بُعد لافت لموقف الأسد من المحكمة بعد 48 ساعة من نعي نصرالله لها
روزانا بومنصف
بعد اقل من 48 ساعة على اطلالة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ناعيا المحكمة الدولية واي قرار يمكن ان يصدر عنها مستقبلا، اطل الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع القناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي معلنا انه “متلهف” لمعرفة حكم المحكمة الخاصة بلبنان في ما يتعلق باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري معترفا بأن “اطرافا عدة يشتبهون في تورط بلاده في ذلك الاعتداء او اصدارها امرا بتنفيذه”. واضاف ان معرفة مرتكب الجريمة سيكون “مفيدا جدا” لسوريا.
وهذا الموقف تطور مهم في موقف الرئيس السوري وهو يذهب في حده الادنى على الاقل في هذا التوقيت بالذات مذهبا غير مذهب “حزب الله” من حيث ايلائه اهمية كبرى لقرار المحكمة الخاصة بلبنان ولصدقية احكامها، من خلال قول الاسد ضمنا انها ستكشف مرتكب الجريمة، كما من حيث اقفاله الباب على الحملة التي بادر حلفاء سوريا الاقربون الى شنها على المحكمة الدولية بعد اطلاق الضباط الاربعة الذين اوقفوا في هذه القضية وافرج عنهم بقرار من المحكمة الخاصة باغتيال الحريري الاربعاء الماضي. او هو على الاقل يقفل الباب امام مسؤولية بلاده عن التصعيد الذي مارسه حلفاؤها في الايام الاخيرة في موضوع المحكمة، فيرمي هذه الكرة في الملعب اللبناني على اساس ان ما يجري هو مسألة داخلية لا دخل لسوريا فيها باعتبار ان دمشق “متلهفة” كما قال لمعرفة قرار المحكمة وليس لنعيها على ما ذهب حلفاؤها. كما يمكن ان يفسر هذا الموقف بالنسبة الى الآخرين من المراقبين السياسيين والديبلوماسيين سعي الرئيس السوري، عبر هذا الموقف المعلن والصريح الذي ادلى به الى تلفزيون غربي تحديدا وليس الى اي وسيلة اعلامية عربية، الى ضبط حلفائه ولجم اندفاعاتهم في موضوع المحكمة، بمعنى انه يمارس دورا بناء في الداخل اللبناني. وهذه الرسالة تلبي الدور الذي تلح الولايات المتحدة الاميركية، كما الغرب كله، على ان تقوم به دمشق في حال كانت ستضطلع بأي دور بالنسبة الى لبنان. اي ان الرئيس السوري سحب الغطاء السوري عن اي تحرك في الشارع خصوصا، كان هدد به بعض هؤلاء ضد القضاء والمحكمة الدولية وتخوف بعضهم ان يهز الاستقرار عشية الانتخابات النيابية وربما ادى الى تعطيلها. فالرئيس السوري يدرك جيدا ان هذا التهويل الذي مارسه حلفاؤه في الايام الاخيرة ستسأل عنه دمشق بطريقة او باخرى، خصوصا في حال تطور الى ما هو ابعد من ذلك تماما، كما تشير التقارير الدولية مثلا الى اي تحركات للفلسطينيين خارج المخيمات في لبنان حيث تبرز هذه التقارير مسؤولية لسوريا في هذا الاطار. وسيبقى لبنان، حتى اشعار آخر، نقطة محورية مقررة لطبيعة تطور العلاقات الاميركية – السورية في المدى المنظور، وخصوصا لجهة اثبات سوريا عدم تدخلها في لبنان واحترامها استقلاله وسيادته.
وهذا الموقف للرئيس السوري يكتسب اهميته تحديداً عشية زيارة يعتزم القيام بها لسوريا مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان والمسؤول عن الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي دانيال شابيرو، وهي الثانية للمسؤولين الاميركيين خلال شهرين باعتبار ان الزيارة الاولى حصلت في السابع من آذار الماضي. وهذه الزيارة هي متابعة للمناقشات التي بدأت بين الطرفين وتتم متابعتها في واشنطن، وهي تأتي في الوقت الفاصل عن تعيين سفير اميركي جديد في دمشق لن يكون ممكنا او متاحا، على ما تفيد بعض المعلومات، قبل الانتخابات النيابية اللبنانية في 7 حزيران المقبل. كما من المرجح الا يكون ممكنا في الوقت الفاصل ايضا عن هذه الانتخابات زيارة المبعوث الاميركي للمنطقة جورج ميتشل لسوريا، علما انه قام حتى الآن بجولتين على دول في المنطقة مستثنيا سوريا، بينما ترد دمشق في سلم الاولويات التفاوضية بالنسبة الى حكومة بنيامين نتنياهو.
وافادت معلومات خاصة بـ”النهار” ان زيارة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لبيروت في 26 نيسان الماضي التي يفترض بعضهم ان تشكل تعويضا معنويا كبيرا لزيارة لن يقوم بها فيلتمان وشابيرو للبنان كما حصل في آذار الماضي، اذ انطلقا من بيروت لزيارة العاصمة السورية وعادا منها الى بيروت ايضا في رسائل رمزية بالغة الدلالة، من المتوقع ان تتبعها زيارة مساعدها ديفيد هيل لبيروت التي سيزورها الديبلوماسي الاميركي بالتزامن مع زيارة فيلتمان وشابيرو المرتقبة لدمشق، علماً ان مصادر أخرى لم تستبعد قيام فيلتمان وشابيرو بزيارة بيروت أيضاً. وتاليا لا يكون اي تحرك اميركي في اتجاه دمشق بمعزل عن بيروت بل يرتبط بها في شكل او آخر لئلا تترك واشنطن المجال امام تفسيرات وتأويلات هي في غير محلها ويسعى بعضهم الى توظيفها عشية الانتخابات النيابية، من نوع تخلي الولايات المتحدة عن لبنان او ما شابه ذلك من تفسيرات لمصلحة صفحة جديدة مع دمشق.
النهار