بعد السلام القادم مع إسرائيل.. ماذا سيفعل النظام السوري ؟
داود البصري
يبدو ان لحظات الحقيقة قد اقتربت بعد انهيار سوق الشعارات الحماسية والترويجية التي لم تؤد في المحصلة سوى للافلاس التام ولضياع الارض والعرض والكرامة , فشعارات نظام البعث السوري التهريجية لم تستطع ان تقدم سوى الفشل التاريخي والافلاس
الفكري والسياسي , ويبدو ان تلاشي السكرة الثورية السابقة وتبلور الفكرة الواقعية ستطرح اشكاليات منهجية وسياسية عويصة ستضع نظام البعث السوري بصيغته الوراثية المعدلة والمنقحة على المحك وستبين الفرق الملموس بين سوق الشعارات وسوق الواقع السياسي , وازمة النظام السوري المركزية تتمثل في ان هذا النظام لا يعرف اولم يتعلم التعايش مع السلام ومفرداته المفروضة بقوة القوانين الدولية والتي تعني اول ما تعني تطبيع كامل للعلاقات مع اسرائيل وتبادل التمثيل الديبلوماسي بل والاتفاق على برامج عمل مشتركة لا بد منها وهو امر سيطيح بما تبقى من شعارات جامدة وخشبية لملفات صراع لم يحسن النظام السوري ادارة ملفاته وادواته واوراقه جيدا , فنظام دمشق تعلم ان يعيش على ايقاعات الازمات وان يتعيش على فضلاتها وان يمارس دجله السياسي من خلالها , ولعل حكاية جبهة الصمود والتصدي التي انبثقت منذ زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات للقدس في نوفمبر 1977 تعطي دليلا على مدى افلاس النظام السوري , فوقتها بعد ان اعلن الرئيس السادات مبادرته التاريخية التي كانت ضربة تاريخية وستراتيجية لم يحسن العرب استغلالها بشكل جيد وواقعي بل انساقوا خلف الشعارات الميتة وخلف بلطجة الانظمة الثورية والارهابية العربية بعد ان اجتمعوا في قمة بغداد عام 1978 واصدروا قرارات انسجمت بالكامل مع ابتزاز الانظمة الارهابية وعزلوا مصر السادات وتخلفوا بشكل مفجع عن انتهاز الفرصة التاريخية لحقن الدماء وتوفير الاموال واختصار تاريخ المعاناة, وقتها تاسس ما عرف بجبهة الصمود والتصدي التي ضمت سورية والعراق وليبيا ومنظمة التحرير والجزائر, وكانت جبهة ميتة منذ الولادة نظرا لطبيعة العناصر والاطراف المكونة لها وهي اطراف متنافرة يعادي بعضها بعضا لا تمتلك ستراتيجية ولا ديبلوماسية ولا توجها ايديولوجيا واضحا بل تمتلك انظمة حديدية كانت تعيش على الشعارات وتتمون من الازمات وتمارس سياسة تكسيح وارهاب داخلي لقوة الشعب الحرة, كما ان تناقضاتها الداخلية كانت مريعة فلم تصمد تلك الجبهة طويلا بل انهارت مع انهيار الميثاق الوحدوي بين نظامي البعث السوري والعراقي في صيف 1979 الدموي ليبقى الصمود والتصدي عنوانا للفشل التاريخي والابدي في مرحلة ملتهبة جرت خلالها مياه عديدة تحت كل الجسور , وانتجت واقعا اقليميا جديدا تميز بسيادة حروب اقليمية جديدة كانت اهمها الحرب العراقية ¯ الايرانية الطويلة 1980/1988 والتي هشمت ما عرف حينه بالجبهة الشرقية ودول الصمود التي كان بعض اطرافها مثل نظامي دمشق وطرابلس الغرب يقفان بشكل واضح بجانب ايران ضد حليفهم السابق النظام العراقي ? وتخللت تلك الفترة عملية احتلال اسرائيل للعاصمة اللبنانية بيروت وخروج منظمة التحرير من لبنان للشتات في خريف 1982 ولم تستطع القوات السورية المحتلة للبنان وقتذاك من فعل اي شيء سوى التفرج على الماساة والتشبث بشعارات الصمود والتصدي الفارغة بعد ان ثبت ان التصدي الوحيد الممكن لتلك الانظمة هو التصدي لشعوبها كما فعل النظام السوري ذاته في مجازر حماه وتدمر وغيرها عام 1982.
الوساطة التركية اليوم جعلت من قبول النظام السوري للعرض الاسرائيلي بالانسحاب من الجولان المحتل منذ عام 1967 حين كان مؤسس السلطة الحالية حافظ الاسد وزيرا للدفاع امرا لا مفر منه! لانه ببساطة ليس لدى النظام السوري خيار اخر ابدا, بل ان هذا (الكرم) الاسرائيلي في تقديم هذا الاغراء الثمين في هذا الوقت بالذات يصب في صالح نظام دمشق المتزعزع الاركان, كما يشير لملفات خفية بعضها مرتبط بتصفيات داخلية حدثت في الشام كانت خلالها اصابع النظام السوري واضحة في مشاهدها الكواليسية كما حصل مؤخرا في مقتل عماد مغنية القيادي في حزب الله امام بوابة المخابرات السورية في كفر سوسة, فالقضية واضحة للغاية ولا تتحمل اية مصادفات, والمسالة اليوم هي في كيفية وصيرورة العلاقات السورية ¯ الايرانية في حال التوصل لاتفاق سلام مع اسرائيل وانعكاس ذلك على وضعية حزب الله اللبناني وعلاقاته المتميزة مع النظام السوري والتي منشاها اصلا نابع من الدعم الايراني السخي لنشاطات حزب الله والذي يمر من خلال البوابة السورية وحدها التي استفادت كثيرا من الاموال والمساعدات الايرانية وبما حقق علاقات مصلحية ونفعية عليا للنظام السوري وقد ان الاوان لتلك اللعبة ان تنتهي وفقا لارادة لعبة الامم على ما يبدو, العرض الاسرائيلي بالسلام مقابل الارض هو تحد حقيقي للنظام الذي فشل في الحرب في جميع المواقع.. فهل سيفشل في السلام الذي ستكون نتائجه كارثية عليه في جميع الاحوال?
السياسة\