زلزال قضائي في لبنان
افراج المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة اغتيال الراحل رفيق الحريري عن أربعة ضباط كبار احتجزوا دون اتهام لمدة أربع سنوات، سيؤدي الى قلب معادلات سياسية وأمنية وقضائية عديدة في لبنان الذي بدأ يتعافى بصعوبة بالغة من أزماته الداخلية المتفاقمة.
فعملية الاغتيال هذه احدثت شرخاً داخلياً عميقاً في لبنان، وبينه وبين سورية الجارة القوية، وقادت الى اخراج قواتها من لبنان بصفة نهائية بناء على قرارات من مجلس الأمن الدولي.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً هو عن كيفية التعامل مع هذا التطور الخطير من قبل الاحزاب والتكتلات السياسية في البلاد، وخاصة جماعة الرابع عشر من آذار التي بنت مواقفها على تورط هؤلاء الضباط الاربعة في عملية الاغتيال الدموية، بل وذهبت الى ما هو أبعد من ذلك عندما اتهمت سورية صراحة بالوقوف خلفها.
والأهم من ذلك هو عما اذا كانت عملية الافراج هذه قد عززت مصداقية المحكمة والتحقيقات التي اجراها المحققون التابعون لها، ام انها كانت عكس ذلك تماماً؟
لا بد في البداية من الاشارة الى ان هؤلاء الضباط الاربعة اعتقلوا بناء على شهادة السيد زهير الصديق ‘الشاهد الملك’ الذي ادعى ان الضباط الاربعة قدموا مساعدات لوجستية للمتورطين في عملية الاغتيال، وهي شهادة تبين انها مزورة، وان جهات لبنانية ساهمت في تهريب هذا الشخص الى فرنسا للادلاء بشهادته هذه.
الشاهد الصديق هذا اختفى من المشهد كلياً، واختفت آثاره، وقيل ان جهات مجهولة عملت على تهريبه الى خارج فرنسا، فمن هي هذه الجهات، وأين يوجد حالياً؟ وهذان سؤالان محيران تماماً ما زالا يبحثان عن اجابة مثل اسئلة كثيرة.
الأمر المؤكد ان الضباط الأربعة تعرضوا لظلم كبير تمثل في اعتقالهم لمدة اربع سنوات نتيجة شهادة مزورة، ومن قبل نظام قضائي لبناني باتت مصداقيته على المحك، ولكن الافراج عنهم بعد كل هذه السنوات يؤكد مصداقية المحكمة الدولية وابتعادها عن تهمة التسييس.
السيد سعد الحريري زعيم تيار المستقبل قال انه سيحترم قرار المحكمة بالافراج عن الضباط الأربعة، كما سيحترم اي قرارات مستقبلية تصدر عنها، ولكن هذه الأقوال على اهميتها لا تنفي تصريحات سابقة نسبت اليه اتهم فيها سورية علنياً بالوقوف خلف عملية الاغتيال هذه، وتورط الضباط الأربعة فيها.
في الدول المحترمة لا تمر عملية الظلم هذه في حق الضباط الأربعة دون اجراء تحقيقات موسعة، واستقالة بعض المسؤولين الكبار الذين ضللوا العدالة، واطلقوا احكاماً، واتخذوا مواقف دون الاستناد الى وقائع دامغة. ولذلك فان مطالبة ‘حزب الله’ باستقالة الحكومة اللبنانية برئاسة السيد فؤاد السنيورة تبدو منطقية.
الافراج عن الضباط الأربعة، وقبل اسابيع معدودة من الانتخابات البرلمانية اللبنانية قد يؤثر بشكل كبير على نتائج هذه الانتخابات ولمصلحة المعسكر الآخر المقابل لتيار المستقبل وحلفائه.
لبنان مقبل على مرحلة صعبة، ليس بسبب الظروف الاقليمية المتعلقة بالتهديدات الاسرائيلية لايران، ولا شك ان قرار المحكمة الدولية سيضيف عنصراً داخلياً جديداً يزيد من صعوبتها.
القدس العربي