صفحات العالم

سياسة الجنون المتبادل

نصري الصايغ
إذا كان ما نقلته صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية قريبا من الصحة، فإن أبواب الجحيم ستفتح مرة أخرى، من ايران إلى لبنان، وما بينهما وما بعدهما. وما نقلته الصحيفة، لا يستند إلى نوايا نتنياهو أو إلى صلافة ليبرمان، المعبر عنها بالبرنامج الانتخابي السابق لفوزهما، ولا إلى تصريحات سياسية بهدف التطويق الإعلامي، بل يرتكز على معلومات، تشير إلى استعدادات قيد الإنجاز.
الأولوية لدى الثنائي، نتنياهو/ليبرمان، هو الملف النووي الإيراني. هذا واضح ومعلن. فلسطين مؤجلة، غزة ليست في سلّم الأولويات، شاليط بإمكانه أن ينتظر، السلطة الفلسطينية فلتفلح البحر… إيران هي الخطر، وبيريز يبشر في كل زياراته ولدى كل من يزوره، بخطر النووي الإيراني.
انتقل الحديث في الدوائر الغربية، من النوايا إلى الخشية الفعلية، من إقدام إسرائيل قريبا على ضرب «البنية النووية» الايرانية. ومن الإشارات التي استندت اليها في تخوفها، تدريبات الطيران العسكري الإسرائيلي، ما بين مطارات إسرائيل العسكرية ومضيق جبل طارق، كمدى بعيد للمناورات، والتزود بالوقود جواً. ومن الدلائل، إقدام موقع «دبكا» الإسرائيلي على كشف معلومات عن تحذير تلقته إيران من روسيا، من أن إسرائيل على وشك توجيه ضربة عسكرية كاسحة، شبيهة بضربة صبيحة الخامس من حزيران (1967) التي دمرت سلاح الجو المصري قبل بدء المعارك. وأن إسرائيل رصدت قاعدة جوية إيرانية قرب طهران، تضم 140 طائرة، عمدت القيادة العسكرية الإيرانية الى إخفائها وتوزيـعها، في أكثر من قاعدة جوية.
تصف الأوساط الأوروبية هذا العمل بالكارثة، وترى أن منع هذه المغامرة يكون بالعودة الى طاولة المفاوضات بسرعة. وعلى ايران أن تصافح يد أوباما الممدودة، قبل فوات الأوان. ويظهر من ردود الفعل الدولية أن عواصم القرار ليست في وارد الضغط على إسرائيل لمنعها من فرض أمر واقع رهيب، سيدخل المنطقة في أتون حروب متسلسلة، لا تشفى منها، وتمتد نيرانها الى قلب إسرائيل بالذات.
السلوك الغربي، الأميركي والاوروبي، لا يستطيع أن يمنع هذه الحرب، لأنه يستعمل لغة التهديد مع إيران، ولغة العقوبات الجديدة المتشددة، على ما جاء على لسان هيلاري كلينتون. فيما يصار إلى مجرد ابداء النصح وعدم الموافقة على المغامرة الإسرائيلية المزمع تنفيذها في يوم مجهول، لعله قريب.
تستطيع واشنطن أن تمنع حصول الانهيار الكبير إذا وافقت على مفاوضات من دون الشرط التعجيزي المزمن، وقف تخصيب اليورانيوم، وتستطيع أن تظهر لإسرائيل أن الجنون العسكري الإسرائيلي ليس سياسة ناجحة مع إيران، لأن لديها القدرة على ممارسة الجنون المضاد. فإيران ليست العراق، ولا أي دولة عربية. هي دولة إقليمية عظمى، وليست في وارد عدم الرد على أي ضربة عسكرية من الأراضي الإيرانية ومن خارجها.
كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يتلقى نصائح من البنتاغون، بضرورة إظهار الوجه الجنوني لأميركا، كي تروع الاتحاد السوفياتي وأعداءها في العالم. كان ينصح بأن يمارس سياسة اللامعقول العسكري، وقد نجح في ذلك مرارا، اذ أدت هذه اللامعقولية الى كبح «أعداء» مفترضين لأميركا. أما وقد مارس جورج بوش كل الجنون، في أفغانستان والعراق، ونفذه معه شارون والثلاثي أولمرت، ليفني، باراك في غزة، فإن النتيجة جاءت دفع المنطقة الى مزيد من الجنون. ثلاثون عاما من «التابو» الاميركي أدت إلى قطيعة وعداء، ونعم ايرانية للحوار غير كافية للجم إسرائيل. وحدها أميركا قادرة على إصدار أمر «عسكري» الى إسرائيل يمنعها من شن غارات على إيران.
فهل «تجن» أميركا سلميا، وتردع إسرائيل؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى