ومتى يفرج عن المثقفين السوريين؟
زين الشامي
منذ أيام تم الإفراج عن الضباط الأربعة اللبنانيين الذين كانوا معتقلين في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ونشطت وسائل الإعلام العربية عموماً، واللبنانية المقربة من سورية خصوصاً، بنقل وقائع الإفراج، ومن ثم التعليق مطولاً على براءة الضباط، لا بل شنت تلك الوسائل الاعلامية وبعض الشخصيات اللبنانية الصديقة لسورية، حملة ضد القضاء اللبناني والمؤسسة الأمنية اللبنانية، وتم تحميلهما المسؤولية الكاملة عن فترة احتجاز هؤلاء الضباط، مثل الوزيرين السابقين ميشال سماحة ووئام وهاب والعديد من أعضاء «حزب الله».
وبغض النظر، عما ستنتهي إليه المحكمة الدولية مستقبلاً من اتهامات أو تبرئة للشخصيات المشتبه بها، لابد من القول إنه جميل جداً أن يفرج عن أناس قضوا في السجن أعواماً من عمرهم ذهبت هدراً بسبب عدم التدقيق في صحة ما وجه إليهم من اتهامات، لكن ثمة غصة في قلوب السوريين كون العديد من الناشطين سجنوا على خلفية آرائهم التي عبروا عنها في موضوع العلاقة اللبنانية، ولم يكن هناك أي قضاء عادل ينصفهم، ولا محكمة دولية تقول إنهم أبرياء وغير مشتبه بهم.
مأساة المثقفين السوريين أكبر بكثير من الضباط اللبنانيين الأربعة لجملة من الأسباب، أولها أن ملف الضباط انتهى عند المحكمة الدولية، وبين أيدي قضاة دوليين مستقلين، وهو الأمر الذي غالباً ما يعطي الأمل للمعتقلين وأهاليهم بسبب حالة فقدان الثقة المزمنة بأجهزة القضاء في الدول العربية التي غالباً ما كانت خاضعة للطبقة أو الحزب السياسي الحاكم. ولو كان غير ذلك، لما حكم القضاء السوري على المثقفين السوريين لمجرد أنهم طالبوا بتصحيح العلاقة السورية – اللبنانية، ولو كان غير ذلك لما سجن القضاء اللبناني الضباط الأربعة نحو أربعة وأربعين شهراً من دون أن يقول كلمته النهائية مفضلاً مجيء المحكمة الدولية وقضاتها حتى تقول الكلمة الفصل. ومن مفارقات قضية سجن المثقفين السوريين أنهم مازالوا يقبعون في زنازينهم فيما السلطات العليا تدعو إلى مؤتمر عن العلاقات السورية – اللبنانية، لا بل إن المفارقة المبكية المضحكة أن نتائج هذا المؤتمر الذي عقد في دمشق تتطابق مع ما دعى إليه إعلان دمشق – بيروت/بيروت – دمشق، الذي أصدرته مجموعة من المثقفين السوريين واللبنانيين قبل نحو أعوام ثلاثة وتؤكد رياديته.
إن البيان الختامي الذي أصدره المؤتمر الذي عقد برعاية حكومية عكس تطابقاً مع مضامين إعلان المثقفين المستقلين، وعليه فإذا كان المؤتمر، وإذا كان إعلان المثقفين أيضاً، قد خلصا إلى صياغة أسس ومضامين علاقة صحيحة لإصلاح العلاقات بين البلدين على قاعدة الندية والاحترام المتبادل، فما هو السبب لإبقاء المثقفين في السجن؟ وإذا كان المؤتمر الرسمي وإعلان المثقفين أيضاً قبل أعوام ثلاثة، قد شددا على سيادة كل من البلدين وحريته واستقلاله وقوته الذاتية ومشروع دولة المواطنة والديموقراطية فيه، فما الذي يستدعي إبقاء المثقفين في السجن؟
ولا تنحصر مأساة المثقفين في بقائهم في السجن فقط، بل في تلك الاتهامات الغريبة العجيبة التي لفقت ضدهم، ولم يكن يخطر في بال أحد أن رد السلطات على إعلان بيروت – دمشق سيكون بتهمة من عيار «دعوة بلد عدو إلى احتلال سورية»، وهي تهمة لا يفهم كيف أمكن نسبها للإعلان وموقعيه، في حين أن مناقشتها لا تصمد أمام أي تحليل قضائي أو حقوقي اوسياسي.
إن مبادرة السلطات السورية اليوم لاطلاق سراح المعتقلين على خلفية توقيع إعلان بيروت – دمشق، وإعادة المسرحين من أعمالهم، الذين فقدوا وظائفهم وعوقبوا جراء توقعيهم على البيان أو جراء توقيع أحد أقاربهم، يعطي موقف السلطات السورية بعد المؤتمر الذي عقدته، مصداقية كبيرة في تأكيد التوجه نحو علاقات إيجابية بين سورية ولبنان، وترسم مسار علاقات صحية بين البلدين، وتعزز مصالحهما المشتركة من أجل خدمة البلدين والشعبين. وهي خطوة لابد منها إذا كانت هناك نية حقيقية في بدء صفحة جديدة مع لبنان ومع الخارج، وخطوة ضرورية باتجاه إغلاق ملف الاعتقال والعقوبات السياسية المعمول بها ضد المواطنين السوريين.
الرأي العام الكويتية