعني ذلك على مستوى فرضيات التقرير المستقبلية؟ يوضح باروت: «قيام عملية التنمية البشرية المستدامة بكافة أبعادها بمزيج من بؤر النمو والتنمية في الأقاليم وكوريدورات التنمية في آن واحد في ضوء نظريات المدن والتنمية الحديثة، وبما يحرر المدن السورية الراهنة من سمات المدن المترهلة ومركزية العامل المؤسسي في ذلك».
ويستفيض الخبراء في تحليل مورد الأرض وأثر ذلك في دخول المجتمع الفلاحي السوري في مرحلة تحوله الثالثة التي تتسم بانتشار نمط الحيازة المتناهية في الصغر بعد مرحلة الملكيات الكبيرة ومرحلة الإصلاح الزراعي. ويحللون تأثير العلاقات الرأسمالية المتنامية عليه. ويستنتجون أن التقدم الصافي في استصلاح الأرض هو أدنى من التقدم الإجمالي بسبب التلوث بدرجة أساسية ما يجعل مساحات كبيرة من الأرض تخرج من الاستثمار، ويجعل ما لا يقل عن 50 في المئة من أراضي سورية مهددة بخطر التصحر.
منشأة نفطية في بانياس
ويعتقد الباحثون ان كل ذلك سيشكل ضغوطاً غير مسبوقة على الموارد، ذلك أن سورية «ودعت مرحلة وفرة الموارد وتحولت إلى دولة تتسم بندرة الموارد التي تعاني فوق ذلك من تآكلها وسوء استخدامها ومن ضعف إدارتها». ماذا يعني ذلك خلال العقدين المقبلين؟ يقول الخبراء: «على فرض استثمار كامل مورد الأرض المتبقي القابل للزراعة وللاستخدامات الاقتصادية والبشرية المختلفة ضمن تقانات الاستثمار الأفقية الراهنة فإن مساحة الأرض لن تزيد حتى مع فرض التحييد المطلق للمقيدات من أي نوع كان عن 35.8 في المئة من مساحة البلاد». لذلك، فانهم يدعون الى «التحول من منهج الاستثمار الأفقي للأرض إلى الاستثمار المكثف لها وتطوير إنتاجية وحدة المساحة واستثمار ما تحت الأرض وسطحه وفوقه في استخدام ثلاثي مضبوط بيئياً للتغلب على محدودية هذا المورد، وإلى التفكير بالأرض غير المعمورة وغير المستصلحة ولا سيما البادية بمصطلحات ومفاهيم تنموية جديدة».