تصنيع الضحايا سورياً
شادي علاء الدين
كانت مناسبة قيام السعودية بإعدام مواطنين سوريين أدينا بتهمة تهريب المخدرات مناسبة لكي تتيح السياسة السورية لمواطنيها ممارسة حق التظاهر والإحتجاج، وهو الحق الذي كان ممنوعا طوال فترات طويلة ما خلا حالات إستثنائية اقتصرت في الآونة الأخيرة على الابتهاج العام بإعادة تنصيب بشار الأسد رئيساً.
يطالب المواطنون السوريون بشار الأسد بحماية مواطنيه الذين يهرق النظام السعودي دماءهم، كما أن هذه الواقعة كانت مناسبة لكي يطرح في التداول ملف جديد هو ملف المعتقلين السوريين في السجون السعودية والذين يبلغ عددهم وفق المصادر السورية 300 شخص.
المفارقة تكمن في أن حاجة السياسة السورية في لحظتها الحالية إلى مواد دسمة تشكل نقاط انطلاق في صراعها مع السعودية تتطلب خلق أحداث ساخنة تثير الرأي العام السوري ليكون جاهزا على الدوام لتأليف مشهد تلتقطه الكاميرات ويمثل توازنا مع الخطاب السعودي الذي يتهم سوريا بعرقلة مساعي الحلول العربية في لبنان والمنطقة.
الدور السعودي الذي صار منذ فترة الحامل الأساسي للدور العربي لا يمكن مواجهته بالسياسة مباشرة لأنه ليس لدى السياسة السورية في هذه اللحظة ما تقوله. لذا يكون التوتر المصاحب بالعنف هو التعبير الوحيد الممكن عن صمت الخطاب.
نحتاج إلى أن تتكلم السياسة السورية ويجب علينا أن نرعى كلامها وأن نحارب صمتها لأن التجارب أثبتت أن هذا الصمت قرين الدم وأنه حين ينفلش ويتعمم فسيكون حاملا لمنظومة هلاك تشمل حدودها المنطقة بأسرها.
أعتقد أن مظاهر الإحتجاج التي رعتها الأجهزة السورية تعبّر عن كلام وليس عن صمت وهي تفصح بشكل مباشر عن حاجة النظام السوري إلى التفاوض وإقامة جسور مع العالم عبر بوابة الصراع مع السعودية. مثل هذا الصراع وحده يستطيع ان يجعله منظورا في حين أنه يعاني منذ فترة غير قليلة حالة تجاهل عامة وخصوصاً من طرف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وهما الطرفان اللذان يعول عليهما هذا النظام لإعطائه دورا جديدا ومستجدا في المنطقة ولا سيما في لبنان.
يدخل النظام السوري إلى المشهد مدججا بعناوين خلافه مع السعودية ليقول إنه جاهز لكل شيء شرط أن يُمنح شروطاً ما تسمح له بتكوين خطاب تفاوضي ما ولو مع الشيطان.
الطريف أن مثل هذا الباب لو تقرر فتحه فسيستغرق وقتا ليس بالقليل وسيمر بمباحثات ومفاوضات شاقة يجب فيها مراعاة مصالح اللاعبين الأساسيين في المنطقة وإعادة تركيب خريطة التحالفات والولاءات. كل هذا يفرض أن يكون هناك على الدوام نسق من الضحايا الجاهزين دوما للإستعمال الفوري وللإتلاف الفوري، ما يعني أن النظام سيكون محتاجا طوال هذه المدة إلى أن تقوم السعودية بسجن مواطنين سوريين أو سجنهم. إذا لم تكن هذه المادة متوافرة فإن النظام مستعد لأن يوفرها بنفسه لكي لا تنضب موارد الخطاب المعادي للسعودية الذي يعتمد عليه في صناعة لقطته السينمائية في الحاضر العربي والدولي.
تصنيع الضحايا هو الهم الذي يشغل بال النظام السوري في هذه اللحظة. هؤلاء الذين يتبنى النظام موتهم، غير قادرين على أن يكونوا ضحايا، لكنه يرغمهم على أن يكونوا كذلك في لحظة إعدامهم. يسمح لهم بأن يكونوا مواطنين سوريين فقط لأنهم أعدموا في اللحظة التي يحتاج فيها إلى موتهم فتتمّ ترقيتهم مباشرة من رتبة مجرمين إلى رتبة مواطنين.
أقامت “جمعية أمم” منذ فترة معرضا في قصر الأونيسكو لصور المفقودين في الحرب اللبنانية التي كان للنظام السوري فضل كبير في تغييب أعداد هائلة منهم في متاهات سجونهم التي لا تفصح لا عن وجوه ولا عن أسماء.
العدد المذكور كان عددا مخجلا فقد تجاوز الـ17000 وكان اسم النظام السوري حاضرا في قسم كبير من حكايات الخطف والتغييب التي يرويها الأهل.
كانت هذه الصور ذاكرة لم تعد قابلة للتذكر. فهذه الوجوه تنظيم لعلاقة مع ألم طالت مدته في بعض الحالات لأكثر من ثلاثين عاما.
هؤلاء لا يمكنهم ان يكونوا ضحايا بالنسبة الى النظام السوري لأنهم غير قابلين للإستعمال. كل خبر يرشح من دائرة التعتيم الحادة التي يفرضها، تشكل حرجا وإدانة له. علينا إذاً أن ننتظر مأزقا كبيرا حتى يصبح هؤلاء في دائرة استعمال تجعلهم مفيدين بواسطة عودتهم.
ربما تكون زيارة ما يقوم بها الجنرال عون لسوريا يعود بعدها بما تيسر من معتقلين، مفيدة في هذا الصدد للجنرال ولسوريا. مآزق سوريا ومآزق حلفائها ربما ستكون مدخلا ليجد النظام السوري كلاما ما يمكن الحديث معه في شأنه ويخرج تاليا من صمته الذي يحمل الموت.
النهار