الجولان هدوء ميداني وصخب إعلامي
أسامة العيسة
الهضبة السورية المحتلة منذ العام 1967
العشرة أمتار الأخيرة من بحيرة طبريا مثار الخلاف- بعدسة إيلاف
أسامة العيسة من القدس: تبدو الحدود السورية الإسرائيلية، في هضبة الجولان، هادئة، كما هي دوما، غير متأثرة بحديث السلام أو الحرب، التي تدور عن هذه الهضبة الاستراتيجية، والتي كان آخرها، الحديث عن وساطة الرئيس التركي بين سوريا وإسرائيل.
ويمكن للواقف في الهضبة رؤية المركبات السورية، وأشكال أخرى من الحياة في منطقة القنيطرة التي استعادتها سوريا، بعد مفاوضات فك الارتباط التي أعقبت حرب 1973.
ويتداول الجولانيون، بشكل دائم مصطلح “خذ السلم واذهب للقسم الآخر” يقولونها لكل شخص منهم يبدي تذمره من الوضع، مشيرين إلى سهولة أن يضع سلما على السياج والنزول إلى الطرف الآخر، فيصبح في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية.
وتبدو قضية الجولان، اكثر تعقيدا بكثير مما يتم تداوله إعلاميا، وفي مناسبات معينة، مثلما حدث في ربيع عام 2000، عندما انطلقت مفاوضات بين الإسرائيليين والسوريين، برعاية أميركية، وما يدور الان من اتصالات برعاية تركية.
حدود تحددها القوة
لم تخف الحركة الصهيونية، أطماعها، في مرتفعات الجولان، منذ أواخر القرن التاسع عشر. وطالبت هذه الحركة من البريطانيين و الفرنسيين ضم الجولان ومناطق أخرى شرق نهر الأردن لحدود الدولة اليهودية المزمع إقامتها, وفي عام 1894 اشترى الثري اليهودي البارون ايدموند روتشيلد 100000 دونم في منطقة حوران-جنوب شرق الجولان من العثمانيين, وتم توطين 300 عائلة يهودية في هذه الأراضي, ولم يقدر لعملية الاستيطان هذه النجاح لأسباب عديدة, وفي عام 1919م أرسل الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج معلنا رفض الحركة الصهيونية لاتفاقية سايكس بيكو لأنها لا تتضمن سيطرة الدولة العبرية على منابع نهر الأردن والسهول الخصبة في الجولان وحوران والليطاني, التي تعتبر منطقة ذات أهمية استراتيجية كبرى لأنها تطل على شمال فلسطين.
وفي عام 1923، تم ترسيم الحدود الدولية بين الانتداب البريطاني في فلسطين، والانتداب الفرنسي على سوريا، نتيجة اتفاق وقع عليه في العاشر من آذار (مارس) 1923، صادقت عليه الأمم المتحدة عام 1935، لكن سوريا لم تعترف به ابدا، وينص هذا الاتفاق على أن بحيرة طبريا، جزء من فلسطين، مع إعطاء السوريين حقوقا في الصيد في البحيرة، بالاضافة الى حقوق اخرى راعت الهوية الواحدة للسكان على الجانبين، مثل حرية التنقل من دون تأشيرات.
ومع قيام إسرائيل، عام 1948، تم توقيع اتفاقية هدنة مع سوريا في العام التالي، وفقا لاتفاقية الحدود، التي وقعها طرفان اصبحا من ماضي المنطقة، ولكن طرأ تعديل على الحدود، عندما سيطرت سوريا وإسرائيل على مناطق منزوعة السلاح، بين عامي 1949-1967.
ووفقا لاتفاق الهدنة فان الحدود السورية، هي نفسها الحدود الدولية على بعد عشرة أمتار من الضفة الشمالية الشرقية للبحيرة، وستتحول هذه الأمتار العشرة إلى عقدة كبيرة لدى إسرائيل لاحقا.
وابدى دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء في إسرائيل، موقفا متشددا من سوريا، ورفض تعاونا وثيقا عرضه عليه الرئيس السوري حسني الزعيم، تتضمن عقد سلام بين البلدين، بل واكثر من ذلك.
وبتاريخ 26 تشرين الأول 1952، كتب دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء في إسرائيل، رسالة، إلى وزير خارجيته موشيه شاريت، حدد فيها ما اعتبرها “الخطوط الحمراء” في ما يتعلق بأي مفاوضات مع سوريا، يشدد فيها على إبقاء نهر الأردن وبحيرة طبريا تحت السيطرة الإسرائيلية، مهما كان الثمن، وهو ما ظل يحدد الرؤية الإسرائيلية حتى الان.
دويلة الدروز
في عام 1948 لجأ آلاف من الفلسطينيين إلى الجولان, ووقعت اشتباكات عديدة بين سوريا وإسرائيل في منطقة بحيرة طبريا, واكبر مواجهة كانت عام 1964, عندما فجر الطيران الإسرائيلي مشروع المياه المشترك لسوريا و الأردن, الذي تم البدء فيه وقتذاك لإقامة سد على نهر الأردن تستفيد منه الدولتان, وعللت إسرائيل التفجير بأن المشروع يهدد أمنها.
وكانت إسرائيل خرقت اتفاقية فصل القوات بينها وبين سوريا لعام 1949, عندما جففت بحيرة الحولة وزرعت مجموعة من المستوطنات في المنطقة التي كان يجب أن تكون حيادية خاضعة لسيطرة الأمم المتحدة.
وفي حرب حزيران (يونيو) 1967، قاد وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان آنذاك، عملية احتلال الجولان، ليقدم هذه المرتفعات هدية لإسرائيل، لم تكن تحلم بها في ذلك الوقت، واستطاعت قوات الاحتلال بأوامر من ديان نفسه طرد سكان الجولان، الذين كانوا شديدي التنوع، ولم يبق من 164 قرية و146 مزرعة سوى ست قرى هي مجدل شمس, وبقعاثا, ومسعدة, وعين قنيا, والغجر, وسحيتا، التي سكانها كان يعدون نحو 7 الاف نسمة وقت الاحتلال، ويصلون الان الى نحو 20 الفا.
وباستثناء الغجر، فجميع السكان هم من الدروز، ولم يكن الإبقاء على أبناء هذه الطائفة، من قبل الإسرائيليين دون سبب، حيث كانت خطط بن غوريون بإقامة دويلات طائفية في المنطقة، ما زالت قابلة للتطبيق بالنسبة إلى الإسرائيليين، وارادوا إنشاء دويلة درزية.
وراهنت إسرائيل على عضو البرلمان السوري السابق كمال كنج أبو صالح, الذي بقي في الهضبة، للترويج لفكرة الدويلة الدرزية, وسمحت له بالخروج من الهضبة ليجري اتصالات بهذا الشأن، مع شخصيات درزية، ولكن أبو صالح، كان يضمر شيئا آخر، حيث فضح المخطط الإسرائيلي، وكان ذلك في مطلع السبعينات, وتم سجن أبو صالح لمدة 23 عاما, وافرج عنه بعدها مقابل طيارين إسرائيليين احتجزتهما سوريا.
حرب واتفاق عام 1973
في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1937، والتي باغتت فيها مصر وسوريا، إسرائيل، تقدم الجنود السوريون، وحرروا القسم الأكبر من الجولان، وفي قرية (الخشنية) المهدمة، التي كانت مركز ناحية قبل الاحتلال، يوجد بقايا مسجد، يستخدمه الإسرائيليون لتصوير أفلام إباحية، وداخل هذا المسجد وعلى المنبر، وكما شاهد مراسلنا، خط وليد كردية، وهو جندي سوري من حي الأكراد في دمشق اسمه، مع التاريخ 6/10/73، أي في اليوم الأول للحرب، ما يشير إلى ما أحرزه السوريون وحققوه من إنجاز عسكري مهم للغاية.
ولكن الإسرائيليين، تحركوا، لأخذ زمام المبادرة، مستخدمين الأسلحة المحرمة الدولية، لإبادة الجيش السوري المتقدم، وما حدث لاحقا، أن الإسرائيليين واصلوا التقدم، وباتوا يشكلون خطرا على باقي الأراضي السورية، ومن بينها العاصمة دمشق، وهو ما جعل الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، يستعد للنزول إلى تحت الأرض، وقيادة مقاومة محتملة ضد الاحتلال الإسرائيلي المتوقع.
ورغم التقدم الإسرائيلي، احتفظ السوريون ببلدة القنيطرة التي حرروها، بعد احتلالها وتدميرها من قبل الإسرائيليين، وفي المفاوضات اللاحقة، تمكن السوريون من الإبقاء على 100 كلم2، محررة، من نحو 1250كلم2 احتلت عام 1967.
اتصالات وتغييرات على الأرض
منذ اتفاق الهدنة بين سوريا وإسرائيل، لم تتوقف الاتصالات بين الجانبين، إما بشكل مباشر، أو عبر وسطاء، ولم تتوقف كذلك الاحتكاكات العسكرية، إلا خلال فترة الهدوء الطويلة، منذ اتفاقيات فض الاشتباك عام 1974.
وفي هذه الأثناء، فان إسرائيل شردت 131 ألف نسمة، يزيد عددهم الان عن 600 الف نسمة، وهدمت اكثر من 230 قرية ومزرعة، وزرعت 76 حقل ألغام، واقامت 60 معسكرا لجيشها، وأعطت للمستوطنين 28 مليون م3 من ثروة الجولان المائية التي تقدر بنحو 31 مليون م3.
وفي 14 كانون الأول من عام 1981، صادق الكنيست الإسرائيلي، على ضم الجولان إلى إسرائيل، وسط مقاومة مشهودة من الأهالي، ما زالت مستمرة حتى الان.
واستمرت إسرائيل، في فرض حقائق على الأرض، وفي الوقت ذاته، السعي لاحتواء سوريا، وفي عام 1995، انطلقت مفاوضات إسرائيلية-سورية برعاية أميركية، لم تثمر عن أي شيء، مع تمسك إسرائيل بالجولان، ورفض الانسحاب منه، ووضع شروط لا يمكن أن تقبلها سوريا، وفي تلك المفاوضات رمت إسرائيل، في وجه سوريا بقفاز محطات الإنذار المبكر، التي رفضت إزالتها وحجة الإسرائيليين آنذاك انهم لا يريدون الوقوع، في شرك ما اعتبروه خديعة مصرية-سورية كما حدث عام 1973.
ورفض الإسرائيليون، اقتراحا سوريا، باستخدام التقنية الحديثة، بدلا من محطات الانذار، مثل الأقمار الصناعية، وبقيت المرتفعات محتلة.
مفاوضات 2000
في ربيع 2000، داعبت الرئيس الأميركي بيل كلنتون، أحلام بدخول التاريخ، عن طريق إيجاد اتفاق بين اطراف النزاع حول الجولان، واخضع المفاوضون السوريون برئاسة وزير الخارجية آنذاك فاروق الشرع، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك لـ “العزل” في منتجع شيبردزتاون.
وبدا أن المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، جادة بأكثر مما هو متوقع، وسودت آلاف الصفحات في الصحف، عن تلك المفاوضات، ومن بينها الصحف العربية، وسرب الإسرائيليون، معلومات عن وجود تقدم، وان الخلاف هو على الأمتار العشرة التي تبعد عن بحيرة طبريا، وان إسرائيل لن تسمح بوجود سوري في هذه المنطقة مهما كان الثمن.
وأدت الأنباء الصحافية المتفائلة، عن المفاوضات، إلى مفاجآت بدت غريبة، للرأي العام العربي والفلسطيني المتابع، عندما اكتشف أن هناك أيضا “جولانا فلسطينيا”، والحديث عن شريط يضم 7 قرى فلسطينية، ابقي ضمن الحدود الفلسطينية في معاهدة عام 1923، وأصبحت هذه المنطقة مقسمة بين سوريا وإسرائيل عام 1956، مع بدء العدوان الثلاثي على مصر.
وألمح ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، إلى موضوع الجولان الفلسطيني، في تصريح صحافي يتيم، عندما أثارت حفيظته أنباء التقدم في المفاوضات السورية-الإسرائيلية، مبديا تحفظا على اعادته لسوريا.
وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن مسألة “الجولان الفلسطيني” الذي تحتفظ به الان، غير خاضع لأي مفاوضات مع سوريا، وتصر على الحديث فقط على الأراضي التي احتلت عام 1967، وهو ما يرفضه السوريون بشكل مطلق.
ومثلما هو متوقع فشلت المفاوضات، رغم التفاؤل، وتسريب المعلومات، ومن بينها ما يعرف حتى الان في الإعلام بوديعة رابين، ووثيقة نتنياهو، وهي اقل شهرة، وغيرهما مما يتم تداوله، ويتضمن موافقة إسرائيلية على الانسحاب من الجولان.
وتبرز مثل هذه الوثائق، عندما تلوح في الأفق جولة اتصالات جديدة بين إسرائيل وسوريا، رغم التشكيك بصحتها، كما حدث بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، عندما لوح حزب العمل الذي كان يقود الحكومة في أثناء مفاوضة السوريين عام 2000، ما وصفها بوثيقة قال إن نتنياهو وافق بموجبها على الانسحاب من الجولان حتى الحدود الدولية.
وحسب ما أعلن حينها، فان المليونير اليهودي الأميركي رون لاودر توجه بتاريخ 20 آب (أغسطس) إلى دمشق مبعوثا من نتنياهو، بعد تسع جولات من المفاوضات التي أجراها بين تل أبيب، ودمشق.
وطالب الأسد بعد عرض لاودر الوثيقة على السوريين، خارطة مفصلة وردا حول مساحة المنطقة التي ستنسحب إسرائيل منها، وتم تقديم وثيقة للأسد وافق بموجبها نتنياهو على الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967، وهو ما أنكره نتنياهو.
وقصة الوسيط لاودر تصلح كأمثولة نموذجية لما حدث ويحدث على جبهة المفاوضات بين إسرائيل وسوريا، وآخرها ما نشر عن وساطة الرئيس التركي، وكل هذا يبدو انه لا يغير من حقائق الأمور على الأرض في مرتفعات الجولان، التي تتغير في تلك المنطقة الاستراتيجية والمهمة، بفعل القوة، كما تدل شواهد قرن من الصراع على الأقل.