صفحات العالم

أوباما غيّر .. لم يغيّر !

أمين قمورية
يسجل للرئيس باراك اوباما انه في الايام المئة الاولى من عهده انقذ اميركا من العجرفة التي طبعت سياساتها الخارجية، خصوصا في ظل رئاسة سلفه جورج بوش. وهذا السلوك المتعارض مع ما سبقه بعث الارتياح في نفوس حلفائه والاعداء على حد سواء في الخارج، لكنه لم يكن من دون ثمن في الداخل ذلك ان كثيرين من حوله ديموقراطيين كانوا ام جمهوريين، وجدوا في الانقلاب على العجرفة تساهلا في غير محله من شأنه ان يقلل “هيبة” اميركا وقوتها ويشجع الخصوم على الاستقواء عليه.
كان شجاعا عندما مد يده الى “الد اعداء” الامس: هنأ ايران و”شعبها العظيم” في عيد النوروز بعدما صنفها سلفه بأنها ضلع في “محور الشر”، واطلق عليها الاسم المحبب لنظامها “الجمهورية الاسلامية”. وصافح هوغو تشافيز الذي وصف واشنطن مرارا وتكرارا بابشع النعوت الاستعمارية وتسلم منه هدية كتاب “الشرايين المفتوحة” عن كفاح اميركا اللاتينية الذي تحول بعد الاهداء اكثر الكتب مبيعا في العالم. وخاطب كوبا التي تواجه حصارا اميركيا عمره من عمر اوباما بالتمام ووعد بفتح حوار معها. وغض الطرف عن زيارات المبعوثين الاميركيين الى سوريا بعدما قاطعوها فترة من الزمن. ولم يتوان حتى عن توجيه رسالة ضمنية الى “المعتدلين” في حركة “طالبان” التي تنغص حياته ليل نهار في افغانستان وباكستان معا.
وفي اقل من مئة يوم كسر حدة التوتر مع روسيا والذي بلغ ذروته في حرب جورجيا على اوسيتيا، واخذ بوجهات نظر حلفائه في القضايا الكبرى مثل الازمة الاقتصادية العالمية، والملف النووي الايراني، والحرب على الارهاب في افغانستان، وتهديدات كوريا الشمالية، وقضية الشرق الاوسط، بعدما ادار سلفه بوش الاذن الصماء لآراء الاصدقاء ولم يصغ سوى الى كلمة “نعم موافق” لان “من ليس معنا فهو ضدنا”!
خطوات، اعادت شيئا من الدفء الى العلاقات الدولية، لكنها لم تُتبع بخطوات اخرى تقلب السائد وما كان قائما. فبقيت هذه الخطوات ملتبسة غير واضحة، يشوبها التشوش، حتى بدا ان شعار التغيير الذي رفعه في حملته الانتخابية حتى جلوسه في المكتب البيضاوي، هو في الاسلوب وليس في المضمون، وان السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي هي لاتتبدل بتبدل الاشخاص والمواقع.
حاول الانفتاح على ايران وخاطبها مباشرة من فوق الطاولة، لكنه ابقى العقوبات من تحتها على نقيض بوش الذي هدد علنا بضرب ايران، وفاوضها سرا على العراق وافغانستان فكانت النتيجة هي هي: المزيد من الابهام والتصعيد. وخلافا لسلفه، اقر مقاربة جديدة حيال افغانستان وباكستان اوكل مهمتها الى موفده الخاص ريتشارد هولبروك، وحدد هدفا لها القضاء على الارهاب المتمثل بـ”القاعدة” و”طالبان” بدلا من احلال الديموقراطية في الدولتين. لكن النتيجة حتى الآن هي ان الارهاب تجاوز حدود افغانستان وبات يهدد باكل باكستان – الدولة الاسلامية النووية الوحيدة – من داخلها بما يمثله هذا الامر من مخاطر عالمية.
والاهم من هذا كله، انه اعاد الاعتبار الى حل الدولتين كمدخل للاستقرار في الشرق الاوسط، واوكل هذه المهمة الصعبة الى امهر المفاوضين جورج ميتشل، وطالب اسرائيل، بتجميد الاستيطان ووقف تهويد القدس لتسهيل الجلوس الى طاولة المفاوضات مجددا.. لكن حل الدولتين ظل يصطدم بالعقبة الاسرائيلية نفسها، وبالانحياز الاميركي نفسه، ولاشيء يشير الى حلحلة سريعة على رغم الالحاح الاوبامي والتمني الاميركي، علما ان المعرقل واضح، والامكانات الاميركية لوقف عرقلته متاحة من دون الوصول الى صدام مع اسرائيل. والوسيلة لذلك بضع افكار اميركية صرفة، لكن لا احدا يجرؤ على وضعها موضع التنفيذ. اولى هذه الافكار تغيير الخطاب الاميركي واللهجة، واستخدام المصطلحات اللازمة لوصف الاشياء باسمائها. فالاحتلال هو “احتلال”، والمستوطنات هي “غير شرعية” وليس اي وصف اخر. ثانيتها تدعيم قرار من الامم المتحدة يدين الاحتلال من دون استخدام حق “الفيتو” ضده كما درجت العادة. ثالثتها لخفض مستوى التعاون الاستراتيجي القائم حاليا مع اسرائيل. رابعتها تقليل شراء واشنطن للمنتجات العسكرية الاسرائيلية. خامستها اتخاذ موقف متشدد من المنظمات التي تدعم الاستيطان. سادستها فرض قيود على ضمانات القروض الاميركية. واخيرا خفض المساعدات الاميركية لاسرائيل.
هل يستطيع، اوباما في المئات من الايام المقبلة، ان يطبّق هذا الافكار، ويكسر الحرم الاسرائيلي، ويدخل التاريخ بانجاز اكبر صفقة سلام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويؤكد بالملموس ان التغيير في العالم ممكن فعلا وليس قولا، او ان المبادرات ستظل مبادرات والكلام يبقى مجرد كلام؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى