مخاطر الإنفلونزا
ساطع نور الدين
المعروف ان لبنان هو من البلدان النادرة في العالم التي يتبادل فيها الرجال القبل، من دون ان يكونوا بالضرورة شاذين جنسيا. وهي واحدة من أغرب العادات الاجتماعية اللبنانية وأكرهها، وربما أخطرها الآن لأنها تضاعف خطر انتشار وباء انفلونزا الخنازير الذي يضرب هذه الايام دولا وشعوبا يقتصر التقبيل بين افرادها على ابناء الجنسين، أو الثلاثة.
لكن انتشار الوباء ليس مسألة اجتماعية فقط، برغم انه قد يكون له أثر على هذا السلوك اللبناني الفريد، الذي نصحت وزارة الصحة بتفاديه، مثلما قد يكون لها أثر على سلوك مختلف شعوب العالم التي تواجه انفلونزا الخنازير بدرجات متفاوتة من الشعور بذلك الخطر الذي يهدد العلاقات الدولية، سواء على مستوى الامم او الافراد، وينذر بإدخال تعديلات جذرية على الثقافة الانسانية كما على الاقتصاد العالمي الذي يواجه في الحقبة الراهنة واحدة من أسوأ أزماته على الاطلاق.
أمام هذا الوباء الجديد، عادت الذاكرة العالمية على الفور الى العام 1918 عندما سبب احد انواع الانفلونزا الذي ظهر في اسبانيا وانتشر في اوروبا ثم في بقية انحاء العالم سقوط أكثر من 20 مليون ضحية، أضيفوا الى الملايين العشرين الذين سقطوا في الحرب العالمية الاولى. وشطحت المخيلة في المقارنة بين بدايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، التي تشهد بعض الظواهر المتشابهة، من دون ان تتوقف عند التطور العلمي الهائل لا سيما في مجال الطب والوقاية من الامراض والاوبئة.
ثمة مبالغة شديدة في التعامل مع الوباء الجديد، لكنها ليست ناجمة عن مؤامرة ما او عن تواطؤ بين بعض الحكومات وبعض شركات الادوية كما قيل منذ اللحظة الاولى، مع ان هذا الاحتمال وارد جزئيا. الاعلام الذي بلغ شأنا لم يسبق له مثيل ونفوذا لم يكن في الحسبان، أدى بلا شك دورا في اثارة الذعر العالمي من انفلونزا الخنازير، لكنه كان يقوم بوظيفته الطبيعية في مجتمعات متطورة تحرص على سلامة افرادها وصحتهم، كما تدرك قياداتها ومؤسساتها اهمية المسؤولية والمحاسبة، وتعتبر ان ضحية واحدة تسقط نتيجة الاهمال او الخطأ تعادل خسارة فادحة.
ثمة ثقافة غربية، تخص النصف الشمالي من الكرة الارضية، رفعت درجة الاستنفار الى ما يقارب الحد الاقصى. جرت تعبئة المؤسسات السياسية والصحية وحتى الامنية والعسكرية، لمواجهة انفلونزا عادية ومعروفة منذ عشرات السنيين، وهي تودي بحياة مئات الآلاف من البشر في البلدان الواقعة جنوبي الكرة الارضية كل عام.. مثلها مثل العشرات من الاوبئة والامراض التي اكتشفت علاجاتها لكنها لم تصل بعد الى الملايين من سكان الجنوب.
لا يريد الغرب ان يثبت تطوره وتفوقه على احد، لكنه يتصرف إزاء هذا الوباء بطريقة طبيعية جدا. يستخدم جميع مضاداته الحيوية لكي يحمي مواطنيه حتى من الحمى او القحة. يكرر ما فعله إزاء انتشار انفلونزا الطيور التي ثبت انها لم تكن وباء ولم تزهق ارواح الملايين كما قيل يومها.. وهي لا تزال تودي بحياة بعض المحظوظين من فقراء العالم الذين يقضون بها بدلا من أن يذهبوا ضحية الجوع أو الحرب.
انفلونزا الخنازير ليست مزحة، لكن امتناع الرجال عن تبادل القبل يحد بالتأكيد من مخاطرها اللبنانية!
السفير