عقبات أمام السلام السوري ـ الإسرائيلي
حسام عيتاني
لا تنفي أهمية تحقيق السلام بين إسرائيل وسوريا بالنسبة الى لبنان، حقيقة ان السلام هذا، قادر قبل التوصل اليه وأثناء المفاوضات في شأنه وحتى بعد إبرام المعاهدات المنظمة له، على تحميل لبنان اعباء شديدة الوطأة.
يرجع ذلك الى اسباب تتعلق بطبيعة النظامين السياسيين القائمين في الدولتين ذواتي الصلة المباشرة بالسلام، سوريا وإسرائيل، وبالوضع اللبناني المعقد.
من الابسط الى الاصعب: بدأت الاتصالات السورية الاسرائيلية تتعرض الى حملات من المزايدة والتشكيك من قبل اليمين الاسرائيلي ممثلا بتكتل الليكود الطامح الى العودة الى رئاسة الحكومة. وصحة بيان رئاسة الوزراء الاسرائيلية عن ان زعيم الليكود بنيامين نتنياهو قد عرض التخلي عن الجولان عندما كان في منصب رئيس الوزراء، لا تلغي ان مسألة السلام مع سوريا ستشكل مادة دسمة في بازار السياسة الاسرائيلية الداخلية. مع ذلك، يبقى الموقف الاسرائيلي من السلام مع سوريا، قابلا للسيطرة اذا اقتنع الاسرائيليون بأن اعادة الجولان تظل ثمنا لا يقارن بأهمية تفكيك التحالف السوري ـ الايراني، والحركات الدائرة في فلكه.
بالنسبة الى العديد من الجهات اللبنانية، سيكون السلام بين دمشق والقدس، بمثابة تحد فريد في بابه، إذ انه يتقدم من دون ان تُسوى علاقات الجماعات اللبنانية بعضها ببعض ما يشكل انتصارا لفئة على أخرى، خصوصا اعادة صياغة شكل الحكم بحيث يضمن «المشاركة» الشهيرة، هذا من جهة، ويأتي قبل ان تتبلور وظيفة جديدة لسلاح المقاومة ليصبح سلاحا موضوعا في خدمة مشروع دولة متفق عليها، وليس لطمأنة طائفة او فئة حيال مستقبلها السياسي والامني.
عليه، سيكون السير صوب السلام السوري ـ الاسرائيلي تجربة قاسية لكل طروحات الممانعة والمقاومة التي يتعين على اربابها البحث عن مقولات جديدة تبرر ادوارها وادوارهم. وليس مفاجئا ان ينبري بعض اللبنانيين اليوم الى حض سوريا على عدم توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية، لاسباب قد تكون صادرة عن حسن نية، الا انها تخفي سذاجة سياسية لافتة.
أما في ما يتعلق بسوريا، فليس سرا ان سلاما مع اسرائيل يعتبر ثمنا كبيرا يدفعه الحكم هناك من رصيد كل الخطاب والممارسة والايديولوجية التي يقوم عليها منذ اكثر من اربعين عاما، قبل الحركة التصحيحية وبعدها. لذا، من المفهوم ان يطلب مقابلا مجزيا، لا يمكن لهضبة الجولان الا ان تعتبر جزءا يسيرا منه.
ومن دون الدخول الى تفاصيل الحساسيات السورية الداخلية، يستحيل فهم ماذا يعني انهاء الصراع مع اسرائيل بالضبط. ان رفعا لذريعة الحرب مع اسرائيل قد يكون من الخطورة والجسامة بحيث يفوق ما يمكن ان يتصور لناحية طرح كل بنية الدولة في سوريا على المحك، ما يعيد الى الاذهان الاجواء التي سادت دمشق (وحلب) قبل قيام الوحدة مع مصر في العام .1958
لقد كان اتفاق كامب ديفيد سهلا الى حد ما بالنسبة الى مصر ذات البنية الدولتية الراسخة والتي استطاعت استكشاف فوائد ممكنة للسلام بسبب احتلالها موقع الدولة العربية الاولى التي توقع معاهدة مع اسرائيل، ولو ان الفوائد المذكورة ذهب اكثرها الى شرائح طفيلية. المسألة شديدة الاختلاف في سوريا.
بهذا المعنى، يجوز الحديث عن الصعوبة الكبيرة لابرام اتفاق سلام اسرائيلي ـ سوري من جهة، والمعاني البالغة الاهمية التي يكتسبها الاتفاق هذا من الجهة المقابلة، بحيث لن يكون من الافراط القول ان اتفاقا كهذا سيرقى في اهميته الى مصاف رسم خريطة جيوسياسية جديدة للمشرق العربي.
يبرز هنا السؤال عن قدرة البنى السياسية في سوريا، وبدرجة اقل في لبنان، على تحمل تغيير من هذا المستوى من دون التعرض لاهتزازات داخلية قاسية، يسببها خوف الاقليات او ضغط الاكثريات او الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يفرضه السلام بحيث يهدد منظومات من المصالح والتقاليد والعلاقات، التي تمتلك اساليب لا شك في نجاعتها وفي عنفها، في الرد على التحديات. لا يغيب عن البال هنا حديث «إزالة اسرائيل» والانتصارات والمفاجآت وكل ما يصب في الباب هذا.
لم يصبح السلام السوري ـ الاسرائيلي في مرمى النظر. والارجح ان مراجعة تكاليفه، من حيث هو تحد لانماط في ممارسة السلطة وفي ادارة حياة المجتمعات المعنية وفي تبرير بقاء الانظمة الرسمية وغير الرسمية الراهنة، يشجع الجهات المعنية بالتفاوض على ارجائه في المرحلة الحالية على الاقل، والانصراف الى الاعداد لخيارات اخرى قد تنتهي بإنجاز ما ينتـــظر ان ينجزه السلام، لكن بعد دمار عظيم.
السفير