صفحات العالمما يحدث في لبنان

ميشال سليمان في عزلته: لا كتلة وسطيّة ولا من يتــوسّطون

إبراهيم الأمين
على قاعدة ليس في كل مرة تسلم الجرّة، أكل ميشال المر الضرب وشبع. كان يهدّد قبل أربعة شهور بأنه لن يتحالف مع العماد ميشال عون إلا إذا أعطاه ثلاثة مقاعد في المتن ومقعدين في بعبدا وبيروت ومقعداً في كسروان، ويضمن له مسبقاً بقاء نجله إلياس وزيراً في الحكومة المقبلة بصفة نائب رئيس للحكومة.
لم يكتف المر الأب بهذه المعادلة، بل حملها إلى القصر وحاول إقناع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، منطلقاً من أنه حان الوقت لأن يضرب الرئيس بيده على الطاولة ويضع حداً للفريقين المتنازعين.
وحتى يكون لضربة الكف مفعولها، لا بد أن يكون للرئيس كتلة نيابية قوية. وأخرج المر من أدراجه تقارير واستطلاعات للرأي ودراسات تعود إلى زمن غازي كنعان، وقال لجميع من حوله ولرئيس الجمهورية، إن عون انتهى، وإن الذين صوّتوا له في عام 2005 غادروه بعد أقل من عام، وإن تياره يشهد انقسامات داخلية، وسنصل إلى الانتخابات ولا يكون عون قادراً على تأليف لائحة.
بالطبع، لم يكن ميشال المر وحده من يلعب بعقل الرئيس، بل جاءه الفارّون من جحيم 14 آذار، لا الذين طردوا من جنتها قبل أسابيع، بل الذين يملكون حيثية شعبية ما في جبل لبنان المسيحي، وقالوا إنهم يمثّلون مع المر نواة كتلة نيابية ستجذب المستقلين الذين اضطروا إلى أن يكونوا مع المعارضة أو الموالاة. وخرج المنظّرون من الكتبة والمحلّلين ومحاربي المقاهي يتحدثون عن الحلف الذي سيجهز على العماد عون: الكنيسة وعلى رأسها البطريرك الماروني نصر الله صفير، رئاسة الجمهورية وشخصية العماد سليمان وحضوره الشعبي في جبيل، والجيش الذي لم يعد لعون فيه أي تأثير. واستمر نسج القصص وحياكة البذلات ورسم صورة الاحتفالات، حتى إنه جاء إلى رئيس الجمهورية من يقول له إن جميع القوى في جبهتي المعارضة والموالاة مستعدة لأن تتنازل لك عن مقعد هنا ومقعدين هناك ومقعد في تلك المنطقة، ولن يرفضوا لك طلباً… وعلى الأرجح صدّق الرئيس الأمر، لأن سلوكه في الفترة التي تلت هذا الجنون دلّ على ذلك.
■ انهيار الطموحات
لم يمرّ وقت طويل حتى اندلعت المعركة الانتخابية. فوجئ رئيس الجمهورية بأن المعارضة لا تهتم إلا لقواها. وحده ميشال عون انتظر ميشال سليمان ليسمع منه تصوّره للمعركة الانتخابية في جبل لبنان.
جمّد عون خطواته الخاصة باختيار المرشحين، وخصوصاً في دائرتي جبيل وكسروان، وفتح أبوابه للوسطاء من أصدقاء وحلفاء وشخصيات مستقلة، وقال إنه مستعد لكل شيء، ولو أنه غير مقتنع بفكرة الوسطية، ولكنه أراد تجنّب مواجهة مع رئاسة الجمهورية. لكنّ الرئيس كان يريد مقاسمة الجنرال، وصار الوسطاء يقترحون أفكاراً تقول إن على عون أن يختار أقل من نصف عدد المقاعد وأن يترك للآخرين التحكم في إدارة المعركة، ولم ينتبه هؤلاء إلى أن عون ليس محتاجاً إلى كل هذا.
ثم بدأت تقارير الوضع تصل إلى القصر الجمهوري، وكان البارز: امتناع جميع قوى 14 آذار، من دون استثناء، عن الوقوف على خاطر رئيس الجمهورية في الدوائر التي فيها أرجحية لها، من الشمال إلى الجبل الجنوبي إلى بيروت، وصولاً إلى البقاع وصيدا.
لكنّ فريق 14 آذار هجم طالباً دعم الرئيس له في الأمكنة الصعبة، أو حيث هناك مشكلة لهذا الفريق في إدارة معركة انتخابية كاملة، من بعبدا إلى المتن الشمالي إلى كسروان فجبيل. لكنّ فريق بعبدا المستقل انتهى غارقاً في الحسابات التي أرادها فريق 14 آذار الحزبي، وبدل أن يكون هناك عدد من المستقلين المفترض أن يُحسبوا لاحقاً على حصة الرئيس، لم يبق من هؤلاء سوى مرشح تعود ملكيته أصلاً إلى ميشال المر.
وفي المتن الشمالي تراجعت شروط المر الأب حتى وصلت إلى أن يكون وحيداً في لائحة الإنقاذ، مع تمييزه بقراءة أسماء اللائحة. وصار لزاماً عليه إذاعة أسماء مرشحين كتائبيين وقواتيين ومستقلين كان يمكن أن يكونوا في لائحة عون لو دعاهم الأخير إليها.
حتى نسيب لحود الذي قبل أن يقترب من بعبدا أُبعد دون أن يرفّ لأحد جفن. وفي كسروان، أصاب الإحباط الرئيس وأنصاره من المرشحين الحاليين، المستقلين منهم أو الحزبيين، وغادر نعمة افرام الحفل، بعدما تبيّن له أن الجميع يريد أن يخوض المعركة في وجه عون بالاتكال عليه وحده، وهو الذي يواجه أصلاً مأزق القاعدة الاجتماعية التي يمثّل، والتي لعون فيها الكلمة الفصل. وانتهى الأمر تفاوضاً من النوع غير المنطقي مع منصور البون وفريد هيكل الخازن، دون حسم أمور أخرى تخصّ الكتائب والقوات وعميد المحاربين الجدد كارلوس إده، لينتهي الأمر مع الرئيس سليمان بالعودة إلى جبيل، إلى مسقط رأسه ممثلاً بمستشاره «المجمّد منصبه» ناظم الخوري، ومعه من تيسّر من الذين يمكن أن يمثّلوا ثقلاً انتخابياً ما يوجب التخلّي عن الأسماء الفاقعة، فجرى تحويل فارس سعيد إلى فيروس سعيد، حيث لا يمكن الاقتراب منه أو الاتصال به، أما الحليف الشيعي فهو حتى اللحظة الدكتور محمود عواد العضو الفاعل في تيار المستقبل بجناحه الشيعي الجبيلي.
يجهد الأمين العام لقوى 14 آذار فارس سعيد لتأليف لائحة في جبيل، يكون هو رئيساً لها، وما زالت محاولاته تصطدم بعوائق كثيرة، ويبدو أن اللائحة الرئيسية التي ستواجه لائحة التغيير والإصلاح ستضم كلاً من النواب السابقين: ناظم الخوري، إميل نوفل ومحمود عواد.
وسبق للرئيس سليمان أن اشترط على جان حواط، الذي كان يرغب في الترشح على لائحة عون في جبيل، أن يصرّح بأنه لن يكون جزءاً من تكتّل التغيير والإصلاح إذا كان يريد الترشّح على لائحة عون ونيل بركة الرئاسة الأولى في الوقت نفسه. من جهة أخرى، يرتبط احتمال نجاح سليمان في مسعاه بقدرته على إقناع فارس سعيد بالانسحاب، بينما يرجّح أن يكون الانسحاب خطوة من جانب فرانسوا باسيل، فيما اللائحة الأفضل بالنسبة إلى المقرّبين من الرئيس يفترض أن تضم إميل نوفل وناظم الخوري عن المقعدين
المارونيين.
ولفت الانتباه مشاركة الوزير محمد الصفدي في اللقاءات التي تجري في سبيل تأليف لائحة 14 آذار أو لائحة المستقلين في قضاء جبيل، وهو يستعمل نفوذه لإقناع بعض المرشحين بالانسحاب من طريق مرشحٍ آخر يرتبط معه بصلات قربى عائليّة.
■ سقوط الوسطية
وخلال أقل من شهرين، تكفّل فريق 14 آذار ومعه ميشال المر والآخرون بالإجهاز على مشروع كتلة الرئيس سليمان، ولم يبق منها سوى كلام صفير عن أهمية الكتلة الوسطية، ما اضطر سليمان إلى العودة مجدداً إلى الحديث عن أنه على مسافة واحدة من الجميع، ولكن ليس لديه مانع في تأليف كتلة تساعده في العمل من نواب يحالفهم الحظ لاحقاً.
أما على صعيد الحسابات الفعلية، فإن الرئيس يريد اعتماد تكتيك جديد، يقوم على فرضيات سارع المنظّرون ذاتهم إلى إخراجها من دفاترهم لكي يبقوا على صلة بالرجل، ولكي ينعشوا لديه الآمال بدور يتجاوز نتائج الانتخابات. ومن بين هؤلاء من يقول إنه حتى ولو ربح ميشال عون الانتخابات، فإن الحاجة إلى سليمان ستزيد، وستزيد من جانب حلفاء عون قبل خصومه، وإن الولايات المتحدة تقصّدت أن تقتصر زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على الرئيس للقول إنها ستتعامل معه وحده، وإن اجتماعها مع سعد الحريري لم يكن مقرراً وكان رمزياً يتصل بالموقف من المحكمة، وبناءً على إلحاح من جيفري فيلتمان.
ولكن لأصحاب هذا الرأي المزيد من الإبداع، مثل أن سوريا وحزب الله لا يمكنهما تحمّل ميشال عون زعيماً قوياً ومطلق اليد في الوسط المسيحي، وأن الخلاف القائم الآن بين بري وعون هو إشارة إلى أن الجبهة الإقليمية ستضطر إلى تعزيز موقع رئيس الجمهورية لتحقيق توازن مع عون.
وحتى تنتهي الانتخابات، سيظل هناك من يخرج على رئيس الجمهورية ليلفّق له الحكايات والتقديرات وكل الأشياء التي لا أصل لها ولا فرع. لكن لا أحد من كلّ هؤلاء يريد لفت انتباه فخامته إلى أمر بديهي وجوهري في آن، وهو أن اتفاق الدوحة الذي اشتمل على تعيينه رئيساً للجمهورية، كان يستند في خطوته هذه إلى أن ميشال سليمان لا يمثّل وضعية سياسية في البلاد، وإلا لكان طرفاً في الصراع، وعندها يصعب اعتباره توافقياً. وبالتالي، فإن المحافظة على الموقع التوافقي تعني أنه لا مجال لوضعية سياسية خاصة، لأن قيام هذه يحتاج إلى التخلّي عن الصفة التي حملته إلى بعبدا، والعكس صحيح.!
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى