صفحات من مدونات سورية

خبز الفداء / خارج النص /

بالأمس اجتمعت الفصول الأربعة لتعلن فصلاً خامساً إلى الوجود ، تعانق الشمس و المطر و التراب في لحظة عشق أبدي بعد أن تعاقب كل منهم ليضفي على الطبيعة سحره و جماله ، ليجتمعوا أخيراً في سيمفونية للحياة المسرعة نحو الإنعتاق .
نزل المطر بالأمس و كانت الشمس مشرقة في ذات اللحظة و لون قوس قزح المروج و الجبال بلون الأمل ، تدفقت الينابيع عذبة و هنية ، لأن الله يحبكم ( زي ما بيحبنا ) : قالت صديقتي التي تسكن الجنة ، شردت قليلاً : و متى سنحبه نحن ؟
مشهد الأمس لا يضاهيه في نقائه و صفائه إلا مشهدية الفداء في القصة التي تحمل عنوان هذه التدوينة ، نسيت التفاصيل الآن وحده اسم سعاد ظل يسكن الذاكرة و رغيف الخبز المعطر بالدم … نعم ، كأس الشاي الذي أعطاه الدفء ذات ليلة و قميصها الذي تبرعت به … و أنه عانق التراب بعد أن سقط مغشياً عليه .
أحياناً الاختصار يقتل الذاكرة … و نحن ما أبرعنا في الاختزال ذكرياتنا آمالنا و أحلامنا … و حتى عمرنا لو استطعنا اختزاله بكلمة نموت لما قصرنا ، إنه الوجع عندما يمارس علينا حقده المشبوه لنجد أننا مازلنا حيث نحن و لم نتحرك خطوة .
بحر طرطوس اليوم ما زال جميلاً و لكن في الغد عندما يسكنه التجار و الغيلان و الحيتان و بعد أن يجعلوه منتجعاً لعلية القوم ، وحدنا البسطاء و الفقراء لن نرى البحر و سننسى أن لطرطوس  بحراً كنا نقف على شاطئه ذات يوم .
كل البحار تموت هذه الأيام و يسكنها الباطون و الأسمنت ، وحده بحر غزة صار بحرين ، بحر من الماء مازال للبسطاء لهم منه نصيب ، و بحر من الشهداء مازال هائجاً ترفده اليد الهمجية بأزكى أنواع الدماء … دم الطفولة المضمخة بزهر الأمل الذي لن يذبل مهما عربد الذئب و رقص فوق أجسادنا و أشلائنا و بقايانا التي تملأ شوارع غزة أو تحت أنقاض بناياتنا المهدمة … وحده حلمها أعطاني الأمل : لقد صارت ترى البحر بعدما انزاحت تلك البنايات !
يا الله ! صارت ترى البحر … إنه حلمها أن تسير على رمال غزة … كم من الملايين يشاركها حلمها هذا ، إنه حلمها هي و حدها و أنتم ما عليكم سوى أن تنتظروا ، فما زلتم لم تتقنوا كيف تعيشون أحلامكم لتصبح أحلاماً حتى !

http://nawarshash.com/?p=471#utm_source=feed&utm_medium=feed&utm_campaign=fee

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى