ماذا فعلت هيلاري كلينتون في بيروت الأسبوع الماضي؟
سعد محيو
الدلائل اللبنانية والسورية لهذه الزيارة المفاجئة، التي لم تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، مهمة بالطبع وهي أطلقت رسائل في كل الاتجاهات . وهذا أمر سنتطرق إليه بعد قليل .
لكن ثمة ما هو أهم في هذه الزيارة، على الأقل من المنظور الاستراتيجي الأمريكي العام، حيث إن الإدارة الأمريكية الجديدة خصّت لبنان باهتمام خاص على رغم أن جل اهتمامها سيتركز من الآن وحتى إشعار آخر في الشرق الإسلامي (إيران، باكستان، أفغانستان) وليس في المشرق العربي .
والواقع أن تحوّل المصالح الأمنية الأمريكية بعيداً عن المشرق العربي وقريباً من الشرق الإسلامي، لم يبدأ مع إدارة أوباما بل هو دُشّن بشكل تدريجي منذ نهاية الحرب الباردة . على رغم ذلك، لا يمكن للسياسة الأمريكية أن تعكس هذا التحول بشكل كامل، لأن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بقوة بضمان تفوق “إسرائيل”، ولذلك ستبقى متورطة في كل مشكلات المنطقة . ويمثل هذا معضلة حقيقية للسياسة الخارجية الأمريكية .
هذه المعطيات، التي تشي كلها بأن مركز الثقل للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير انتقل إلى منطقة الخليج – آسيا الجنوبية والوسطى، يُعطي (كما أسلفنا) زيارة كلينتون إلى لبنان أبعاداً مهمة وغير مسبوقة . فأن تجد الوزيرة الأمريكية الوقت للاهتمام بالقضية اللبنانية عشية معركة انتخابية حامية الوطيس، يعني أن إدارة أوباما تطل على لبنان بوصفه حلقة مهمة في الصراع العام على مصير الشرق الأوسط ككل .
صحيح أن مثل هذه الإطلالة ليست كإطلالة إدارة بوش التي اعتبرت لبنان نموذجاً يمكن أن يحتذى لعملية الدمقرطة في العالم العربي، إلا أن الصحيح أيضاَ أن ما قالته وفعلته كلينتون في بيروت يوحي بأن واشنطن الجديدة ليست على وشك العودة إلى عادتها القديمة في “إعارة أو تأجير لبنان” (وفق تعبير سفير أمريكي سابق في بيروت) إلى جيرانه .
فالوزيرة الأمريكية شددت على التزام أوباما الشخصي بمساعدة لبنان في الحفاظ على سيادته واستقلاله، وعلى أنها “لن تعقد أي صفقة مع سوريا على حساب مصلحة لبنان” .
الرسائل المتضمنة في هذه البيانات أكثر من واضحة: وعود بعدم عودة السياسة الامريكية إلى ما كانت عليه قبل العام ،2005 وبمواصلة الفصل بين الملفين اللبناني والسوري . والواقع أن هذا بالتحديد ما تفعله باريس الآن . فهي اشترطت لفتح طريق قوس النصر في الشانزليزيه أمام الرئيس السوري بشار الأسد أن يفتح هذا الأخير سفارة لبلاده في بيروت . كما أن الاتحاد الأوروبي ربط معاهدة الشراكة مع سوريا بمدى التقدم الذي تحرزه دمشق في التعاطي مع لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة .
هل ستواصل واشنطن دعم هذا النهج الباريسي؟
كلينتون أكدت ذلك في بيروت . والرئيس أوباما فعل الأمر نفسه في رسالته الخاصة إلى الرئيس ميشال سليمان .
ومن الآن وحتى نهاية هذا العام، حين سيتبين الخيط الأبيض من الأسود في المحادثات السرية والعلنية التي تجري هذه الأيام في عواصم مختلفة بين واشنطن وكل من دمشق وطهران، سيكون لبنان قادراً على المراهنة بأنه لن يكون طعاماً على مائدة اللاعبين الإقليميين والدوليين . أما بعد هذه الفترة، فالله أعلم .
الخليج