هذا ما قلناه في مؤتمر دمشق
عصام خليفة
ردّاً على مقال الياس خوري:
جاءنا من الدكتور عصام خليفة الرد الآتي على مقال الزميل الياس خوري في العدد 894 من “الملحق”:
“لأنني من موقّعي “إعلان بيروت – دمشق، إعلان دمشق – بيروت”، ولأنني وافقت على المشاركة في المؤتمر الذي عقد بين 14 و18 نيسان 2009 في دمشق لمناقشة العلاقات السورية – اللبنانية، وانطلاقاً من الاحترام والتقدير اللذين أشعر بهما تجاه الروائي الاستاذ الياس خوري، وجدت من واجبي الرد على المقال الذي كتبه في زاويته الاسبوعية في “ملحق النهار” (الاحد 26 نيسان 2009)، وذلك ضمن النقاط المختصرة الآتية:
-1 الصديق الياس خوري هو زميل دراسة في كلية التربية – الجامعة اللبنانية. كنا نتابع معاً، في صف واحد، اختصاص مادة التاريخ (بين عامي 1966 و1970)، وعلى رغم التباين في الموقف السياسي فقد كان يجمع بيننا باستمرار، احترام ومودة ينبعان من التزام كل منا قيم الحرية واحترام حقوق الانسان وخصوصاً في مرحلة الحروب العبثية التي واجهها لبنان.
-2 في مرحلة التدخل الفلسطيني في الشأن اللبناني، الذي كانت فيه جونيه طريق فلسطين ثم أصبحت أوسلو هي الطريق، كان هناك تباين في الرأي. فبينما كان الصديق خوري منحازاً الى موقف السلطة الفلسطينية في لبنان، كان موقفنا رافضاً هذا التدخل من موقع الحرص على القضية الفلسطينية، ومعرفة الأبعاد التاريخية لأطماع اسرائيل ومخططاتها، ولدور لبنان الطليعي الحر في نهضة العرب.
-3 يعرف الصديق الأديب ان منبر الحركة الثقافية – انطلياس نظّم مؤتمرين عن العلاقات اللبنانية – السورية. وفي طليعة القضايا تحرير السجناء اللبنانيين في سوريا، وقضية الحرية في الدولتين التوأم. كما ان حركتنا كرّمت أعلاماً كباراً من سوريا في طليعتهم المؤرخان الأب جوزف حجار، والدكتور عبد الكريم رافق، والدكتور حافظ الجمالي رحمه الله.
-4 ان الحركة الثقافية – انطلياس، من خلال مجمل نشاطاتها، ومن خلال مواقفها النظرية والعملية مع “تجمع الهيئات الثقافية اللبنانية”، وبخاصة من خلال ميثاق هذا التجمع، وضعت الحريات العامة وشرعة حقوق الانسان وملحقاتها الاساس في تحركها. الجميع يذكر الموقف المبدئي الذي اتخذته في المؤتمر الثاني للكتّاب اللبنانيين.
-5 منذ تلقينا الدعوة الى المشاركة في المؤتمر، كان نقاشنا بدور حول وضع المثقفين السوريين وفي طليعتهم الاستاذ ميشال كيلو.
-6 بعد التشاور مع مجموعة من المثقفين اللبنانيين الذي وقّعوا “إعلان بيروت – دمشق، إعلان دمشق – بيروت”، ومن خلال اجتماع مشترك في “المجلس الثقافي للبنان الجنوبي” في حضور الاستاذ حبيب صادق، تم الاجماع على ضرورة المشاركة في المؤتمر، وطرح قضية المعتقلين من المثقفين السوريين.
-7 لا ندري على أي اساس أكد الصديق ان من شارك في هذا المؤتمر يكون قد قدّم “الغطاء للسلطة” السورية او “التحق بها”.
-8 وكيف يستنتج ان الذين شاركوا في هذا المؤتمر لم يدافعوا عن حرية شركائهم في “اعلان بيروت – دمشق، اعلان دمشق – بيروت”، من باب الحرص على علاقة متينة بين بيروت ودمشق.
-9 لقد حمّلنا اللقاء الذي عقدناه في رحاب “المجلس الثقافي للبنان الجنوبي” رسالة أوصلناها الى نائبة الرئيس السوري الدكتورة نجاح العطار بالاهمية القصوى التي يوليها المثقفون اللبنانيون لمسألة الافراج عن المثقفين السوريين ولا سيما الاستاذ ميشال كيلو.
-10 لا بل اننا طرحنا هذه المسألة في اللقاء المطوّل مع سيادة الرئيس بشار الاسد، وبيّنّا ان جوهر الانماء والتقدم هو قضية الحرية.
-11 وفي الكلمة التي ألقيتها في الجلسة الاخيرة وردت المقاطع الآتية:
“- ان التغيير في الاستراتيجيا السورية تجاه لبنان والتغيير ايضاً في التكتيك، هو الذي ينقل الوضع من التباعد والمواجهة التي كلفتها باهظة وخاسرة للفريقين، الى التعاون والتحالف الفعلي. وان تطبيع العلاقات على قاعدة الندية والمصالح المشتركة والتحالف في إطار المواثيق الوطنية والعربية والدولية، هو موقف استراتيجي يؤمّن الفوائد للجميع.
– إن مفهومنا لدور المثقفين في سوريا ولبنان وفي كل أرجاء عالمنا العربي الأوسع يقوم على قاعدة التزام الحقوق المدنية والسياسية كحرية الرأي والتعبير والحرية الدينية وحرية الاجتماع وحق تشكيل الاحزاب السياسية والمشاركة في إدارة شؤون البلاد وحق تقرير المصير، الى غير ذلك. وتليها بعد ذلك الحقوق القضائية والقانونية مثل مبدأ المساواة أمام القانون والحق في محاكمة علنية منصفة وحق الدفاع وقرينة البراءة وحظر القضاء الاستثنائي غير المحايد ومبدأ استقلال السلطة القضائية والحق في سلامة الجسم ضد التعذيب والعقوبات الخاصة بالكرامة. ثم تأتي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في العمل والتعليم والرعاية الصحية والحق في السكن المناسب وحق التنظيم النقابي. وهناك أيضا ما يعرف بالجيل الجديد من الحقوق الجماعية مثل الحق في التنمية، والحق في البيئة النظيفة. وكذلك هناك حقوق الطفل والمرأة وحقوق الأقليات (تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2004، صفحة 68).
على مثل هذه القيم الكبرى نسعى لترسيخ العلاقات اللبنانية – السورية. ودفاعاً عنها نطمح ان نوصل مجتمعاتنا الى ممارستها على الصعد كافة. ان التنمية الانسانية هي، اضافة الى العيش برفاهية وصحة جيدة والحصول على المعرفة وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق، الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الانسان (تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2004، صفحة 2).
ان الحرية شرط ضروري وحيوي، وإن لم يكن الوحيد، لقيام نهضة عربية جديدة.
– انطلاقاً من الاقرار المشترك بوجود أخطاء حصلت على مختلف الصعد خاصة خلال فترة الثلاثين سنة الماضية في العلاقات اللبنانية – السورية، فإننا نتصور ان الحل الايجابي هو إلغاء معاهدة التعاون والتنسيق وما نتج منها من مؤسسات، وإعادة نظر شاملة في كل الاتفاقات الثنائية المعقودة بين سوريا ولبنان في تلك الفترة، والعمل معاً لوضع اتفاقيات جديدة تكون نتاج حوار موسّع وتؤمّن فعلا المصالح المشتركة للشعبين السوري واللبناني. وما دام التبادل في التمثيل الديبلوماسي قد حصل فالمطلوب من خلال القناة الديبلوماسية تأكيد سياسة الأخوة والتعاون والتنسيق وتطبيقها.
– نعود ونؤكد ما كنا قد أيدناه في “إعلان بيروت – دمشق، إعلان دمشق – بيروت”: “ندين الاغتيال السياسي بما هو وسيلة جرمية للتعامل مع المعارضين وحل النزاعات السياسية، ونشدد على ضرورة تسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية من اجل كشف المحرّضين والمنظمين والمنفذين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي الجرائم الاخرى وتحميلهم المسؤولية الجزائية والسياسية على جرائمهم وإنزال العقوبات التي يستحقونها امام القضاء الدولي والرأي العام. ونرفض، في مطلق الأحوال، أي محاولة لفرض العقوبات الاقتصادية او المقاطعة بين البلدين وسواها على الشعب السوري”.
هذا ما قلناه في هذا المؤتمر وتناقشنا حوله.
اخيرا، نطمئن الصديق الياس خوري اننا كنا ساهرين على قضايا الحريات والمصالح المشتركة للشعبين السوري واللبناني خلال كل جلسات المؤتمر، ولم نساوم على أيّ مسألة.
على كل حال، ان النضال الكلامي من وراء مكاتب الصحافة شيء، والنضال الميداني في الجامعة والمجتمع والحوار الهادف مع أصحاب العلاقة شيء آخر.
مهما يكن من أمر، فإن صورة الصديق الأديب الياس خوري صاحب القلم الشجاع في “ملحق النهار” الذي نحب ونحترم، ستبقى من الرموز الطليعية التي نعتز بها في ثقافتنا اللبنانية والعربية المعاصرة” ¶